الوقت- أشهر قليلة وتدخل الأزمة الخليجية عامها الرابع دون آفاق للحلول أو رؤى واضحة لهذه الهوة التي تتعمّق يوماً بعد يوم، مع العلم أن الثلث الاخير من العام الماضي شهد تحولات ايجابية فيما يخص "الازمة الخليجية"، وأقدمت قطر على عدة خطوات ايجابية في هذا الخصوص ولم يكن الرد السعودي في البداية سلبياً، لكن سرعان ما انهارت جميع الحلول الممكنة، ومؤخراً تكلمت "رويترز" عن هذه الأزمة، وقالت ستة مصادر إن محادثات بين السعودية وقطر لتسوية نزاع مرير انهارت عقب بدئها، ليستمر سريان المقاطعة السياسية والحظر التجاري المفروضان على الدوحة.
وكانت المباحثات، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول، هي أول بارقة تحسّن في الخلاف الذي قطعت فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات السياسية والتجارية وروابط المواصلات مع قطر في منتصف 2017.
وكانت هذه الدول قد اتهمت قطر بدعم الإرهاب والتقرب من خصمها الإقليمي إيران. وتنفي الدوحة تلك الاتهامات وتقول إن الحظر الذي فرضته الدول العربية يهدف إلى النيل من سيادتها.
أسباب استمرار الخلاف
أولاً: هناك تضارب كبير في السياسة الخارجية لكلا البلدين، ونقصد هنا "السعودية وقطر" اذ تدّعي السعودية أن قطر تدعم "الإخوان المسلمين" وتحتوي أنشطتهم على أراضيها، وحول هذا الموضوع قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن بلاده "لا تقيم علاقة مع الأحزاب أو الكتل السياسية، وإنما مع الدول وحكوماتها الشرعية"، وإنه "إذا حدث وفاز حزب الإخوان المسلمين ووصل بالانتخابات ووصل للسلطة بقرار من الشعب، فإن قطر لا يمكنها تجاهل التعامل معه، لأن قيادة الدولة تتبع لحزب معين"، وأشار إلى "عدم وجود حزب للإخوان المسلمين في قطر أو حتى أي حزب سياسي آخر"، وذلك ضمن حديث اجراه مع قناة الجزيرة في 16 كانون الاول الماضي.
ولا يختصر الخلاف في السياسة الخارجية على موضوع دعم "الاخوان المسلمين"، اذ تريد السعودية من قطر أن تغيّر من طبيعة تحالفاتها مع الدول الاقليمية وهنا نقصد "ايران وتركيا"، إذ إن هناك صراعاً إقليمياً بين السعودية وكل من طهران وانقرة، إلا أن الدوحة لم تبدِ أي استعداد لقطع علاقتها مع هاتين الدولتين اللتين كانتا مفتاح الحلول لقطر عندما تم حصارها برّاً وبحراً وجوّاً، وحتى لو استغنت قطر عن هؤلاء الحلفاء ما هو الضمان بأن الرياض لن تقدم على أي عمل آخر.
طبعاً فيما يخص تركيا فإن السعودية منغاظة من العلاقة المتينة بين الدوحة وأنقرة، خاصة وان الاخيرة أقامت قاعدة عسكرية في قطر بناءً على رغبة الدوحة، واستقدمت عدداً كبيراً من الجنود لتوفير الحماية لهذا البلد ضد أي عدوان خارجي، ناهيك عن موضوع مقتل "خاشقجي" الذي استثمرته تركيا حتى النخاع ضد السعودية التي تشوّهت سمعتها على خلفية هذه الجريمة المروّعة.
ثانياً: السعودية تريد أن تكون قطر تابعة لها، وهذا ما ترفضه الدوحة جملة وتفصيلاً، فهي تريد أن تكون لها استقلاليتها وسياستها الخاصة بها، وهذا ما لا يرضي السعودية وحكامها، ونظراً لتعنّت الطرفين استمر الخلاف حتى اللحظة.
ثالثاً: وبحسب أربعة دبلوماسيين غربيين ومصدرين مطلعين على التفكير القطري، فإن الأولوية لدى قطر في المباحثات كانت إعادة حرية انتقال مواطنيها إلى الدول الأخرى وفتح المجال الجوي لهذه الدول أمام طائراتها وإعادة فتح حدود قطر البرية الوحيدة وهي مع السعودية.
غير أن ثلاثة من الدبلوماسيين قالوا إن الرياض أرادت أن تبدي قطر أولاً تغييراً جوهرياً في مسلكها ولا سيما في سياستها الخارجية التي أيّدت فيها الدوحة أطرافاً مناوئة في عدة صراعات إقليمية.
وقال دبلوماسي إن السعودية أرادت ترتيباً جديداً مع قطر يتضمّن التزام الدوحة بتعهدات جديدة على نفسها. وقال أحد الدبلوماسيين إن هذه فكرة "مجهضة منذ البداية بالنسبة لقطر وذلك لوجود خلافات كثيرة في السياسة الخارجية".
رابعاً: السعودية أدركت أن حصارها لقطر غير مجدٍ في ظل وجود حلفاء أقوياء للدوحة مثل "ايران وتركيا"، فضلاً عن ان أمريكا أبقت على علاقتها مع قطر على أعلى المستويات، وبالتالي تمكّنت الدوحة من كسر الحصار، في المقابل كانت الرياض تغرق عاماً بعد عام في أزماتها، وهي اليوم تبحث عن فتح صفحة جديدة تعيد من خلالها الهيبة لنفسها، لذلك فتحت أبوابها في البداية للبدء بحل الأزمة، لكن من المستحيل أن يتم حلّ هذه الأزمة الكبيرة والعميقة بـ"كبسة زر".
وحول غايات السعودية قال ثلاثة من الدبلوماسيين الغربيين إن الرياض كانت تريد تحقيق نصر في السياسة الخارجية قبل استضافة قمة مجموعة العشرين في 2020 وذلك بعد ما لحق بسمعتها من ضرر بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018.
في الختام.. ليس من مصلحة السعودية اليوم وهي المحاطة بكل أنواع التهديدات أن يكون حزامها الخليجي ممزقاً بل إن مصلحة الدولة العليا تفرض اليوم وقبل أي وقت آخر تحصين البيت الخليجي من كل أنواع الهزّات والزلازل.
قد تلبّي هذه الأزمات أطماع البعض في المنطقة وخارجها لكنها في النهاية تعود على البيت الخليجي بكل الأضرار التي تهدد وجوده مستقبلاً. إن وضع الخلافات المفتعلة جانباً وطرح كل المشكلات القائمة على طاولة الحوار مع احترام سيادة الدول وسيادة قرارها هو الحل الوحيد الذي يعيد الأمور إلى مجاريها ولكن حتى اللحظة لا يبدو أن شيئاً يلوح في الأفق في هذا الخصوص.