الوقت-عندما تم تكليف مصطفى الكاظمي، الصحفي ورئيس جهاز المخابرات والأمن العراقي السابق، رسمياً من قبل الرئيس العراقي برهم صالح في 9 أبريل 2020 بتشكيل الحكومة الجديدة، كان من الصعب التصديق أن تَلقى الحكومة الجديدة ، ترحيباً غير مسبوق من قبل القوى السياسية العراقية. ومع ذلك ، ووسط ذهول المراقبين، تمكن الكاظمي من كسب ثقة البرلمان العراقي في 6 مايو 2020، وبالنتيجة، كسِب جميع أعضاء حكومته على ثقة البرلمان.
ولكن بعد مرور شهرين فقط من تولي مصطفى الكاظمي منصب رئاسة الوزراء، تشع في الأرجاء أنباء تفيد عن احتمالية استجوابه داخل البرلمان العراقي. حيث أعلن جاسم البخاتي، النائب عن تيار الحكمة الوطني في البرلمان العراقي، عن إمكانية استجواب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في المستقبل القريب وتوجيه بعض الأسئلة اليه.
والسؤال الآن ما هي الأسباب التي أدت، بعد مرور شهرين فقط، الى التشكيك بأداء مصطفى الكاظمي وتواجُد شبهات تحوم حوله، بعدما استطاع الأخير من كسب ثقة القوى السياسية بشكل لم يسبق لمرشح رئاسة وزراء في العراق مسبقا من الحصول عليها. بعبارة أخرى أكثر وضوحا، ما هي الأسباب التي تجعل إمكانية استجواب الكاظمي في الوقت الحاضر جدية وحقيقية؟ وفي هذا الصدد، يمكننا أن نذكر ثلاثة أسباب أو محاور رئيسية كعوامل في سيناريو استجواب رئيس الوزراء العراقي الجديد.
الأداء الضعيف حول موضوع طرد القوات الأمريكية من العراق
مما لا شك فيه أن أهم قضية، ليس فقط لمصطفى الكاظمي، بل لأي شخص آخر يتولى مسؤولية منصب رئاسة الوزراء في الوقت الراهن، هو تنفيذ قرار البرلمان العراقي بطرد القوات الأمريكية من البلاد. وفي الأشهر الأخيرة، لم تكن هناك خطوات ملموسة وعملية لطرد القوات الأمريكية، بل أن وجودهم العسكري غير القانوني في العراق اتخذ أبعادًا جديدة، وأهمها نشر منظومة الدفاع الصاروخي باتريوت في قواعد عين الأسد العسكرية، وقاعدة الحرير في أربيل والسفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد.
وفي هذا السياق، شهدت المستجدات الأخيرة المتعلقة بالقوات الأمريكية في العراق، إختبار هذه القوات لمنظومة الدفاع الصاروخي باتريوت في المنطقة الخضراء ببغداد في 4 يوليو 2020، في خطوة أرعبت السكان المحليين. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قوبلت برد فعل شديد من قبل مختلف المسؤولين السياسيين العراقيين، وخاصة أعضاء البرلمان العراقي، فالحقيقة هي أن هذا الإجراء الأمريكي ينتهك جميع القوانين الدولية ويشكل انتهاكًا واضحًا للسيادة الوطنية العراقية. وقد أدى فشل حكومة مصطفى الكاظمي في اتخاذ موقف صارم تجاه هذا الإجراء غير المسبوق وغير القانوني لواشنطن، إلى استياء العديد من أعضاء مجلس النواب.
على صعيد آخر، أدى الهجوم الذي شنته قوات جهاز مكافحة الإرهاب على مقر اللواء 45 التابع لكتائب حزب الله في منطقة البوعيثة في جنوب شرق بغداد صباح 26 يونيو / حزيران 2020 ، والذي نُفذ بأوامر مباشرة من السيد مصطفى الكاظمي، إلى تزايد حالة الاستياء وعدم الرضا عن رئيس الوزراء. وقد تزايدت هذه الحالة خاصة بعدما اقتحمت وحدات من قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية، بمساعدة القوات الأمريكية، مقر قوات الحشد الشعبي.
بشكل عام، يظهر الاتجاه الحالي أن مصطفى الكاظمي، خلافا لإرادة الشعب العراقي، ليس لديه الإرادة الجادة لمواجهة الأمريكيين وتنفيذ قرار طرد القوات الأجنبية من البلاد، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في نهاية المطاف إلى خروج الكاظمي من المنطقة الخضراء.
صمت حكومي تجاه الإساءة لمقام المرجعية العليا
من العوامل الأخرى التي نشأت على أساسها فكرة استجواب السيد مصطفى الكاظمي، هو صمت الحكومة تجاه إهانة صحيفة سعودية للمرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله السيد علي الحسيني السيستاني. وتسبب الرسم الكاريكاتيري الذي أساء الى مقام آية الله السيستاني، من قبل صحيفة الشرق الأوسط السعودية، موجة من الغضب والكراهية بين المواطنين العراقيين في الأيام الأخيرة تجاه الأمر، وقد أدان العديد من المسؤولين السياسيين وزعماء الكتل السياسية هذا الرسم الكاريكاتيري، لكن الحكومة حتى الآن لم تتخذ أي موقف تجاه الموضوع. وعموما، فإن التأخر والتردد وعدم اتخاذ موقف واضح من قبل مصطفى الكاظمي وأعضاء حكومته الآخرون، ردًا على إساءة صحيفة الشرق الأوسط، قد تمهد الأجواء في المستقبل أمام استجواب الكاظمي.
موقف ضعيف ضد السعودية
من الانتقادات الأخرى الموجهة لمصطفى الكاظمي، هو ما يتعلق بأدائه حول المملكة العربية السعودية. ففي أولى قراراته بعد كسبه الثقة البرلمان العراقي، أقدم الكاظمي في خطوة مفاجئة ، بإرسال وفد برئاسة وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي في 22 مايو 2020 إلى المملكة العربية السعودية والكويت. وعلى الرغم من أن الزيارة كان لها أهداف اقتصادية رئيسية حسب مزاعم وسائل الإعلام، إلا أنها لم تؤد إلى أي اتفاق أو تقديم مساعدات مالية الى العراق عمليًا.
وعقب هذه الخطوة، انتقد العديد من السياسيين العراقيين بشدة تصرفات رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي. وقال إياد علاوي، السياسي العراقي المتمرس، "إنني أرفض بشدة خطوة رئيس الوزراء بإرسال وزير المالية لطلب المساعدة أو القروض من دول أخرى".
والواقع أن الرأي العام العراقي يشعر بقلق عميق من أن رئيس الوزراء أبدى موقفاً هشاً وضعيفاً تجاه الرياض، وهو ما يخالف في الواقع الكرامة الوطنية للمواطنين العراقيين. وبشكل عام، أصبحت قضية اتخاذ مواقف ضعيفة تجاه المملكة العربية السعودية قضية أخرى تنتقدها القوى السياسية فيما يخص الكاظمي، مما يؤدي في نهاية المطاف الى تمهيد الأجواء لاستجواب رئيس الوزراء داخل البرلمان العراقي.