الوقت- القِيادة السعوديّة تعیش الیوم في أكثر من مأزق، ابتداءً من حرب اليمن، ومُرورًا بالحرب النفطيّة التي أشعلت فتيلها ضِد روسيا بإغراق الأسواق بملايين البراميل، وبأسعار متدنّية انتِقامًا من موسكو التي رفضت تمديد اتّفاق "أوبك بلس" وانتهاء بتفشي فيروس الكورونا، فکل هذه الاسباب أدت الی اعلان ایقاف الحرب الغاشمة من قبل تحاف العدوان السعودي وفي التالی نشیر الی أهم الاسباب الداخلية والخارجية التي اجبرت تحاف العدوان السعودي الی ايقاف هذه الحرب الغاشمة ضد الشعب الیمنی العزل.
الأسباب الداخلیة:
تفشي وباء كورونا فی السعودیة
تفشي فيروس الكورونا في السعودية اربك حساباتها و استنزف قواها حيث السعوديّة اليوم، تنشغل محليّاً في مُواجهة فيروس “كورونا”، وهي فيما يبدو بدأت تستعد تدريجيّاً إلى ارتفاعٍ مُتوالٍ في الإصابات، فبحسب الناطق باسم وزارة صحّتها، فإنّ انهيار النظام الصحّي فيها ليس سيناريو خياليّاً، في حالة عدم الالتزام الشعبي الذي يقتصر على ما نسبته 50 بالمئة بحسب الناطق، وإلى جانب الأخير انضمّ وزير الصحّة توفيق الربيعة ذاته وبشّر الأمّة السعوديّة، بوصول عدد الإصابات في أسوأ الحالات إلى 200 ألف حالة، وهو ما أثار علامات استفهام حول قُدرات النظام الصحّي السعودي، وتوقيت اختيار وزير الصحّة الدخول من "باب الشفافيّة"، ومُصارحة مُواطنيه بنتائج أربع دراسات، الأفضل فيها تسجيل 10 آلاف حالة، وهو ما يعني حُكماً، فشل الإجراءات الاحترازيّة السعوديّة، في احتواء الفيروس، في حال وقوع السيناريو الأقل سُوءًا، فكيف هو حال السيناريو الأسوأ (200 ألف حالة).
أمام هذه المُعطيات السلبيّة للشارع السعودي، يأتي كشف صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكيّة، ليزيد الطين بلّة، ويتزامن بشكلٍ لافتٍ مع تحذيرات سعوديّة تصارحيّة بشأن "كوفيد 19"، وخشية من انهيار النظام الصحّي، حيث قالت الصحيفة المذكورة، إنّ الفيروس قد أصاب بالفِعل العشرات من أفراد العائلة الحاكمة، وذلك بحسب معلوماتٍ حصلت عليها، وتُورِد الصحيفة في سياق خبرها الصّادم أنّ العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز"، ونجله الأمير "محمد بن سلمان" ولي العهد، يعزلان نفسيهما في موقعين مُنفصلين على ساحل البحر الأحمر، خشية التقاط العدوى، وهو ما يشي إن صح بخُطورة الوضع في السعودية، وتفشّي الفيروس لدرجة وصوله إلى أفراد العائلة الحاكمة، وهو ما يُعيد للأذهان مشهد إصابة الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني، ورئيس الوزراء بوريس جونسون، حيث الأخير كان قد بشّر البريطانيين، أنهم سيفقدون أحبّتهم جرّاء تفشّي الفيروس، وكان على رأس المُصابين، ويتواجد حاليّاً في العناية المُركّزة.
الخلافات بين ولي العهد السعودي وأمراء من الأسرة الحاكمة
كانت التصريحات المستمرة عن تحقيق الإنجازات العسكرية المبهرة في حرب اليمن هي المفضلة لدي "محمد بن سلمان"، اعتقاداً منه أنها تعزز فرص بقائه في ولاية العهد وممهدة لوصوله للعرش، واعتبرت تلك التصريحات بمثابة رسائل للداخل أكثر منها للخارج خاصة مع تصاعد حدة الصراع داخل الاسرة الحاكمة، حيث شهدت السعودية العديد من الصدامات الملفتة والأحداث المتسارعة بين أصحاب النفود في الصف الأول من الأمراء.
