الوقت- مع تصاعد الصراع العسكري في ليبيا خلال الأشهر الأخيرة الماضية، أصبحت البلاد واحدة من بؤر الخلافات بين القوى الإقليمية والدولية، وفي خطوة مفاجئة من المسؤول بالبعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، دعا مارك سيمنوف مصر إلى التخلي عن الحماية التي توفرها مصر لرئيس جهاز الأمن الداخلي الليبي السابق التهامي محمد خالد.
وقال مسؤول البعثة الأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي خلال مجلس الأمن المنعقدة الثلاثاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، إنه يجب محاكمة سيف الإسلام القذافي ومحمود الورفلي والتهامي محمد خالد على الجرائم التي ارتكبوها. وأضاف أن الولايات المتحدة تطالب الجهات التي تقدم المأوى لسيف الإسلام القذافي ومحمود الورفلي، تسليمهم إلى السلطات الليبية في أقرب وقت ممكن.
وأضاف: أننا ندعو الذين يقدمون المأوى للتهامي الرئيس السابق لجهاز الأمن الدخلي سيئ الصيت الى إنهاء حمايتهم لهذا الجاني. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا وضعت واشنطن قضية الملاحقة الجنائية للمسؤولين الليبيين السابقين على جدول أعمالها بعد مرور سنوات من سقوط حكومة القذافي، وانتقدت بذلك ايضا حليفها الوثيق في أفريقيا، مصر. يجب البحث عن الجواب بالدرجة الأولى في التطورات الحالية في ليبيا.
إلغاء اتفاق صخيرات من جانب واحد نقطة تحول في الأزمة الليبية
بعدما أعلن المشير خليفة حفتر إلغاء العمل بإتفاق الصخيرات للتسوية في بلاده من جانب واحد والذي تم التوصل إليه في عام 2015 وأعلانه الإدارة الذاتية، شهدنا جولة جديدة من ردود الفعل الدولية ومواقف الجهات الفاعلة المؤثرة في الساحة الليبية.
ورداً على خطوة حفتر في الغاء اتفاق الصخيرات، قالت السفارة الأمريكية في طرابلس إنها تدعم فقط حكومة الوفاق الوطنية الليبية، وأن واشنطن تعارض الإجراء الأحادي الجانب للجنرال خليفة حفتر، قائد القوات الليبية الشرقية، لتحديد مستقبل سياسي جديد للبلاد. وزعم سفير الولايات المتحدة في طرابلس أن الجهات المرتبطة بالاتفاق السياسي في ليبيا (اتفاق الصخيرات)، بما في ذلك حكومة الوفاق الوطني، هي الإطار الوحيد للحكومة الليبية الذي أقره ودعمه المجتمع الدولي.
وفي الوقت نفسه، تعد الحكومة المصرية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا، أهم حلفاء لخليفة حفتر. وفي هذه الأثناء، ترى مصر، بسبب قربها من ليبيا، فضلاً عن نفوذ تركيا "الدولة غير المتوافقة تماما مع ليبيا" الهام في طرابلس، أن القضية الليبية قضية حيوية وذات صلة بالأمن القومي. لذلك، حذرت القاهرة مرارا أنقرة ودعتها الى الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية الليبية، زاعمة أن تركيا أرسلت إرهابيين إلى سوريا لمحاربة خليفة حفتر وخلق حالة من انعدام الأمن في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى مواقف الدول التي تدعم خليفة حفتر، يمكن الاستنتاج أن هذه البلدان تتفق مع خطوة حفتر في إنهاء العمل باتفاق الصخيرات وتوفير الشروط لاتفاقية جديدة. وفي الواقع، تسعى البلدان الداعمة لحفتر إلى التوصل إلى اتفاق يكون فيه حفتر في وضع جيد بناءً على حجم الأراضي الخاضعة لسيطرته، وفي الوقت الذي يكتسب فيه الشرعية الدولية، سيكون قادرا على التمتع بدعم الدول الأخرى.
