الوقت- بعد مضي وقت طويل على أزمة منطقة قره باغ الحدودية بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، أعيد فتح هذا الجرح القديم مجدداً، الأمر الذي أدّى إلى وقوع اشتباكات جديدة بين قوات الطرفين.
حيث أعلن "كرم ولي اوف" مساعد وزير الدفاع الاذربيجاني أنّ قوات جيش هذا البلد وجّهت ضربات عنيفة لقوات العدو، وبحسب "ولي أوف" إنّ اشتباكات يوم الثلاثاء الماضي بين الطرفين ما زالت مستمرة وأسفرت عن مقتل وجرح عدد من ضباط وجنود هذا البلد، ووفقاً للمصادر الاذربيجانية فقد قتل 7 جنود أذربيجانيين وجنديين أرمن في هذه المناوشات.
هذا وقد أعلنت وزارة الخارجية الأرمنية أيضاً عن تدمير مقرّ عسكري اذربيجاني، ووفقاً لهذه الوزارة فبعد أن تعرّضت المدينة الحدودية "برد" في منطقة طاووس إلى هجمة من قبل أذربيجان قامت أرمينيا بتدمير مقرّ عسكري تابع للجيش الاذربيجاني.
أزمة قره باغ من البداية حتى الآن
بدأت ازمة قره باغ منذ عام 1988 واستمرت لما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، حيث سيطرت أرمينيا على ما يقارب 20 بالمئة من أراضي الجمهورية الأذربيجانية، وفي عام 1994 تم عقد معاهدة لوقف اطلاق النار بين الطرفين بمساعدة أمريكا وروسيا وفرنسا، وقد أدى هذا التوتر إلى مقتل اكثر من 30 الف شخص.
ومع هذه الاوصاف فإن لأزمة الاختلافات الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا جذور تاريخية عميقة ، وقد تم تشكيل قره باغ في القرن التاسع عشر من قبل الاذربيجانيين المسيحيين والارمن والأتراك والتي أصبحت من ضمن الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر.
دامت الحرب الطاحنة بين أرمينيا والجمهورية الأذربيجانية لمدة عامين ما بين عامي 1918 و 1920 ، ومع انهيار امبراطورية نيكولاي الثاني ، الثورة الروسية عام 1917 ومع ظهور الدول المستقلة في القوقاز مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، أدّى بدء المنافسة للسيطرة على قره باغ والاختلافات الحدودية والقومية والتاريخية في المنطقة الجبلية زانغزور (نخجوان) إلى نشوب صراعات عنيفة بين أول جمهورية أرمينية والجمهورية الديمقراطية الأذربيجانية.
حيث استمرت هذه الحرب لمدة أربع سنوات ومن بين الحروب التي شملت منطقة القوقاز تلك الفترة بما في ذلك (معركة باكو ومعركة سارداراباد والحرب الأرمنية التركية).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية قام الحكام الجدد للاتحاد السوفييتي بإعلان منطقة قره باغ منطقة حكم ذاتي بأكثرية قومية ارمنية داخل الاتحاد وكان هذا الاجراء جزء من سياستهم لتوطيد أصول حكمهم في المنطقة، وتم الإعلان عن جمهورية أذربيجان في أوائل عام 1920.
وعندما ضعف حكم الاتحاد السوفييتي على المنطقة في أواخر سنة 1980، أعلن برلمان المنطقة عن استقلالها وصوّت للانضمام إلى الجمهورية الأرمنية، الأمر الذي أدّى إلى هبوب رياح الحرب بين أرمينيا وأذربيجان.
وعلى طول فترة الصراعات التي أسفرت عمّا يقارب من 20 الى 30 الف ضحية وفقدان اكثر من مليون شخص سيطر الأرمن على تلك المنطقة ، ومن اجل احتلال منطقة أخرى خارج قره باغ سعوا إلى وصل قره باغ بارمينيا.
مع العلم أن أرمينيا لم تعترف رسمياً باستقلال هذه المنطقة على الاطلاق لكنها تعدّ من أهم الداعمين لهذه المنطقة على الصعيد المالي والعسكري.
ومنذ عام 1992 بدأت مباحثات بين الجانبين للتوصل الى اتفاق يضمن السلام بين الجانبين بمساعدة مجموعة مينسك التي تتضمن روسيا وفرانسا ومنظمة الأمم المتحدة، والتي أدّت إلى توقيع معاهدة لوقف إطلاق النار بين الجانبين عام 1994.
ومنذ زمن وقف إطلاق النار واجهت المفاوضات طريقاً مسدوداً، فما زال الاذربيجانيون غير راضين عن احتلال الأراضي التي يعدونها جزءً من حقهم المشروع ومازال الأرمن غير مهتمين بإعادة هذه الأراضي على الاطلاق.
وبالتأكيد كانت هناك تطورات مهمة في المفاوضات بين قادة الجانبين في شهري مي ونوفمبر من عام 2009 ، لكن هذا التقدم سرعان ما تم إيقافه ومنذ ذلك الحين حتى الان يتم نشوب اشتباكات ومناوشات عسكرية بين الجانبيين كل فترة وأخرى ، واخر هذه الاشتباكات كان عام 2016 واستمر مدة 4 أيام متتالية.
ماذا حدث عند الحدود؟
يتّهم الطرفان بعضهما بإمطار المواقع العسكرية الحدودية التابعة لبعضهم بالرصاص وان الطرف المقابل هو من بدأ بإطلاق النار، حيث قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية ان رجلاً يناهز من العمر الـ 76 عاماً قتل برصاص الجنود الأرمن في قرية اكدام الحدودية.
