الوقت – جاهدًا يسعى مصطفى الكاظمي لتخرج الحكومة العراقية إلى النور بعد أشهر من استقالة حكومة عادل عبد المهدي، حيث واجه جميع المكلفين قبله مشاكل جمّة في تشكيل الوزارة، انتهت جميعها إلى اعتذارهم عن التشكيل، غير أنّ الكاظمي الذي لاقى قبولًا شعبيًا وحزبيًا؛ محليًّا ودوليًا، خصوصًا وأنّه أكّد على أنّه راعى في اختيار الوزراء النزاهة والكفاءة، وأنّ مهمته الأساسية هي إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدوليّة.
الخروج من عنق الزجاجة
يواصل المكلف بتشكيل الحكومة العراقية السيد مصطفى الكاظمي مشاوراته المكوكية من أجل الخروج من عنق الزجاجة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية وهو المنصب الشاغر من الثلاثين من نوفمبر الماضي بعد استقالة عادل عبد المهدي، ومن المتوقع أنّ يُعلن الكاظمي اليوم الخميس السادس عشر من أبريل عن كابينته الوزارية.
وبعد قبول الشارع العراقي بالكاظمي لتشكيل الحكومة وتوافق البيت الشيعي على هذا المُرشح، برزت مشكلة جديدة أمام الكاظمي وهي الشروط التي وضعتها كل من الكتلة السنيّة والكتلة الكردية لتمرير حكومته في البرلمان.
وبعد أن مرّت عملية المشاورات تلك بمخاض عسير بعد طلبت الكتلة السنيّة في البرلمان العراقي من الكاظمي 6 وزارات في حكومته مقابل تمرير حكومته في مجلس النواب، ناهيك عن عدّة شروط أخرى وضعتها الكتلة الكردية التي تُحاول الحفاظ على حصتها من الحكومة العراقية المركزية، وهي عن أربع وزارات إضافة إلى منصب أحد نواب رئيس الوزراء كما كان في حكومة عبد المهدي.
الكاظمي الذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات العراقية تمكن وبحنكة شديدة من التغلب على كل تلك الصعوبات والتي وصفت سابقًا بالـ "التعجيزية"، وهي ذاتها التي واجهت محمد توفيق علاوي ولم يستطع التغلب عليها فيما سبق.
مفاتيح الحل
الكاظمي وهو الشخصية الوطنية المعروفة من خلال تجربته في رئاسة جهاز المخابرات، يستطيع أن يجد نوعًا من التقارب والتفاهم مع كل مكونات العراق، وفي حال حصول اتفاق بين كل المكونات على إعطاء الكاظمي الحرية لاختيار الوزراء، -وهذا أكثر السيناريوهات ترجيحًا- فهو المخرج الأفضل للكاظمي وهنا من المتوقع أنّ يصل الكاظمي مع المكون السني إلى حلٍ من شأنه إنشاء تركيبة وزارية تكون من الكفاءات كما يُطالب الشارع، أما في حال إصرار الكتل السياسية على ترشيح وزراء عن هذه الكتل؛ فيستطيع الكاظمي أيضا إرضاء جميع المكونات ولا سيما المكون السني والمكون الكردي اللذين لن يكونا بعيدين عن هذا الأمر، وذلك من خلال اختيار وزراء من كل المكونات بما يتناسب مع نسبة الأصوات التي حصلت عليها تلك الكتل خلال العملية الانتخابية، وهذا الأمر ينطبق على الكتل السنية والكردية والشيعية.
والمُتابع لتشكيل الحكومة العراقية؛ يستطيع التنبؤ بقدرة الكاظمي على تشكيل الحكومة، فمنذ تكليف الكاظمي أعلن إقليم كردستان العراق عن دعمه لتكليف الكاظمي، وأن الأكراد سيشاركون في الحكومة، مشترطًاً حصة مجزية في التشكيلة الحكومية، حيث تُشير مصادر في أربيل إلى أنّه من المتوقع أن يضع الكاظمي معايير معينة لاختيار الوزراء، وعلى هذا الأساس سيُطلب من الأحزاب الكردية ترشّح أكفاء لشغل هذه المناصب وفقاً للمعايير التي وضعها الكاظمي، كما أنّه من الممكن أن يطلب الكاظمي أسماء المرشحين وسيقع على عاتقه الاختيار من هذه الأسماء، وبغض النظر عن الطريقة فإنّ عملية الدعم قد تمّت، ولم يبقَ إلّا اختيار الأسماء.
على حافة الهاوية
على سياق آخر، وفيما يخص مُستقبل الحكومة العراقية؛ تعيش العلاقات العراقية مع أمريكا فترةً هي الأعقد منذ طرد داعش من العراق، فبعد أن شاركت قوات الحشد الشعبي في عملية طرد داعش، وكان لها اليد الطولا في ذلك؛ تطلب الآن واشنطن من الكاظمي ومن أجل "علاقات جيدة" مع أمريكا أن يُبادر لسحب السلاح من يد الحشد الشعبي، وهو الأمر الذي لن يستطيع الكاظمي إنجازه.
أكثر من ذلك؛ الحشد الشعبي الذي يُعتبر نواة الدفاع عن العراق لن يُسلم سلاحه بسهولة، ولن يقبل بالشروط الأمريكية، الأمر الذي سيضع حكومة الكاظمي على حافة الهاوية، ومن غير المعروف ما هي الإجراءات التي سيتخذها الكاظمي في محاولته للموازنة بين الوجود الأمريكي (غير المرغوب به) وبين قوّات الحشد الشعبي ذات الحضور الكبير على الساحة السياسية، ومن خلفها أبرز وأكبر الأحزاب السياسية التي تُدافع عنها.
وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإنّ الكاظمي مُراقب من قِبل الشارع العراقي الثائر والرافض للوجود الأمريكي، ولهذا السبب فإنّه سيكون تحت ضغط أمريكي من جهة، وتحت ضغط عراقي مضاعف من قبل الشارع الثائر والأحزاب السياسية والحشد الشعبي، ومن الواضح أنّ الشارع الثائر يلعب الدور الحاسم في هذه العملية، حيث كان له الدور الأبرز في فشل كل المكلفين بتشكيل الحكومة منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي، حيث أرسل الشارع إشارات جادة إلى جميع المكلفين بتشكيل الحكومة الأمر الذي أفشل تشكيل كل الحكومات السابقة.
وهنا يبرز الدور التوافقي للكاظمي ليكون وسيطًاً مقبولًا بين الشارع والأحزاب والحشد، وبين الأجندات الخارجية التي تُمثل واشنطن رأس حربة فيها، ومن المنتظر من الكاظمي وبعد تشكيل حكومته التي باتت شبه نهائية أن يبدأ بإخراج القوات الأمريكية من العراق، إذ يُشكل هذا الملف الشاغل الأساس للجمهور العراقي بعد جريمة اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.