الوقت- خرج مسلمو الهند إلى الشوارع خلال الأيام القليلة الماضية للاحتجاج على قانون تعديل المواطنة، وخلال تلك الاحتجاجات قام عدد من الهندوس المتطرفين بقمع تلك الاحتجاجات السلمية وفي هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير الاخبارية أن سبب احتجاج المسلمين الهنود هو أن هذا القانون سيحرم عددًا كبيرًا من الأقلية المسلمة الهندية من الجنسية. يذكر أن هناك العديد من النظريات والملاحظات حول سبب حدوث خلاف بين المسلمين والهندوس، والذي أدى في نهاية المطاف إلى انفصال باكستان (كدولة إسلامية) عن الهند في عام 1947. ولكن يمكن القول هنا أن أحد الأسباب الرئيسة لنشوب الخلافات بين المسلمين والهندوس، كان يتمثّل في السياسة البريطانية خلال فترة استعمارها شبه القارة الهندية قبل عدة عقود وفي وقتنا الحالي أصبح المسلمين والهندوس يجنون ثمار تلك السياسة البريطانية العنصرية.
ولمعرفة الدور الخبيث الذي لعبته أيادي السياسة البريطانية في هذه الأحداث، علينا أن نعود إلى قرنين من الزمان، عندما كانت الهند مستعمرة بريطانية. ففي عام 1857، أطلقت الشعوب الأصلية في الهند (الهندوس والمسلمون) انتفاضة وطنية ضد الاستعمار البريطاني، والتي تم قمعها من قبل الحكومة البريطانية وخلال تلك الحقبة الزمنية اعتبرت الحكومة البريطانية المسلمين الهنود السبب الرئيسي لهذه الانتفاضة. وهكذا، بذلوا كل جهد ممكن لخلق العديد من الخلافات والفجوات بين الجماعات المسلمة، بدأً من طرد المسلمين من مناصبهم في الحكومة والمؤسسات الهندية ووصولا إلى خلق الكثير من العوائق لمنعهم من الاستمرار في اعمالهم الاقتصادية. لكن أهم خطة بريطانية لإضعاف المسلمين كانت تتمثل في خلق خلافات وفجوات كبيرة بين الهندوس والمسلمين في الهند وفي هذا السياق، يقول اللورد "إدوارد إلينبرو"، نائب حاكم الإمبراطورية البريطانية في الهند في تلك الفترة: "الحقيقة الواضحة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الأمة المسلمة بطبيعتها هي عدونا الشرس. لذا فإن خطتنا الحقيقية هي إرضاء الهندوس".
يذكر أن هذه التصريحات التي أطلقها اللورد "إلينبرو" جاءت في الوقت الذي اتضح فيه أن البريطانيين غير قادرين على الاستمرار في حكم البلد ولهذا فلقد غير القادة البريطانيون سياساتهم وقاموا بتقديم الكثير من الدعم للهندوس، وبهذا الامر بات المسلمون في ضوء ذلك أمام مأزق كبير وذلك لأنه ينبغي عليهم أن يتوقعوا أعمالاً انتقامية من قبل الهندوس. وكمهرب أخير ويائس طالب جزء من المسلمين المتشددين والناشطين سياسياً بتقسيم البلد. وكانوا يأملون في أن يتمكنوا من إيجاد أغلبية مسلمة في أحد الأجزاء. ونالوا هدفهم في عام 1947 مع تأسيس دولة باكستان. وساهم البريطانيون من جانبهم في ذلك، لان هذا لأحل كان يؤدي إلى أقل معارضة ممكنة. لكن تكاليف هذا كانت باهظة. ففي البدء كانت المواجهات الدينية في الهند مقتصرة على الصعيد الداخلي دائماً وكان من الممكن دائماً إيجاد حلول وسط. أما بعد التقسيم فقد بات هناك دولتان متنافستان متجاورتان ومختلفتان دينياً في مواجهة بعضهما بعضا ولأن تاريخ الهند لم يشهد نشوء حد واضح أو منطقة فاصلة فقط بين الديانات، فقد أصبح التقسيم سبباً لاندلاع أعمال عنف لا نهاية لها. وقد خلفت أعمال العنف هذه مئات الآلاف من الضحايا وشردت الملايين من الأشخاص. وكانت عواقبه بادية العيان بشكل خاص في كشمير، التي يتنازع عليها البلدان الجديدان منذ البداية. واندلعت بينهما خلال سير الصراع أربعة حروب، امتدت انعكاساتها بشكل تلقائي تقريباً حتى آسيا الوسطى.
