الوقت- عمق الفاجعة في البحرين لا ينحصر بالمخاوف التي يعانيها الشعب البحريني على خليفة انتشار فيروس "كورونا" في المنطقة الخليجية والعالم، وانما بسياسة آل خليفة القائمة على التمييز الطائفي والمذهبي منذ عدة عقود وظهر الأمر جليا مع بداية المطالب الشعبية قبل 9 سنوات من الآن، ليكون جواب آل خليفة "قمع هذه المطالب" واعتقال جميع النشطاء والمدافعين عن حقوقهم الطبيعية، واستمرت البحرين على هذا النهج حتى بعد انتشار "كورونا" بل على العكس ضيقت الخناق أكثر وأكثر دون ان تكترث بأرواح آلاف المواطنين القابعين في سجونها المظلمة.
السلطات البحرينية تعلم جيدا أن قسماً كبيراً من هؤلاء المعتقلين كبار في السن وبعضهم يعاني من أمراض مزمنة، ومع ذلك تحرمهم من أبسط حقوقهم التي أقرّها القانون الدولي بخصوص الرعاية الطبية، وتكدّسهم بأعداد كبيرة ضمن مساحات صغيرة، ونظراً لصدور تقارير دولية ناهيك عن مناشدات منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات، ما أجبر السلطات البحرينية على نقل بعض السجناء إلى مبنى جديد وإحضار التلفزيون إلى هناك لصناعة تقرير يناسب تطلعات آل خليفة.
هذا الأمر حصل بالفعل حيث عرض تلفزيون البحرين تقريراً عن زيارة ما يسمّى المؤسسة الوطنيّة لحقوق الإنسان لسجن جوّ أظهر أنّ الأوضاع هناك جيّدة، وهو ما فنّده كلّ من معتقل الرأي الصحفي محمود الجزيري وعبد الله سوار اللذين أكّدا أنّ كلّ ما عرض في التقرير هو مسرحيّة مصوّرة لا تمتّ للواقع بصِلة، حيث إنّ التصوير بثّ من مبنى جديد افتتح حديثًاً ونُقل إليه عدد بسيط من السجناء، في حين يتكدّس البقيّة في مبانٍ قديمة جدًا، أو مبانٍ مُحكمة الإغلاق ومعدومة التهوية، وهو مجموعة أكاذيب لتلميع صورة النظام وتغييب الانتهاكات التي تحصل في سجن جوّ المركزي، ما دفع بإدارة السجن إلى نقل الجزيري للانفرادي، وهو ما استدعى مرّة أخرى تصدّي هذه المؤسسة للدفاع والتبرير نافية ذلك.
وطالب معتقلو الرأي في سجن جوّ المركزيّ المنظّمات الحقوقيّة والدوليّة بالتدخّل لحمايتهم من خطر تفشّي فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" في البحرين.
حيث قال أحد المعتقلين في تسجيل صوتيّ "إنّ إدارة السجن تحرمهم من الاتصالات بذويهم من دون أيّ سبب، ويتعرّضون للانتقام في حال النطق بأيّ خبر عن أوضاعهم في السجن"، موضحًا أنّ المعتقلين يعانون من ضعف المناعة وغياب الرعاية الصحيّة والطبيّة، بما يعرّضهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا أكثر من غيرهم، ولفت إلى رفضهم استلام وجبة الغذاء تمهيداً للدخول في إضراب عن الطعام إن لم تتحسّن أوضاعهم بالسجن.
وفي السياق نفسه كان معتقل الرأي "علي البناء" قد تعرّض للضرب المبرح على يد مرتزقة النظام في أثناء اتصاله بوالدته وذلك لإجباره قسرًا على إخبارها بتوفر كمامات وأدوات صحيّة في السجون التي لا تتوافر فيها أقلّ التدابير الصحية لمواجهة جائحة كورونا.
وقبل مدة من الآن تحدثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن إن سلطات السجون في البحرين "تحرم السجناء من الرعاية الصحية العاجلة تعسفاً، وترفض عرضهم على اختصاصيّين، ولا تكشف عن نتائج فحوصهم الطبية، وتحجب عنهم الدواء كشكل من العقاب".
آلاف المناشدات وجهتها منظمات حقوقية وانسانية للسلطات البحرينية لإطلاق سراح السجناء، خاصة أولئك الذين يقبعون في السجون دون وجه حق، تحت تهم جائرة وجّهت لهم خلال محاكمات مجحفة بحقهم وبحق الإنسانية جمعاء، ولم تسمع السلطات البحرينية لصوت المنطق والحق منذ اندلاع الثورة السلمية على اراضيها قبل اعوام، واليوم بعد ان حدث طارئ انساني في العالم عادت منظمة العفو الدولية وائتلاف من منظمات حقوقية يوم أمس ليجدد مطالبة سلطات البحرين، بالافراج فورا عن النشطاء السلميين في خضم مخاوف متزايدة من تفشي فيروس "كوفيد -19".
ونوهت منظمة العفو الدولية و19 منظمة حقوقية أخرى في بيان مشترك جديد إلى أن الإفراج عن عدد من السجناء في البلاد مؤخراً يعد خطوة إيجابية - لكنها طالبت بإطلاق سراح قادة المعارضة والنشطاء والصحفيين الذين ما زالوا خلف القضبان.
حرمان من أبسط الحقوق
تتعاطى السلطات البحرينية مع السجناء بصورة غير انسانية وتحرمهم من العلاج ومن أدنى حاجاتهم الاساسية، واستمرار السلطات بهذا النهج الانتقامي يزيد من احتمالية خطر انتشار فيروس كوفيد – 19 بشكل كبير بين السجناء، خاصة وان السلطات لا تجري فحوص دورية للحراس والسجناء لمعرفة ان كانوا مصابين ام لا، وهذا ليس غريباً على آل خليفة الذين رفضوا استقبال 31 مواطناً بحرينياً عائداً إلى بلاده دون سبب واضح سوى أنهم كانوا قادمين من ايران، وهذا وجه آخر من أوجه السلطات البحرينية العنصرية، واستقبلتهم قطر وأمّنت لهم كل احتياجاتهم علماً ان البحرين لا تزال تشارك السعودية والامارات ودول اخرى في حصار قطر، ولكن الاخيرة رجّحت الإنسانية على الخلافات السياسية.
علاوة على ذلك، عبّرت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة عن قلقها إزاء التقاعس المتواصل للسلطات عن توفير الرعاية الطبية الوافية في سجون البحرين. وقد عرّض ذلك للخطر صحة بعض الأشخاص المسجونين ظلما الذين يعانون من حالات طبية مزمنة – مثل حسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس – والذين ربما هم الآن معرضين بدرجة كبيرة لخطر الإصابة بفيروس كوفيد-19.
وسبق لمنظمة العفو الدولية أن حثت السلطات في مدينة عيسى وجميع مرافق الاحتجاز الأخرى في البحرين على الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان في طريقة تعاملهم مع المعتقلين والسجناء.
ويزداد المشهد قتامة داخل السجون في البحرين مع معاناة النزلاء من المضايقات المستمرة والمعاملة السيئة والحرمان من الحقوق الإنسانية، بينها تلقي العلاج وتناول الأدوية، الذي تسبب بانتشار الكثير من الأمراض من جهة، وتردي الأوضاع الصحية لبعض المعتقلين والسجناء من جهة أخرى.