الوقت- العلاقات التركية الصهيونية التي تراجعت بفعل صعود أردوغان إلى السلطة عام 2003، بلغت ذروة التوتر في ربيع عام 2010، بعد الإجراء التركي بإرسال سفينة "إغاثة لسكان غزة المحاصرين"، والذي واجه عنفاً شديداً من قبل الجيش الإسرائيلي الذي اعترض طريق السفينة التي کانت تحمل أكثر من 600 راكب على متنها، ما أسفر عن مقتل 10 مواطنين أتراك وإصابة العشرات خلال المواجهات.
وبعد سنوات، بعد وساطة الرئيس الأمريكي آنذاك "باراك أوباما"، وافق الكيان الصهيوني على الاعتذار ودفع التعويضات لعائلات القتلى والجرحى في تركيا. ومع ذلك، لم تتراجع التوترات بين الکيان وتركيا، خاصةً وأن دعم أنقرة وأردوغان شخصياً لحماس أدى إلى استياء الکيان الإسرائيلي بشکل واسع النطاق.
في يناير 2009، عندما عاد رجب طيب أردوغان إلى تركيا من قمة "دافوس"، استقبله ما يقرب من 5 آلاف تركي ودعوه بـ "فاتح دافوس". المشادّة الکلامية أمام وسائل الإعلام ذات الشهرة العالمية وإبداء أردوغان غضبه من جرائم الکيان الصهيوني في غزة أمام شمعون بيريز، جعلا منه بطلاً في العالم الإسلامي.
في الوقت نفسه، وبينما اعتقد الجميع أن العلاقات بين تركيا والکيان الصهيوني آخذة في التدهور، ذكر بعض المسؤولين الأتراك مثل "حسين جليك" مساعد أردوغان أن "تركيا لم تدمر بعد جميع الجسور مع الکيان الإسرائيلي، ولا تزال السفارة التركية في تل أبيب مفتوحة، وما حدث فقط هو خفض مستواها إلى سكرتير ثان".
وأوضح حسين جليك في ذلك الوقت أن "تركيا لا تقبل سياسات الکيان الإسرائيلي، وإلا فليس لديها مشكلة مع شعب إسرائيل".
ولکن حالياً ومع انتشار کورونا حول العالم، أعلنت الحكومة التركية عن خطط لبيع إمدادات طبية للکيان الصهيوني، وهو قرار يعكس جهود الجانبين للحفاظ على العلاقات الثنائية، على الرغم من بعض الخلافات.
وأفاد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني نقلاً عن بعض الدبلوماسيين الأتراك قولهم، إن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بأنقرة هذا الشهر وطالبوا بشراء معدات طبية، وإن تركيا وافقت على ذلك.
بحسب وسائل الإعلام الصهيونية، تشمل الشحنات الأقنعة والألبسة الخاصة ومعدات الحماية الأخرى التي تصنعها تركيا، وهي للطواقم الطبية في المستشفيات الإسرائيلية. وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، وافق رجب طيب أردوغان على إرسال المساعدات الطبية للکيان "لأسباب إنسانية".
في الوقت نفسه، دعا أردوغان الکيان الصهيوني إلى عدم عرقلة وصول السفن التي تحمل مساعدات تركية مماثلة للفلسطينيين في غزة، والسماح للسفن بالوصول إلى غزة دون أن يوقفها الکيان.
وفي اتصال هاتفي مع "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، أعرب أردوغان مؤخراً عن قلقه بشأن وضع الفلسطينيين في قطاع غزة فيما يتصل بمکافحة فيروس کورونا، قائلاً إن بلاده لن تتخلى عن دعمها للفلسطينيين.
يبدو أن علاقات تركيا المتوترة مع الکيان الصهيوني تعزز بشكل جاد الرأي القائل، بأن السياسيين الأتراك يرون مصالحهم المتمثلة في فكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية واختراق البلدان الإسلامية، في اعتماد النهج العنيف مع الصهاينة، ولكن على الرغم من الخلافات الإقليمية العميقة حول قطاع غزة والوضع في القدس المحتلة، فإنهم يصرون على الحفاظ على العلاقات مع تل أبيب.
لذا قد لا يكون من غير المعقول القول بأن ما تسميه بعض وسائل الإعلام بـ"الحرب الباردة" بين تركيا والکيان الصهيوني، قد لا يكون أكثر من "حرب مصطنعة"، لأنه ليس من المستبعد أن تکون تركيا تتبع سياسةً مزدوجةً اليوم بسبب كورونا، لأن الأزمة الناتجة عن هذا الفيروس قد ظهرت في وقت تواجه فيه تركيا تحديات اقتصادية، بما في ذلك استمرار انخفاض قيمة عملتها، حيث انخفضت العملة التركية مرةً أخرى بنسبة 12 بالمائة منذ بداية العام.
بالنظر إلى هذه الأحداث التي سبق ذکرها، ولأن الکيان الإسرائيلي حليف مهم لأمريكا في المنطقة، فإن تركيا في أوقات الحاجة ومن أجل الحصول علی دعم أمريكا في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية، قد قامت بتغيير أو تعديل بعض سياساتها وخطاباتها تجاه الکيان ولو مؤقتًا، وحاولت البقاء على اتصال مع الشراكات الجديدة مع الغرب وأوروبا، بشکل يحفظ علاقاته مع إخوانه المسلمين في المنطقة من ناحية أخرى أيضاً.