لذلك، يبدو من المستبعد أن حفتر لم يكن على تنسيق مع الدول الداعمة له، وخاصة مصر، فيما يتعلق بإعلان إلغاء العمل باتفاق الصخيرات، ويجدر بالذكر أن حفتر قام مرارا بزيارة القاهرة بشكل رسمي وغير رسمي، وقد التقى بالرئيس المصري ورئيس جهاز الأمن المصري، وأقام علاقات أمنية قوية مع القاهرة، وهو يعتمد إلى حد كبير على مساعدات هذه البلاد.
لذلك، يبدو أن الدول التي تدعم خليفة حفتر توصلت إلى استنتاج مفاده أن العائق الرئيسي أمام نجاح خليفة حفتر في الوضع الحالي هو عدم شرعيته في المجتمع الدولي، على الرغم من أن بعض حلفاء حفتر اتخذوا موقفًا مخالفا ضد إلغاء الاتفاقية بشكل ظاهري، لكن من الواضح أنه في خضم هذه المواقف المخالفة، هناك رغبة في إنشاء اتفاق جديد من شأنه أن يعطي شرعية أكبر لحفتر، وبالتالي يسعون إلى منحه الحد الأدنى من الشرعية كي يكون مساره سالكًا أكثر للعمل العسكري المكثف في المستقبل اضافة الى ان يمتلك مناورة سياسية تعزز في النهاية قدرته على الهيمنة على طرابلس.
مواجهة مصالح واشنطن والقاهرة في ليبيا
في الوقت الذي رفضت الولايات المتحدة سابقا توضيح موقفها من القضية الليبية وأصرت فقط على الالتزام بالاتفاقيات الدولية في هذا الصدد، إلا أنها في هذه المرة وبعد ان ألغى خليفة حفتر اتفاق الصخيرات من جانب واحد، أدانت هذه الخطوة وأعلنت عن دعمها لهذا الاتفاق ولحكومة الوفاق الوطني. لذلك من الواضح أن واشنطن تعارض خطة حفتر وأنصاره لإلغاء الاتفاق بغية تمهيد الطريق أمام عقد اتفاق جديد.
وفي هذه الأثناء، بالنظر إلى موقف القاهرة الواضح من دعم حفتر وإسهامات مصر الهامة فيها، قررت واشنطن اتخاذ موقف واضح بشأن هذه القضية من خلال ممارسة الضغط على مصر عن طريق اثارة قضية دعم القاهرة لفلول النظام الليبي السابق وأقارب معمر القذافي في القاهرة.
وقد عجّل هذا الأمر من اجراءات واشنطن بعد أن استطاعت قوات حفتر، بعد نقض قرار وقف إطلاق النار من جانب واحد، البدء بالمرحلة التنفيذية الثانية، اي تنفيذ هجوم شديد للضغط على حكومة طبرق بغية حملهم على الإعلان عن اتفاق جديد وهو ما تسبب بأضرار فاجعة للطرفين
لذلك أقدمت واشنطن على ممارسة الضغوط على مصر تحت ذريعة دعم القاهرة لبقايا نظام القذافي وذلك بعد أن أدركت واشنطن مستوى العلاقة التي تجمع حفتر بالقاهرة وكذلك أدركت دور قاهرة المهم في تقديم الدعم المعلوماتي والعسكري لحفتر.
في حين أن ادعاء واشنطن بأن مصر قامت بإيواء ودعم رئيس الأمن الليبي السابق لم يتم إثباته بعد، وأن القاهرة لم تتخذ بعد موقفًا رسميًا بشأن هذه القضية، ويبدو أنها تهدف فقط إلى الضغط على القاهرة لتقليل دعمها لحفتر من أجل إقناع حفتر بالعودة إلى اتفاق الصخيرات من خلال وساطة مصرية، لأن من الواضح أنه إذا كانت واشنطن قلقة بشأن طرح هذه القضية في مجلس الأمن، فستكون لديها بالفعل فرصة كبيرة للتعبير عنها.