الوقت- في الأسبوع الماضي ، توجّه رئيس جهاز الأمن المصري اللواء عباس كامل إلى دمشق في زيارة سرية لم يتم الإعلان عنها من قبل ، وأجرى محادثات من وراء الكواليس مع كبار المسؤولين السوريين. ويمكن تصنيف هذه الزيارة في صدد تعزيز وتوطيد علاقات القاهرة بشكل أوسع مع الحكومة السورية، في الوقت الذي تقترب فيه الحرب في سوريا من مراحلها النهائية، بالإضافة الى التطورات الجديدة في العالم العربي بسبب التنافس الاقليمي والتغيرات السياسية في بعض الدول العربية الكبرى والتي تمر بمرحلة انتقالية إلى نظم جديدة وتوازن قوى جديد.
الاستقرار السياسي - الأمني، هو الهدف الأول للحكومة المصرية
تعمل حكومة عبد الفتاح السيسي، التي تقلّدت مفاتيح الحكم رسمياً في عام 2014، جنباً إلى جنب مع الجهود المبذولة لتحسين الوضع الاقتصادي في مصر من خلال برامج التقشف واستحضار المساعدة من صندوق النقد الدولي، وبطبيعة الحال، جذب الاستثمار الأجنبي، واحلال الاستقرار السياسي والأمني من الأهداف الأساسية التي أعلنت عنها الحكومة المصرية.
استخدم الرئيس المصري في خطاباته العلنية العامة كلمات كثيرة مثل الاستقرار والأمن، ما يظهر اهتمام الحكومة المصرية الخاص بالأمن والاستقرار السياسي في مصر.
في السابق ، تسبب نشاط المجموعات الإرهابية داخل الأراضي المصرية ، وخاصة في صحراء سيناء ، الى خلق مشكلات أمنية كبيرة لمصر ، حيث صرحت الحكومة المصرية انها قامت بإنهاء نشاط هذه المجموعات من خلال العديد من العمليات العسكرية حتى الآن من أجل تأمين المنطقة بشكل كبير.
القضية الأمنية التالية التي تواجه الحكومة المصرية هي سياسات أنقرة تجاه القاهرة ودعمها للإخوان المسلمين، الذين تعتبرهم الحكومة المصرية جماعة إرهابية.
تعرّضت مصر، التي خفضت علاقاتها مع تركيا إلى أدنى حد ممكن، إلى مواجهة أكثر جدية مع تركيا في حالة ليبيا والتي تعتبر جارة لمصر وبلد يؤثر بلا شك على أمنها القومي. المواجهة التي تطورت الى دعم كل من هاتين الدولتين لجماعات مختلفة في ليبيا حيث ان مصر في هذه الحالة تشعر بخطر أكبر من أي وقت مضى من تركيا التي تلعب على أعتاب الدولة المصرية في ليبيا.
لذلك ، تهدف إجراءات وجهود مصر الحالية الى التقرب من بعض الدول العربية وخلق التحالفات في المقام الأول لمواجهة أكثر جدية مع تركيا من أجل ضمان مصالحها الأمنية ، فقد تبنت القاهرة سياسة مختلفة تجاه التطورات في سوريا عما كانت عليه في الماضي في زمن حكومة محمد مرسي ، فقط بعد وقت قصير من تولي عبد الفتاح السيسي منصبه كرئيس لجمهورية مصر العربية. على الرغم من أن هذه السياسة الجديدة سببت انقسامات في بعض المواقف الإقليمية المشتركة بين القاهرة والرياض.
النهضة العربية.. سياسة السيسي الخارجية
على الرغم من أن مصر تعتبر دولة متجانسة قومياً، إلا أن موقعها الجغرافي ولغتها العربية خلقت، في تاريخ ما بعد الجمهورية ، طريقة صعبة لتحديد هوية مهيمنة عليها ، وشهدنا تعريفاً جديداً للهوية الحاكمة على مصر خلال حقب مختلفة. حيث يكشف تفاوت الهوية المصرية في عهد جمال عبد الناصر ومبارك ، على سبيل المثال ، عن اختلافات كبيرة.