وأضافت إنه قتل اربعة جنود اذربيجانيين خلال الاشتباكات التي وقعت يومي الاحد والاثنين اثر الضربات المدفعية وقذائف دبابات العدو.
وفي المقابل صرّح الجيش الاذربيجاني انه تم تدمير مراكز العدو ومدفعيته وأوقع أضراراً بالغة بالمئات من الجنود الأرمن ردّاً على اعتدائهم.
وفي هذا الصدد وجه حكمت حاجي اوف معاون رئيس الجمهورية الأذربيجانية للشؤون الخارجية أصابع الاتهام للطرف الأرمني بالهجوم المباغت على أماكن تمركز القوات الأذربيجانية ، مضيفاً ان القوات الأرمنية المسلحة قامت بانتهاك وقف اطلاق النار في منطقة تووز بشكل علني وواضح.
كما قال رئيس جمهورية أذربيجان خلال الجلسة الطارئة التي انعقدت يوم الاثنين ان مسؤولية عودة الاشتباكات تقع على عاتق القيادة السياسية والعسكرية الأرمنية.
وفي ذات الوقت تتهم أرمينيا أذربيجان بإطلاق النار على مدينة براد ، وتتهم أرمينيا جارتها أيضاً باستهدافها لمواقع ارمينية بالقذائف المدفعية.
وقال شوشان استبانيان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الارمنية على فيسبوك في 12 يوليو الجاري انه كانت هناك سيارة جيب اذربيجانية تحاول الاقتراب الى الحدود الأرمنية في منطقة تاووش لأسباب غير معروفة، مضيفاً انه بعد تحذير الجنود الأرمن لها قام الجنود الاذربيجانيين بالتخلي عن العربة والعودة الى مراكزهم ، وزعم استبانيان انه وبعد ساعة على هذه الواقعة حاول الجنود الاذربيجانيون السيطرة على موقعنا هناك من خلال نيران المدفعية ولكنهم اضطروا الى التراجع والانسحاب بعد تكبدهم خسائر فادحة.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأرمنية في بيان اخر ان هذا العدوان السافر على امن المدنيين الأرمن سيلقى رداً حازماً وان الطرف الاذربيجاني يتحمل كل المسؤولية تجاه هذا الامر.
استمر تصعيد الاشتباكات لعدة أيام فقط حيث انتقد رئيس جمهورية أذربيجان الوساطة الدولية في مسألة الصلح مع أرمينيا واصفاً عملها بالغير هادف ، متهماً أرمينيا بالتماطل في المفاوضات بهدف حفظ الوضع كما هو عليه.
كما تعرضت مجموعه مينسك لكثير من الانتقادات من قبل جمهورية أذربيجان لعدم كفاءتها ، لأنها لم تستطع خلال العقود الثلاثة الماضية ان توصل المفاوضات الى نتيجة مرضية.
الامر الذي أدى الى يأس أذربيجان من المفاوضات التي تهدف الى استرداد المناطق السبع المحتلة من قبل أرمينيا ، مما أدى الى نشوء موجة انتقادات واسعة على الصعيد الداخلي تجاه الهام على اوف رئيس الجمهورية الأذربيجانية حول استعادة مناطق قره باغ ، خاصة بعد ان قام الأرمن بإجراء مراسم تحليف رئيس الجمهورية الجديد في هذه المنطقة الثقافية الهامة لاذربيجان، ومن وجهة نظر الخبراء الاذربيجانيين فان الهجمات المباشرة على طول الحدود المتنازع عليها بين الجارتين في منطقة القوقاز الجنوبية امر في غاية الذكاء من الطرف الأرميني من اجل خلق خلفية لإدخال منظمة التوافق الأمني الجماعي (CSTO) برئاسة موسكو الداعم الأول لارمينيا في ازمة قره باغ.
وفي نفس الوقت ، يشير بعض المحللين ايضاً الى تأثير التطورات الداخلية في أرمينيا على النزاعات التي وقعت في الأيام الأخيرة ، وبناءً عليه فان فشل رئيس جمهورية أرمينيا نيكول باشينيان في تنفيذ وعوده التي اطلقها للشعب الأرمني في حين ان حزبه يسيطران على البرلمان والحكومة ، أدى الى لجوئه الى حرف الرأي العام الداخلي واشغاله بمسالة النزاع الخارجي.
هل ستقوم الحرب؟
لكن في ظل الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين الطرفين، دعت الكثير من الأطراف الدولية الجانبين الى تهدئة الأمور وانهاء النزاع على الفور، كما يعتقد العديد من المراقبين ان احتمالية وقوع حرب شاملة بين أرمينيا وأذربيجان أمر مستبعد جداً لأسباب كثيرة ، ومنها وجود عدد كبير من المدن الغير عسكرية في المناطق المتنازع عليها ، حيث انه في حال وقوع حرب في هذه المنطقة فسيضطر معظم قاطني هذه المدن للنزوح منها.
بالإضافة الى شبكة خطوط النفط والغاز والطرق الاستراتيجية التي سيتم قطعها في حالة نشوب حرب شاملة في المنطقة، وهذا الامر يوجد تحديات انية لكلا الطرفين هما في غنى عنها ، ويعتقد المراقبون ان الحرب لن تكون في صالح الطرفين.