وثمة ما يجب التذكير به، أن واقع المحاصصة الذي كان بمثابة قاعدة راسخة خلال العقود الماضية من خلال تقاسم السيطرة على القطاعات العسكرية والأمنية والمدنية المختلفة بين أسرة آل سعود، هذا الواقع لم يكن ليرضي غرور محمد بن سلمان الساعي دون هوادة للهيمنة على جميع مراكز القوى، وسعى في هذا الاتجاه إلى الحد من نفوذ أبرز منافسيه محمد بن نايف ولي العهد السابق من خلال الحد من صلاحياته الأمنية تحت مبرر أن هناك حرباً خارجية تخوضها السعودية.
ولكن مجريات الحرب خالفت كل الاحتمالات بما فيها أن الحرب لن تطول سوى بضعة أشهر فالمعارك على الأرض كانت تشير إلى أن التورط السعودي لم يحقق أي نتيجة عسكرية ملموسة، فيما اشارت وقائع المعارك إلى تقدم حركة أنصار الله عسكريا في أغلب الجبهات الداخلية في اليمن وعلى الحدود مع السعودية.
مما لا شك فيه أن المتربصين بابن سلمان كثر داخل اسرة آل سعود ولم يكن بالإمكان تفويت التداعيات السلبية والضغوط الدولية الناتجة عن التورط السعودي في الحرب على اليمن، ولم يكن مستغربا أن تتعالى الأصوات داخل الاسرة الحاكمة المطالبة بتنحية محمد بن سلمان من ولاية العهد.
ويمكن القول أن المراقب لمسار الصراع يتبين له أن إطالة أمد التدخل في حرب اليمن، برغم الخسائر الكبيرة بشريا وماديا، كان مقصودا من قبل محمد بن سلمان واعتبر بمثابة رد على كل معارضيه وبأنه لن يتراجع عن حرب تتويجه بالعرش.
حالة الرفض داخل اسرة آل سعود فيما يتعلق بمسار توريث الحكم في تصاعد خاصة مع سياسة الإقصاء التي ينتهجها محمد بن سلمان ووالده تجاه الرافضين لسياساتهم الداخلية والخارجية، وعلى ما يبدو أن تحركات الأمراء المعتقلين سعت إلى ممارسة الضغط على الملك سلمان بهدف إرغامه على إقصاء ابنه من ولاية العهد والعودة إلى ما كان سابقا في صيغة الحكم التقليدية المحافظة وكذا إنهاء سياسات العداء تجاه المحيط الخليجي والعربي والإقليمي والعمل على الحد من التورط السعودي في حرب اليمن.
الأسباب الخارجیة:
صُمود جماعة أنصار الله في جبهات القتال
المأزق السعوديّ في حرب اليمن تفاقم بسب صُمود جماعة انصارالله، وتطوّر أدواتهم القِتاليّة، وهجَماتهم النوعيّة المُؤلمة، وتركيزها في مُعظمها على أهدافٍ اقتصاديّةٍ، مِثل القصف الصاروخيّ الذي استَهدف مُنشآت أرامكو النفطيّة، في بقيق وخريس وينبع، علاوةً على المطارات في جيزان ونجران وأبها جنوب السعودية.
الطّرف السعوديّ في هذه الحرب بدا مُرتَبِكًا على أكثر من صعيد، لأنّه لا توجد أهداف عسكريّة يمنيّة تقصفها الطّائرات السعودية ونجاح الطّرف الآخر، أيّ جماعة انصارالله، بإخفاء قواعدها العسكريّة وتحصينها بدقّةٍ مُتناهيةٍ.
فكانت سيطرة الجيش اليمني التّابع لحركة "نصار الله" على مُحافظة الجوف وتقدّمه المُتسارع نحو جارتها مأرب، مركز الثّروات النفطيّة والغازيّة اليمنيّة، وأكبر محطّة كهرباء تُغذِّي الشّمال اليمنيّ كلّه، يُصَعِّب من الموقف السعوديّ في هذه الحرب أكثر فأكثر. فقد ادت خسارة محافظة الجوف إلى خسارة "متوقعة" لمحافظة مأرب التي كان يرى الخبراء أنها قد تكتب نهاية للحرب البرية، واضطرار التحالف العدوان السعودي للتفاوض مباشرة مع جماعة انصارالله، وتقديم تنازلات "مؤلمة" أحجم التحالف عن تقديمها طوال السنوات الخمس الماضية من الحرب.