وفي وقت سابق في عهد رؤساء مصر السابقين ، ثبت أنه كلما تقدمت القاهرة في اتجاه القومية العربية ، كانت لديها قدرة ومبادرة أكبر لجذب الدول العربية الأخرى واكتساب مقام القيادة في العالم العربي. ومع ذلك ، عقب أحداث 2011 وإضعاف الحكومة في مصر ونشوء المشكلات الاقتصادية الحادة في البلاد ، أصبحت الحكومة المصرية الجديدة في عزلة نسبية وركزت أكثر على حل المشكلات الاقتصادية والأمنية المحلية داخل الدولة.
وقد تغير هذا الامر مع التحسن النسبي للأوضاع في مصر وتحقيق حكومة السيسي لأهدافها الأولية ، كما اننا شهدنا استراتيجية اقتصادية سياسية جديدة من قبل الحكومة المصرية ، حيث تتجه مصر في سياستها الخارجية نحو التعاون العربي وفي المجال الاقتصادي ، تتجه نحو التعاون الأفريقي ، وبرزت جهود الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات الروسية والألمانية خلال الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي من خلال إقامة أول قمة إفريقية ألمانية وأول قمة إفريقية روسية مشتركة والتي هي دليل على ذلك.
أحد الأهداف الرئيسة للحكومة المصرية في اتجاه التحوّل الإفريقي في المجال الاقتصادي هو الإيمان بتغير مساعدة الرياض وأبو ظبي للقاهرة في ظل الظروف السياسية المتغيرة في المنطقة وبالطبع محاولة الحكومة المصرية أخذ زمام المبادرة في المستقبل وتخفيف ضغط دول حاشية الخليج الفارسي على مصر.
وفي ضوء ذلك ، تحرّكت مصر بشكل أكثر انفتاحًا تجاه القومية العربية في السياسة الخارجية وتسعى حاليًا لتشكيل تحالف عربي ضد تركيا ؛ حيث ستكون سوريا في طليعة المعركة مع تركيا وهي الخيار الأول للقاهرة للانضمام إلى التحالف المصري.
إلى جانب ذلك ، يبدو أن موقف عبد المجيد تبون رئيس جمهورية الجزائر الضلع الثالث في الائتلاف المذكور آنفاً واضح أيضاً ، والذي قال خلال لقائه الأسبوع الماضي بالأمين العام المصري لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنه يريد ان يكون اجتماع الدول العربية المقبل مختلفاً عن الاجتماعات السابقة ، وإذا بقي مقعد سوريا شاغراً كما كان في السابق ، فإن الجزائر لن تعقد وتستضيف القمة المقبلة بصفتها رئيساً مؤقت لها.
ووفقاً لتقرير موقع الرأي اليوم أضاف تبون أن عملية تأجيل قمة قادة جامعة الدول العربية لم تكن بسبب تفشي فيروس كورونا، وإنما بسبب إعطاء فرصة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية واستئصال هذه البقعة السوداء من تاريخ التعاون العربي المشترك.
لذلك يبدو أن الجانب الثالث من التحالف العربي الجديد إلى جانب دمشق والقاهرة هو الجزائر.
وبشكل عام ، يبدو أن القاهرة قد حققت نموًا اقتصاديًا من خلال مساعدة صندوق النقد الدولي ونجحت في تحقيق أهدافها الأصلية ، مثل النمو الاقتصادي والحد من البطالة ، وفقًا لإحصاءات صندوق النقد الدولي ، وتحسين الأوضاع الأمنية والوطنية بشكل كبير. من خلال تحديد استراتيجية جديدة ، تعتزم الحكومة المصرية الخروج من عزلتها في السنوات الأخيرة في السياسة الخارجية.
إن تنويع الشركاء العسكريين وتوقيع صفقات الأسلحة العسكرية مع روسيا إلى جانب أمريكا وتحديد آفاق التعاون الاقتصادي القائم على هويتها الإفريقية هو جزء من استراتيجية حددتها القاهرة من أجل تخفيف ضغوط الرياض عليها، وتقلد زمام المبادرة العربية في المنطقة، وإيجاد تحالف مشترك مع بعض الدول العربية كنقطة انطلاق لمواجهة أنقرة التي تعتبر تهديداً خطيراً للمصالح السياسية والأمنية للدولة المصرية.