الوقت - كانت زيارة وزير الدفاع الترکي "الجنرال خلوصي أكار" ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التركية "الفريق أول يشار جولر" إلى ليبيا، من الأحداث الهامة التي أظهرت أن فريق أردوغان لا ينوي الانسحاب من الساحة الليبية، ويريد الإصرار علی مواقفه، ليُنظر إلی تركيا کدولة قادرة على التدخل الجاد في أفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.
أحد الإجراءات الرمزية التي قام بها خلوصي أكار أثناء زيارته إلی ليبيا، جذب انتباه الكثيرين في وسائل الإعلام العالمية ونشطاء الفضاء الإلكتروني. حيث أجرى أكار مقابلةً مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" بطريقة جعلت الصورة تحتوي على رسالة واضحة.
وزير الدفاع التركي وأثناء هذه المقابلة وقف بالقرب من مروحية روسية الصنع سقطت في أيدي القوات المدعومة من أنقرة في الصراعات الأخيرة، الأمر الذي يمكن النظر إليه کنوع من استعراض القوة ضد روسيا.
وأكد وزير الدفاع التركي أن جيش بلاده سيبقى في ليبيا، مضيفًا أن الهدف من ذلك هو أن يعيش "الإخوة والأخوات الليبيين في أمان وراحة أكبر".
کما أشار أكار أيضاً إلى تاريخ تركيا وليبيا الممتد لـ 500 عام، وقال إن "أجدادنا انسحبوا من المنطقة، لكننا سنقوم بكل ما يجب علينا أن نقوم به من أجل العدالة والحق وفي إطار القانون الدولي، وسنبقى هنا إلى الأبد مع إخواننا الليبيين".
تعبير مبالغ فيه عن عودة الأسطورة
في الأشهر الأخيرة، أصبحت المزاعم المرتبطة بقيام حزب العدالة والتنمية الترکي بتنظيم الآلاف من مستخدمي تويتر، موضوعًا ساخنًا في وسائل الإعلام التركية.
يعتقد معارضو أردوغان أن الحزب الحاكم كلف الآلاف من المستخدمين بتوجيه انتباه الرأي العام إلى الحزب، من خلال نشر تغريدات ومنشورات سياسية ودعائية علی تويتر وفيسبوك، وخاصةً حول أهداف تركيا السياسية والدفاعية. حيث يتم نشر آلاف التغريدات المتعلقة بوجود تركيا في ليبيا على تويتر هذه الأيام.
وفي العديد من هذه المنشورات، تم نشر صور الشعارات العسكرية على أسلحة الجنود الأتراك، والتي تحتوي على صور مصطفى كمال أتاتورك، رمز النسر والرموز الأخرى، وصور أشجار النخيل وقوافل الجمال، مزينةً بشعارات تاريخية(طرابلس الغرب 1910) و(عودة الأسطورة)، وفي الوقت نفسه، يُوصف الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية "رجب طيب أردوغان" ووزير الدفاع "خلوصي أكار" ورئيس جهاز المخابرات الترکي "هاكان فيدان"، بالمثلث الذي يمثل القوة التركية وعودة الأسطورة.
التنسيق العسكري بين تركيا والجيش الليبي
يوضح تقرير زيارة وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة لليبيا، أن الزيارة استعرضت مراقبة عملية التعاون الاستخباري والعملياتي بين الجيش التركي والجيش التابع لحكومة الوفاق الوطني الليبية، کما تم تقييم التطورات الميدانية في المعسكرات العسكرية والتدريبية المشتركة.
وبالنسبة إلی عدد القوات التركية أو ضباط الأمن الأتراك في المشهد الليبي، فلم يتم نشر معلومات واضحة، وفي هذا الصدد أدلى المحلل في صحيفة "حريت" التركية والصحفي المقرب من فريق أردوغان "عبدالقادر سلوی"، بتصريحات عامة رافضاً الكشف عن أرقام محددة.
وفي الوقت نفسه، ليس من الواضح كم هو عدد معارضي بشار الأسد من العرب والتركمان الذين تم نقلهم إلى ليبيا من قبل تركيا. ولكن الواضح هو أن تركيا أرسلت العديد من الطائرات بدون طيار إلى ليبيا، وعلى الرغم من إسقاط ثلاثة منها على الأقل، إلا أن الطائرات الأخرى لا تزال نشطةً، ويبدو أنها غيرت ميزان الحرب ضد حفتر.
إن جهود تركيا للانتشار الدائم في قاعدة "الوطية" الجوية وقاعدة "مصراتة" البحرية، من الأهداف المهمة التي يمكن أن تؤثر على مستقبل ليبيا.
قاعدة الوطية التي تقع على بعد 140 كلم جنوب غرب طرابلس، ستستضيف طائرات "إف 16" المقاتلة ومروحيات "أتاك" العسكرية التركية، وإذا كان لقوات هذا البلد وجود دائم وخالٍ من المتاعب في "مصراتة" أيضاً، فسيكون لدى تركيا المزيد من الأوراق للعب بها.
بالطبع، تحقيق هذه الأهداف مرهون بعاملين مهمين ومؤثرين: 1. نتائج المساومات والمفاوضات بين أنقرة وموسكو. 2. نتائج الصراع الميداني ومدی قوة قوات حفتر.
وتشير الدلائل إلى أن قوات حفتر لا تزال تسيطر على شرق البلاد وأجزاء كبيرة من الجنوب، حيث حقول النفط الرئيسية.
ماذا ستفعل روسيا؟
ليس من قبيل المبالغة القول إن التحدي الرئيسي الذي يواجه تركيا في ليبيا الآن، ليس مصير الجنرال خليفة حفتر وقواته اليوم، بل النتيجة النهائية لمواقف وقرارات روسيا.
إن القوة السياسية والعسكرية الروسية، وكذلك الفوائد الاقتصادية الكلية للعلاقة مع هذا البلد لتركيا، جعلتا المساومة مع روسيا صعبةً، بحيث لا يمكن لفريق أردوغان اتخاذ القرار بسهولة.
وبالنظر إلى الوضع الحالي في العراق وسوريا، فإن تركيا وعلى الرغم من كل المعارضات، تتدخل بأي طريقة تحلو لها. لكن الساحة الليبية ساحة مختلفة، وبسبب حساسية روسيا الخاصة تجاه ليبيا، وكذلك غياب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإن تركيا تجد نفسها مضطرةً للتحرك بحذر أمام روسيا.
ولذلك، يمكن القول إن قيام خلوصي أکار بإجراء المقابلة بالقرب من المروحية روسية الصنع، هو سلوك خاص ورمزي، لا مثيل له في شكله الواضح على الأقل، ولم ترسل تركيا حتی الآن إشارةً سلوكيةً رمزيةً إلى روسيا بهذه الطريقة.
يبقى أن نرى کيف ستكون عواقب وتداعيات هذا السلوك الذي صدر من وزير الدفاع التركي. فهل تفضل روسيا الابتعاد عن المواقف التركية، في دعم حفتر وقواته وکذلك الدعم الضمني للبرلمان المعارض لحكومة فايز السراج؟ أم أنه من المحتمل أن تجد في المفاوضات المقبلة طريقةً للحصول على مزيد من التنازلات من تركيا، وتحرك الجانبين تدريجياً نحو التفاعل والتعاون؟