الوقت – صبيٌّ متهوّر يضرب ذات اليمن وذات الشمال وكأنّ أحدٌاً سرق ألعابه، هذا هو الحال الذي وصل إليه ابن سلمان في حكم مملكة آل سعود، فلم يسلم من اعتداءاته حتى أقرب المقربين له، فمن عمّه إلى أبناء أعمامه، فالجميع سواسية إذا تخيّل أحدٌ منهم أنّه سيصل إلى العرش يوماً ما، فهذا العرش وبنظر ابن سلمان هو لعبته التي لا يسمح لأحدٍ بالوصول إليها، وعلى هذا الأساس زجّ بقسمٍ كبير من أبناء آل سعود ولا سيما المؤثرين منهم في السجن، ليكونوا عبرةً للجميع، أمّا الذين طالهم حلم ابن سلمان فتمّ التضييق عليهم من منع للسفر والاستيلاء على الأموال والمراقبة الدائمة في الحلِّ والترحال.
وليكون عبرةً ليس فقط لأبناء آل سعود، بل للسعوديين أجمعين، اختار ابن سلمان ابن عمّه محمد بن نايف ليكون كبش فداء، حيث خرجت علينا وسائل الإعلام هذه الأيام بتسريبات من داخل قصور آل سعود لتؤكّد أنّ ابن سلمان سيُحاكم ابن عمه محمد بن نايف بتهمة الاختلاس، مُستنداً بذلك على ترأّس ابن نايف وزارة الداخليّة عندما كان وليّاً للعهد، قبل أن يُطيح به ابن سلمان ويأخذ مكانه.
جادل العديد من السعوديين وبالأخص أنصار ولي العهد محمد بن سلمان بأن كارثة اغتيال خاشقجي علمته أن يكبح جماحه العدواني، غير أنّ الطبع غلب التطبع، ومن شبّ على شيءٍ شاب عليه، فالإجرامُ طبعٌ لدى ابن سلمان، لكن لماذا لم يجد سوى ابن عمّه ليكون كبشاً للفداء؟ مُلبساً إيّاه تهمة الفساد والاختلاس!.
من الواضح أنّ أحد الدوافع المحتملة لعمليات اعتقال ابن نايف واتّهامه بالاختلاس هو شيخوخة الملك سلمان والد ولي العهد الأمير محمد، فالملك سلمان والبالغ من العمر 84 عاماً سيُغادر هذه الدنيا في أيِّ لحظة، وهنا يتخوّف ابن سلمان من هذه اللحظة وأن يُزاحمه أحد على منصب الملك، لذلك بات يسعى إلى حبس المنافسين المحتملين لخلافة والده حتى قبل وفاته.
وعلى الرغم من أنّ أحداً من الأمراء المُحتجزين لم يعط أيّ إشارة إلى أنهم يعتزمون تحدي ولي العهد محمد ومنافسته على منصب الملك غير أنّ ابن نايف يُنظر إليه على أنه أهم منافس لولي العهد الحالي ويتربّصه في طريقه إلى السلطة، وابن نايف كوزير سابق للداخلية، فقد كان يُسيطر على إحدى القوات المسلحة الثلاث في البلاد، الأمر الذي يمنحه قوة كبيرة في أيّ صراع مُحتمل على السلطة.
أكثر من ذلك يتخوّف ابن سلمان من قرب ابن عمّه من واشنطن ودوائر صنع القرار هناك، لا سيما وكالة المخابرات الأمريكية، التي يربطها بابن نايف علاقات قويّة إبّان ترأسه لوزارة الداخلية والحملات التي كان يشنّها لمكافحة تنظيم القاعدة في السعودية.
والواضح أيضاً أنّ ابن سلمان لم يطح بسلفه في عام 2017 فحسب؛ بل أهانه أيضاً، حيث أجبر مساعدو ابن سلمان ابن نايف على التخلّي عن أدواره الأمنيّة واحتجازه لفترة طويلة وحرمانه من الأدوية اللازمة، كما جمّد مساعدو محمد بن سلمان أصول الأمير محمد بن نايف وحظروه من السفر وبدؤوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث اتهموه بالإدمان على مسكنات الألم والمخدرات، واليوم أتت الطّامة الكبرى باتهامه بالاختلاس والكسب غير المشروع.
وبعد تجريده من سلطته والحدّ من حرية حركته؛ بدا أنّ محمد بن نايف قد أذعن إلى حدّ كبير لقبضة خليفته، غير أنّ ارتباطه بالمخابرات الأمريكية بقي مصدر قوّةٍ له، واليوم يحاول من خلال اتهامه بالفساد والاختلاس أنّه يسير في طريق الإصلاح ومحاربة الفساد بعد اعتقاله عشرات رجال الأعمال وسلبهم ممتلكاتهم، حيث سرّب مُقرّبون منه أنّ المحققين السعوديين طلبوا من ابن نايف دفع 15 مليار دولار مُدّعين أنه اختلسها، على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف وصلوا إلى هذا الرقم، ويعلم كلّ سُكّان السعودية أنّ ابن نايف لم يكن منفقاً بشكلٍ كبير، مقارنة ببعض الأمراء الكبار، كمحمد بن سلمان الذي أصبح أحد كبار مُشتري اللوحات الفنيّة على مستوى العالم، لكنه أي ابن سلمان يتلطّى خلف شعارات محاربة الفساد وسلب الأنباء من رجال الأعمال والأمراء أموالهم جعلته يظهر بمظهر المُدافع عن الإصلاح في مملكة آل سعود، وذلك على الرغم من حكمه الاستبدادي القاسي.
في النهاية، فإنّ اعتقال أفراد أسرة آل سعود المشتبه بولائهم أصبح علامة تجارية تُميّز عصر محمد بن سلمان، حيث صوّر حملات اعتقال المئات من رجال الأعمال الأقوياء وأفراد العائلة المالكة في عام 2017 وسجنهم في فندق الريتز كارلتون في الرياض، مُدّعياً أنّ يقوم بمحاربة الفساد، ولا يخرج اتهام محمد بن نايف بهذه التهمة عن هذا المشروع الذي يسعى من خلاله ابن سلمان للسيطرة على كلّ مفاتيح الحكم في المملكة.