الوقت- في الوقت الذي اتهمت فيه وزارة العدل الأمريكية، في آذار الماضي، الرئيس الفنزويلي مادورو بتهريب المخدرات، ووضعت وزارة الخارجية مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يأتي برأس مادورو، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بيان غريب لوسائل الإعلام الأمريكية أنه يرغب بإجراء مفاوضات مع رئيس جمهورية فنزويلا، ويأتي اهتمام ترامب بالمحادثات بين واشنطن وكاراكاس، في الوقت الذي دعا فيه ترامب سابقاً إلى توجيه ضربة عسكرية لفنزويلا والقيام بانقلاب ضد حكومة مادورو.
على الرغم من أنّ ترامب قد أدلى بعدد من التصريحات الغريبة والمفاجئة حتى الآن، لكن فيما يتعلق بفنزويلا، يمكن القول إنها أغرب منعطف في فترة رئاسة ترامب للبيت الأبيض خلال السنوات الأربع الماضية وتحديداً قبل الانتخابات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي أسباب إبداء ترامب مرونة تجاه مادورو؟
تغُيّر المواقف 180 درجة، نتيجة هزائم واشنطن المتعاقبة ضدّ كاراكاس
يمكن رؤية أسباب تغُير مواقف ترامب تجاه سياساته مع فنزويلا، في مقابلته مع مجلة اكسيوس. وفي مقابلة في مكتب ترامب بالبيت الأبيض يوم الجمعة، قال الرئيس الأمريكي إنه أعاد النظر في قراره الاعتراف بخوان غوايدو كزعيم قانوني لفنزويلا وإنه مستعد للقاء الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وردّاً على سؤال عمّا إذا كان سيلتقي مادورو، قال ترامب: "ربما أفكر في ذلك ... مادورو يرغب بهذا اللقاء، وأنا من جانبي لم أعارض اللقاء قط، ونادراً ما كنت أعارضه.
بعد تصريحات ترامب الأخيرة حول استعداده للتفاوض مع مادورو، ردّ رئيس فنزويلا على الفور على عرض نظيره الأمريكي وأشار الى أنه يستحسن المقترح، وأعلن الرئيس الفنزويلي عن استعداده للقاء ترامب لحلّ الخلافات وتقليل التوترات بين البلدين.
يمكن إرجاع سبب تغيّر مواقف دونالد ترامب في الفترة الحالية إلى فشل سياساته تجاه الحكومة الفنزويلية، على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث فرضت أمريكا عقوبات شديدة على فنزويلا لغرض إخضاع حكومتها، ولكن بعد عدم استسلام مادورو، اتبعت أمريكا استراتيجية خلق حكومة موازية، حيث تم ترشيح خوان غوايدو، رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، كمرشح جديد للبلاد ومنافس للرئيس الشرعي للبلاد، وقد اعترفت به أمريكا والأوروبيون.
عندما لم تنجح استراتيجية تشكيل حكومة موازية وخلق فجوة في النظام الحاكم في البلاد، كان التهديد بشنّ هجوم عسكري والقيام لاحقاً بعملية انقلاب على حكومة البلاد على جدول الأعمال البيت الأبيض، ولكن هذه الاستراتيجية فشلت أيضاً، يبدو أنّ كل هذه الإخفاقات قد أوصلت ترامب حالياً إلى قناعة تتبنّى ضرورة اتباع أسلوب أكثر مرونة ولين تجاه نيكولاس مادورو.
لغز مخاوف حضور إيران في أمريكا اللاتينية
عند تقييم سبب رغبة ترامب في تهدئة التوترات مع فنزويلا، يمكن التحدث عن طرف إقليمي ربما لم يكن أي مراقب سياسي يعتقد أنه سيزيد من مخاوف ترامب يوماً ما في مجال النفوذ الأمريكي، وهذه الدولة ليست سوى إيران.
في الواقع، ما يتضح من هذا التغيير المفاجئ في موقف ترامب تجاه فنزويلا هو قلقه الشديد لمستقبل نفوذه في أمريكا اللاتينية. لقد تراجع الاقتصاد الفنزويلي بعد الانقلاب الذي حدث في فنزويلا العام الماضي وفرض عقوبات أمريكية شديدة على البلاد، خلال هذه الفترة، تسبّبت جمهورية إيران الإسلامية، بدعمها السياسي والاقتصادي لهذا البلد، بالإضافة إلى تعزيز موقعها في المنطقة، بقلق شديد لأمريكا في أمريكا اللاتينية.
هذه الدولة التي اعتبرتها أمريكا لسنوات عديدة أنّها الفناء الخلفي لها، تميل الآن نحو الجمهورية الإسلامية، وقد يكون هذا علامة على هزيمة أمريكا، ومن ناحية أخرى، بعد نجاح إيران في نقل الوقود إلى فنزويلا، على الرغم من التهديدات الأمريكية، تم نقل رسالة مهمّة للعالم بأنّ لإيران دور مهم تلعبه ليس فقط في منطقتها ولكن أيضًا خارج حدودها في السياسة الدولية من خلال قوة الردع العالية.
التصعيد مع كاراكاس، إنجاز وهمي للسياسة الخارجية
يمكن تقييم السبب الآخر لرغبة ترامب في التفاوض مع حكومة مادورو، هو فيما يتعلق بقضية الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020. في الواقع، يعتزم ترامب استعادة سجّله الكارثي في السياسة الخارجية بطريقة ما عن طريق التفاوض مع مادورو.
على مدى السنوات الأربع الماضية، فشل ترامب على جميع المستويات، في الالتزام بخطابه في السياسة الخارجية، على الرغم من ادعاءاته، ونتيجة لذلك، يبدو الآن أنه يخطط لمسرحية أخرى ولكن هذه المرة في جنوب أمريكا، يعتزم ترامب أن يبيّن لناخبيه ما من شأنه أن يكون أقل من أن يُصنف على أنّه إنجاز في السياسة الخارجية.
استعداد دونالد ترامب للتفاوض مع منافسي أمريكا على مستوى العالم
بصرف النظر عن انتخابات نوفمبر ومسألة نفوذ طهران في أمريكا الجنوبية، هناك مسألة مهمة أخرى هي أن ترامب لديه اهتمام غريب في التفاوض مع قادة الدول المُنافسة لأمريكا، مثل إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا، وما إلى ذلك، قد يكون هذا عائداً إلى رغبة ترامب للقاء الأطراف الذين لا يرغبون في الاستسلام لرغباته.
في الواقع، أظهر ترامب على مرّ السنين، أنّه ليس لديه رغبة للتفاوض مع قادة الدول التي لا تصمد أمامه، بل إنه في العديد من الاجتماعات أهان هؤلاء السياسيين، ولكن بناءً على شخصيته النفسيّة، أبدى ترامب دائماً استعداده للقاء رؤساء تلك الدول التي ترفض الرضوخ لأوامره، وقد يعود ذلك الى شخصية ترامب، حيث يرغب بشدّة في إظهار قوته المُدّعاة في إطار التفاوض والتوافق، خاصة تجاه الخلافات التاريخية مع أعداء أمريكا ومنافسيها الدائمين.