وتماشياً مع هذه الخطط البريطانية الاستعمارية، قال اللورد "إلفينستون" مقولته الشهيرة في تلك الفترة: "فرّق يا سيدي! هذا شعار يجب أن نعتمد عليه في إدارة الهند". ووفقًا لهذه السياسة البريطانية، كان على الهندوس أن يعتبروا أنفسهم أفضل من المسلمين ولسوء الحظ، تشير الدلائل التاريخية إلى أن البريطانيين كانوا ناجحين في تنفيذ هذه الخطط وعلى سبيل المثال، في عام 1876، بدأ الهندوس صراعاتهم ضد المسلمين؛ وقاموا في بداية الامر باستبدال اللغة الأردية باللغة الهندية وقاموا أيضا باستبدال الأبجدية الهندية بدلا عن الأبجدية العربية.
من الجيد أن تعلموا أن سياسة الانقسام التي انتهجتها بريطانيا بشأن "رجل رمز السلام الهندي"، المعروف بـ"غاندي"، نجحت أيضًا! لكن كيف ؟
ذكرت العديد من التقارير التاريخية أن "غاندي" شكل حركة تعرف باسم حركة العصيان في الهند في عام 1921 ووفقًا لأجندة هذه الحركة، تم حظر أي تعاون مع الحكومة البريطانية، ولا يجب أن يضطر الناس إلى الذهاب إلى المحكمة، ومن ناحية أخرى، يجب على الشباب الهندي ألّا يتطوعوا في الجيش وكانت المجموعة الهندية الأولى التي انضمت إلى "غاندي" في هذه الحركة هم المسلمون وبعد مرور بعض الوقت دخل الهندوس في هذه الحركة، وكان كل شيء جاهزًا لإقامة تحالف كبير، تحالف يمكن أن يساعد الشعب الهندي للوصول إلى هدفه المتمثل في الاستقلال من الاستعمار البريطاني وفي هذا السياق، يقول اللورد الإنجليزي "لويد": "كان غاندي في عام 1922على بعد خطوة قصيرة من الحرية الهندية".
ولكن فجأة حدث شيء غريب؛ ألغى "غاندي" هذه الحركة إلى الأبد! وفي هذا السياق، قال "لال نهرو"، أحد المقاتلين العظماء في الهند: "إن الأمر بوقف القتال جاء في اللحظة التي بدا فيها أننا عززنا مواقفنا وأحرزنا تقدمًا في جميع الجوانب وهذا التوقف المفاجئ جعلنا غاضبين". وبعد أشهر من القلق والغضب، تنفست الحكومة الهندية مرة أخرى وأخذت زمام المبادرة.
وفي سياق متصل، كتب سماحة السيد آية الله "علي خامنئي"، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية في تحليله لماذا ألغى "غاندي" تلك الحركة، حيث قال: "غاندي كان يعتقد أن الحركة الوطنية الهندية ستؤتي ثمارها قريبًا، ولأن المسلمين في هذه الحركة العامة كان لديهم مظهر وحصة كبيرة وتاريخ حافل بالجهاد والنشاط، وبعد النصر بالاستقلال سيحتفظون بأسبقيتهم، وهذا ليس شيئًا يمكن لهندوسيًا (على الرغم من غاندي) قبوله بسهولة ولهذا فلقد فضل غاندي أن تظل الهند موطنًا ومستعمرة بريطانية، لكي لا يحكمها المسلمين مرة أخرى". ويمكن رؤية التحليل نفسه في كلمات "غاندي" الذي قال: "حطمني وقطعني، لن أنفصل عن ديني. أحب الهندوسية أكثر من روحي".
وبهذا يبدو أن الهندوسية نفسها لا يزال لديها جذورها في السياسة البريطانية حتى يومنا هذا، وبمساعدة الحكومة الهندوسية، يحاول الهندوسيون المتطرفون اليوم حرمان المسلمين الهنود من الجنسية بموجب قانون تعديل المواطنة الذي ارتبط بشكل كبير بصمت المجتمعات البشرية وهنا يمكننا القول أن المسلمين الهنود ليسوا من "الشقراوات" وأصحاب "العيون الزرقاء" الذين إذا ما حدث لهم مكروه تقوم المجتمعات البشرية على الفور بتقديم يد المساعدة لهم.