فحركة “أنصار الله” تقدّمت على خُصومها في التّحالف السعوديّ، ليس في ميادين القِتال في حرب اليمن فقط، وإنّما أيضًا في ميدان العُلاقات العامّة، والحرب النفسيّة، رُغم الفارِق الكبير في الإمكانيّات والأدوات الماليّة والإعلاميّة في هذا المِضمار.
"هشاشة" تحالف السعودیة مع حلفائها في الحرب
السعوديّة اليوم تقف وحدها، بعد إكمال هذه الحرب عامها الخامس، بسبب انسِحاب حليفها الإماراتي، وتقليص أعداد المُقاتلين من الدول الأُخرى خاصّةً السودان، وانهِيار حُكومة "عبد ربه منصور هادي"، بسبب الصّراعات والانقِسامات داخِل صُفوفها، وانعِدام الإدارة القِتاليّة لدى الكثير من مُقاتليها، واتّساع دائرة تأييد الطّرف المُقابل شعبيّاً وعربيّاً.
ومن المرجّح أن تزداد حدة الانقسامات في الجبهة المناهضة لجماعة أنصارالله لأسباب تتعلق بانعدام الثقة بين أطرافها المحلية والإقليمية، وتضارب غاياتها من التدخل في الحرب، وتغليب كل طرف مصالحه الخاصة، وذلك بعد فشل المساعي السعودية لتوحيد الصف بتوقيع "اتفاق الرياض" من أجل ردم الهوة بين القوتين المتنافستين في الجنوب، القوى الحليفة للإمارات والقوى الحليفة للسعودية.
تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية
وظهرت شخصية ولي العهد المتهورة أكثر في المفاوضات مع روسيا حول تخفيض مستويات الإنتاج، عندما فشل تحالف أوبك+ بالتوصل إلى اتفاق، وأمر شركة أرامكو بزيادة الإنتاج.
ومع إغراق السوق بالنفط، تراجع سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ولا يزال مرشحاً للهبوط. ولو استمرت الأسعار على مستوياتها المتدنية؛ فقد تضطر السعودية لتعويض نقص بالميزانية قيمته ملياري دولار في الأسبوع.
وفي العلن، مضى حلفاء السعودية في الدول الخليجية معها، إذ تعهدت شركة النفط الوطنية في الإمارات بزيادة الإنتاج بـ 3-4 ملايين برميل في اليوم، لكن المسؤولين الخليجيين عبّروا في أحاديث خاصة عن غضبهم من القرار، لِما سيفتحه من ثغرات في ميزانياتهم.
وحاولت الإمارات -دون نجاح- جمع السعوديين والروس، ولم تنجح أمريكا أيضا. وبعد أقل من سنة على تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الغاضبة من ارتفاع أسعار النفط، يريد الآن من "الكارتل" رفع الأسعار حتى لا تنهار صناعة النفط الصخري.
من جهة أخری أجبر الفيروس السعودية على إلغاء أهم موسم في التقويم السنوي؛ "موسم الحج" الذي يبدأ نهاية يوليو/تموز المقبل.
والعام الماضي، شارك في موسم الحج 2.5 مليون حاج، لكن من المستبعد بلوغ هذا العدد مع انتشار فيروس كورونا، ولذلك طالب وزير الحج السعودي، محمد طاهر بن صالح، في 31 من مارس/آذار الماضي، المسلمين بالتريث قبل التحضير للحج هذا العام. فتكلفة تعطيل الحج ستكون باهظة؛ لأن مكة المكرمة تعدّ المساهم الأكبر في الناتج القومي العام بعد النفط.
النتيجة
في النهاية لا بديل أمام القِيادة السعوديّة غير الحِوار وتكثيفه لإنهاء هذه الحرب، ومن المتوقع أن تحصل "حكومة الإنقاذ" التابعة لجماعة أنصارالله على اعتراف دولي إثر فشل تحالف العدوان السعودي في إقناع المجتمع الدولي بجدوى الحرب.