الوقت- لا نعتقد بأي شكل من الأشكال أن كورونا هي السبب الوحيد لاتصال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان مساء الجمعة مع الرئيس السوري بشار الأسد، اذ ان الامارات مهدت لعودة العلاقات مع سوريا منذ نهاية العام 2018، حيث كانت الامارات السباقة بين الدول الخليجية لاعادة العلاقات مع سوريا وبادرت إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق في خطوة كان من شأنها أن تبرز عمق الانتصار الذي حققته سوريا خلال أزمتها وكيف تمكنت بفضل صمود جيشها وشعبها من فك عزلتها تمهيدا لأخذ دورها الطبيعي ومساحتها ومكانتها التي كانت تشغلها قبل الأزمة.
وحول الاتصال الذي جرى مؤخرا كان الشيخ محمد بن زايد قد نشر تغريدة على صفحته الرسمية بتويتر، قائلا: "بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".
يجب ان نذكر هنا أن ابن زايد هو أول زعيم خليجي يجري اتصالاً مباشراً مع الرئيس السوری بشار الاسد منذ اندلاع الحرب السورية، وهذه تعتبر خطوة مهمة في سبيل كسر عزلة سوريا، وحتى لو كانت "حجة" الاتصال هي فيروس كورونا وان ولي عهد أبو ظبي تحدث من مبدأ انساني لدعم سوريا، كما جاء في تغريدة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، اليوم السبت، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر، حيث قال: "الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصل الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه، البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات، خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة"، ومع ذلك فإن الاتصال له ابعاد أخرى نلخصها بالتالي:
أولاً: المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة، بدأت تأخذ شكلاً جديداً خاصة بعد انتشار فيروس كورونا، الذي سيمهّد الطريق لحدوث تحوّلات كبرى على المستوى السياسي والاقتصادي، والإمارات ما بعد كورونا ليست كما كانت قبله، خاصة وان اقتصادها سريع التأثر بمجريات الأحداث الاخيرة، ناهيك عن أنها أجّلت مشاريعها الاقتصادية الجديدة التي كان من المفترض أن تطرحها وتعمل عليها خلال معرض "اكسبو 2020" والذي تم تأجيله مؤخراً بسبب الاحداث التي حصلت ورافقت انتشار فيروس كورونا، وبالتالي فإن مقاطعة سوريا ضمن هذه الاحداث لن تكون في مصلحتها.
ثانياً: سوريا خرجت من حربها منتصرة من دون ادنى شك، وهذا الأمر أعطى حجماً كبيراً لسوريا لا يمكن تجاهله وبالتالي لايمكن تجاوز سوريا في معادلة سياسية قادمة، خاصة بعد أن ضيقت الخناق على الارهابيين في ادلب وغيرها.
ثالثاً: لمصلحة ابن زايد التعاون مع سوريا، خاصة وان سوريا على عداء مباشر حاليا مع تركيا التي تهاجمها على حدودها الشمالية والشمالية الغربية، وتدعم المسلحين هناك وتعوّق تقدم الجيش السوري، وبما ان العلاقات الاماراتية_التركية في أسوأ احوالها فإن من مصلحة الامارات دعم الرئيس الاسد في هكذا مواجهة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الزيارة التي قام بها وفد حكومة المشير خليفة حفتر الليبية إلى دمشق، ولقاء الرئيس الأسد، وتأكيد مواجهة الجماعات الإرهابية المرتبطة بالنظام التركي، في إدلب وفي طرابلس الغرب.
رابعاً: أمريكا التي لديها انتخابات مقبلة تلوح في الافق، تعاني حالياً من تفشي فيروس كورونا بشكل مخيف في ولاياتها، وهذا الامر سيؤثر على مستقبل بقائها في الشرق الاوسط، وهي تمهد حاليا للانسحاب من سوريا والعراق نظرا لضخامة الفاتورة التي يجب ان تدفعها جراء بقائها في هذه الدول وبالتالي فإن الدول الخليجية لايمكنها الكثير التعويل على واشنطن في الفترة المقبلة.
خامساً: ممّا لا شكّ فيه، أن اتصال ابن زايد بمثابة إعلان خليجي عن عودة العلاقات مع سوريا، كانت السعودية لا تزال تتهيّب التصريح عنه، وخصوصاً مع الجهود الروسية التي بُذلت في الأشهر الماضية، خلال زيارات وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه بوغدانوف إلى الرياض. ويفتح إعلان ابن زايد، الطريق أمام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لاتخاذ خطوات جريئة تجاه العلاقة مع سوريا، مع الإيجابية التي يبديها أمام المبادرات الروسية، مستفيداً أيضاً من خطر كورونا لتجاوز أي ضغط أمريكي كانت تتلطّى السعودية خلفه سابقاً، لعدم اتخاذ خطوات عادلة تجاه سوريا بعد سنوات من التآمر عليها ودعم الجماعات الإرهابية.
وليس سرّاً، أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية كان حاصلاً في أول اجتماع للجامعة، بعد تصاعد المواجهة بين المحور التركي - القطري والمحور السعودي - الإماراتي - المصري في ليبيا وأكثر من ساحة.
موقف سوريا
لا نعتقد أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ستكون بهذه السرعة لطالما أن سوريا في موقف قوة لن تعود إلى الجامعة العربية دون ان تفرض شروطها، وبالنسبة لاتصال ابن زايد أكدت الرئاسة السورية حدوث الاتصال مع ولي عهد ابو ظبي، قائلة إن ابن زايد أكد "دعم الإمارات للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية"، مشيراً إلى أن "سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".