الوقت – على الرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، غير أنّ قضيّة اغتياله لا تزال تشغل العالم، حيث خرجت المقّررة الأممية لشؤون الإعدامات خارج إطار القانون "أغنيس كالامارد"، لتؤكد أنّ الغارة الأمريكية التي استشهد بها الجنرال سليماني، كانت انتهاكاً للقانون الدولي، وأضافت كالامارد إنّ العملية الأمريكية التي استهدفت سليماني خرقت ميثاق الأمم المتحدة، وإنّ الأخيرة فشلت في تقديم أدلّة كافية على وجود مخطط لاستهداف مصالحها.
وزارة الدفاع الأمريكية هي الأخرى لم يتأخر ردّها على كالامارد ليخرج مسؤول في تلك الوزارة، ويدّعي أن سليماني كان يخطط لـ "هجمات إرهابية" تستهدف مصالح أمريكية ودول أخرى قبل عملية اغتياله، وزعم المسؤول ذاته أنّ اغتيال سليماني كان خدمة لاستقرار المنطقة!.
أحدٌ لا يعلم كيف يخرج مسؤول أمريكي ويأتي بمثل تلك التصريحات، والعالم كلّه يشهد للجنرال سليماني على محاربة الإرهاب والجريمة، ويعود تاريخ سليماني في هذه الحرب إلى العام 1988، فبعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية بدأ الجنرال سليماني بشن حرب على عصابات المخدرات التي كانت تُهدد السلم والأمن الدوليين والتي كانت تعتبر إيران ممرها الرئيس لتوزيع المخدرات على العالم بعد أن تجلبه من أفغانستان، وبعد ثلاث سنوات من هذه الحرب الشرسة تمكّن سليماني من القضاء على هذه التجارة الرائجة الأمر الذي أكسبه احترام ليس الإيرانيين وحسب بل سكّان العالم جميهم.
وبعدها بسنوات وخصوصاً بعد تسلّمه قيادة فيلق القدس، كان الجنرال سليماني أحد أبرز القادة الذي حاربوا تنظيم القاعدة وجماعة طالبان الإرهابيين في الوقت الذي كانت القاعدة وطالبان تتلقيان الدعم الأمريكي المفتوح، فالمراقب للوضع هناك يمكنه أن يلحظ الدور المحوري في الحرب على هذين التنظيمين، وتحالفه مع قوّات الشمال لتلقين طالبان والقاعدة درساً قاسياً بعد الجرائم الوحشية والمجازر غير المُبررة التي ارتكبها التنظيمان بحق الأفغان، وبالطبع في هذا الوقت كان التنظيمان أحد أكثر الأصدقاء وفاءً لأمريكا حتى أنّ رونالد ريغن وبعد استقبالهم في البيت الأبيض وصفهم "المعادل الأخلاقي للآباء المؤسسين لأمريكا" وبالطبع كان توريد الأسلحة لتلك المجموعات يسير على قدمٍ وساق.
في حزيران2014، وعندما استولى تنظيم داعش الإرهابي على الموصل، وتمدده إلى الداخل العراقي، ومع وصل التنظيم الإرهابي إلى ضواحي بغداد بحلول أكتوبر 2014 والتي كان يستهدفها التنظيم بقذائف الهاون ويستهدف المطار الدولي والرئيس؛ لم يجد الجنرال سليماني بُدّاً من التدخل لحماية ما تبقى من العراق بوجه هذا الغول خصوصاً بعد أن خلع عشرات الآلاف من القوات العراقية والشرطة الاتحادية زيهم العسكري وترجوا مواقعهم خشية وصول داعش.
بدأ الجنرال سليماني بوضع الخطط لمواجهة هذا التنظيم وساعد العراقيين بتشكيل الحشد الشعبي الذي كانت له اليد العليا في محاربة التنظيم، وقد شاهد الجميع ظهور الشهيد سليماني على خطوط الجبهة الأولى في تكريت وصلاح الدين والموصل، حيث كان يُدير المعارك هناك بعكس أيِّ قائد آخر، وربما نستطيع رؤية الدور الذي قام به سليماني من خلال تصريحات رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، الذي شكر إيران والشهيد سليماني للدور الذي لعبوه في الحدّ من وحشية ذلك التنظيم من خلال تسليم إيران الفوري للأسلحة والذخيرة، حتى دون طلب مدفوعات فورية، كما أنّه خصّ الشهيد قاسم سليماني بالاسم واصفاً إياه كواحد من أهم حلفاء العراق في الحرب ضد الإرهاب.
وفي سوريا؛ يعلم السوريون جيّداً الخدمات الجليّة التي قدّمها سليماني ورفاقه والشهداء الذين ارتقوا في الحرب على الإرهاب، ودورهم المركزي في طرد تنظيم داعش والميليشيات الإرهابية الأخرى التي تتخذ من الفكر الإرهابي الجهادي منهاجاً لها، كتنظيم جبهة النصرة وتنظيم حرّاس الدين على سبيل المثال.
وفي النهاية، فإنّ الهدف من اغتيال الشهيد قاسم سليماني أنّه أرسى قاعد السلام من العراق إلى لبنان، أصبح محور المقاومة الذي صال في أرجائه الجنرال سليماني مستقرًا بما فيه الكفاية بحيث أي إيراني أو عراقي أو سوري أو لبناني أن يبدأ مسيره من خليج عُمان جنوب إيران ليصل إلى حدود لبنان مع الكيان إسرائيل دونما توقف، بل أكثر من ذلك فالطريق الذي نذكره سيكون مفتوحًا أمام الإمدادات العسكرية للوقوف بوجه الكيان الإسرائيلي، وربّما هذا هو السبب الرئيسي من عملية اغتيال الشهيد سليماني.
أكثر من ذلك؛ وعلى الرغم من تصريحات كالامارد بخصوص استشهاد الجنرال سليماني؛ غير أنّها لا تفي الشهيد حقّه، كما أنّ التصريحات الأمريكية بخصوص سليماني لا تُعدُّ أكثر من هذيان، إذ يكفيهم النظر في خريطة الجنرال سليماني ليعلموا حجم الخطيئة التي ارتكبوها باغتياله.