الوقت-منذ النصف الثاني من القرن العشرين، كان لمفهوم حقوق الإنسان، الذي تجلى على الصعيد الدولي بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، دور فعال في توسيع تأثير ونفوذ الثقافة الغربية وكذلك حفظ هيمنة الخطاب الرأسمالي الليبرالي في جميع أنحاء العالم واستمراره.
في غضون ذلك، في النصف الأخير من القرن الماضي، أدركت الحكومات الأمريكية المختلفة هذه الإمكانية، ودائماً ما اعتبرت خارطة الطريق لتطبيق حقوق الإنسان في السياسة الخارجية عاملاً من عوامل القوة، خاصةً في مواجهة الحكومات المتنافسة. وغالبًا ما أكدت الحكومات التي يقودها الديمقراطيون على استخدام الدبلوماسية الدولية والأممية للضغط على المنافسين، وشددت الحكومات الجمهورية على إمكانية استخدام القوة والسلوكيات أحادية الجانب، ولكن في كلتا الحالتين تظل ذرائع حقوق الإنسان جزءًا ثابتًا من أسباب الإجراءات المتخذة ضد بلدان أخرى.
ومع ذلك، أدى استخدام قضية حقوق الإنسان باعتبارها أداة دبلوماسية، إلى ظهور المعايير المزدوجة للحكومات الأمريكية فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وغض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة والواضحة لحقوق الإنسان، مثل استمرار دعم الولايات المتحدة للجرائم الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين، أو مثل دعم البيت الأبيض الشنيع لقاتل الصحفي السعودي الناقد جمال خاشقيشي وغيرهم الكثير.
طوال هذه الفترة، كانت هناك مسافة كبيرة بين تصريحات المسؤولين الأمريكيين وأفعالهم حول دعم حقوق الإنسان، ليس فقط في العلاقات الخارجية ولكن أيضًا في التطورات السياسية والاجتماعية المحلية للمجتمع الأمريكي. الأمر الذي ينعكس من خلال انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السياسي الأمريكي، وكذلك وجود فجوات هيكلية في المجتمع بسبب أداء النظام السياسي الجائر في البلاد.
الاختلاف العنصري، لا يزال السود يحلمون بالمساواة العرقية
هذه الأيام، أدى القتل الوحشي لرجل أسود على يد الشرطة إلى سلسلة متكررة من الاحتجاجات ضد الظلم والعنف الجامح الذي يتعرض له السود في الولايات المتحدة. ما يحدث في الولايات المتحدة هذه الأيام هو بسبب غضب المواطنين من خنق جورج فلويد، وهو مواطن أسود توفي بعدما تعرض للإختناق من قبل ضابط شرطة أبيض في ولاية مينيسوتا. وموجة الغضب المستمر هذه نشأت بسبب قرون من عدم المساواة والتمييز المُكرّس في الولايات المتحدة ضد الأشخاص السود في البلد.
على الرغم من أن الأمريكيين السود تمكنوا من القضاء على العديد من الأسس التي تحافظ على الظلم، وخاصة القوانين العنصرية، لكن بعد 150 عامًا من إلغاء التعديل الثالث عشر المتعلق بالعبودية في الولايات المتحدة، فإن معظم السود يقولون إن العبودية لا تزال تؤثر على المجتمع الامريكي الأسود.
ووفقًا لمركز بيو للأبحاث في عام 2019 ، يعتقد ستة من أصل عشرة أمريكيين (58 ٪) أن هناك عنصرية في الولايات المتحدة، وقليلون هم الذين يرون تقدمًا في تحسين الأوضاع. يعتقد ما يقرب من ثلثي الناخبين أن الآراء العنصرية أصبحت أكثر انتشارًا في المجتمع الأمريكي منذ تولي ترامب منصب رئاسة الجمهورية.
يقول حاكم نيويورك أندرو كومو إن الأحداث في مينيابوليس ليست مجرد مصادفة، بل هي فصل من كتاب "الظلم وعدم المساواة المستدامة" في الولايات المتحدة. بدأ هذا الكتاب قبل سنوات من تأسيس الولايات المتحدة مع الإبادة الجماعية للهنود وبداية تجارة العبيد في المستعمرات البريطانية في العالم الجديد، واستمر لمدة 400 عام مع جميع أنواع القمع بحق الأقليات.
في الواقع، أدت قرون من العبودية وتنفيذ سياسات الفصل العنصري إلى نشر الثقافة العنصرية في الولايات المتحدة. بدون تغيير هذه الثقافة العنصرية بين الشعب الأمريكي، من المستحيل منع قتل السود على أيدي الشرطة العنصرية ومنع تبرئة هذه الشرطة القاتلة من قبل القضاة العنصريين.
أسطورة حقوق الإنسان الأمريكية للأقليات ومعارضو الرأسمالية
المجتمع الأمريكي مليء بالمهاجرين من دول أخرى ومن أجزاء مختلفة من العالم مع ثقافات مختلفة ولعبوا دورًا مهمًا في جعل الولايات المتحدة قوة دولية. ومع ذلك، لطالما اشتكت الأقليات العرقية والدينية من الضغوط السياسية والاقتصادية والتمييز العنصري في الولايات المتحدة. وهذا ينطبق بشكل خاص على المسلمين الأمريكيين.
سعى هرم القوة السياسية الأمريكية إلى الترويج للإسلام فوبيا، خاصة في القرن الحادي والعشرين، من خلال التركيز على الأنشطة الإعلامية وصناعة الأفلام ضدهم. ووفقًا لاستطلاع مركز بيو للأبحاث الذي أجري في مارس 2019 ، يعتقد غالبية البالغين الأمريكيين (82 ٪) أن المسلمين يتعرضون للتمييز. وأيضًا وفقًا لمسح عام 2017 للمسلمين الأمريكيين، يقول الكثيرون أنهم تعرضوا لأشكال معينة من التمييز، بما في ذلك سوء التصرف الأمني وغير اللائق في المطارات عند السفر أو الإهانات الكلامية واللفظية.
بلغ الضغط على المسلمين والتمييز ضد الأقليات في الولايات المتحدة مرحلة جديدة مع مجيء دونالد ترامب الى السلطة، حيث أمر ترامب البيت الأبيض بمنع دخول مسلمي سبع دول الى البلاد وهي: إيران وسوريا وليبيا والسودان والصومال والعراق واليمن. وأدى ذلك إلى تفكك العائلات وعدم قدرة المواطنين ذوي الجنسية المزدوجة على السفر إلى وطنهم ومشاكل أخرى.
من ناحية أخرى، حتى هؤلاء البيض الأمريكيين الذين يعارضون النظام الرأسمالي الأمريكي والإمبريالية العسكرية والاقتصادية يتعرضون للقمع من قبل حكومة الولايات المتحدة في وضح النهار وتحت عناوين مختلفة كالتحريض على الفوضى والاضطراب والإرهاب المحلي واليسارية المتطرفة وما إلى ذلك، كما ان حق حرية التعبير مسلوب منهم باعتباره أحد ادعاءات حقوق الإنسان الأمريكية.
في الواقع، أوضح مجيء ترامب إلى البيت الأبيض أن أيديولوجية مكارثي قد عادت لكن بأشكال أخرى، وأن خصوم الرأسمالية، لن يجدوا فرصة لتغيير البنى السياسية والاقتصادية لأمريكا. كل هذه العوامل أدت الى شهرة المزاعم الكبيرة لحقوق الإنسان الأمريكية في الساحة الدولية وهي مزاعم فارغة.