الوقت- وصل رئيس الوزراء السوري "عماد خميس" يوم الاحد الماضي إلى العاصمة الايرانية طهران في زيارة رسمية على رأس وفد رفيع المستوى ضم وزيري الخارجية والدفاع السوريين وتأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة قدراً كبيراً من التوترات عقب قيام قوات الحرس الثوري الايراني فجر يوم الاربعاء الماضي بشن عدد من الهجمات الصاروخية على القواعد الامريكية في العراق رداً على اغتيال طائرات من دون طيار أمريكية اللواء "قاسم سليماني" وعدداً من رموز المقاومة قبل نحو أسبوعين في العاصمة العراقية بغداد وفي هذا السياق، ذكرت بعض المصادر الاخبارية أن زيارة الوفد السوري إلى إيران في مثل هذه البيئة المضطربة والمتوترة التي تعيشها منطقة غرب آسيا، تعتبر ذات أهمية دبلوماسية وأمنية كبيرة، لأن مرحلة ما بعد جريمة اغتيال اللواء "سليماني" ليست كما قبلها، لافتة إلى أن استهداف إيران للمرة الأولى لقواعد أمريكية في المنطقة، شكّل صفعة مدوية لأمريكا، كما أرسلت رسالة واضحة لواشنطن بأن المنطقة ليست مكاناً لهم، ولا بدّ أن يخرجوا منها ولتسليط الضوء أكثر على أهمية هذه الزيارة السورية، سوف نتطرق في مقالنا هذا إلى أهم ثلاثة محاور لهذه الزيارة.
تعزيز التحالف بين الجانبين في منطقة غرب آسيا
يمكن اعتبار أن الرسالة الأولى والأهم من هذه الزيارة التي قام بها وفد سوري رفيع المستوى إلى العاصمة الايرانية طهران، بمثابة تأكيد من الجانبين على تعزيز علاقاتهما المشتركة والوقوف إلى جانب بعضهما البعض عقب استشهاد اللواء "قاسم سليماني". في الواقع، لقد أعتقد الأمريكيون أن اغتيال القائد البطل "سليماني" سيكون عاملاً في إضعاف قوات محور المقاومة في المنطقة، لكن من الناحية العملية نرى أن الزيارة الدبلوماسية لرئيس الوزراء السوري والوفد المرافق له إلى العاصمة الايرانية طهران، جاءت لتؤكد للعالم أجمع بأن المقاومة لا تزال في أوج قوتها بعد استشهاد عدد من رموزها على أيدي الغدر والخيانة الامريكية وأن أبطال المقاومة سيستمرون في مقارعة الهيمنة الامريكية في منطقة غرب آسيا وسوف يجبرونها في نهاية المطاف على المغادرة من العراق وسوريا.
وفي هذا الصدد، أعرب "علي شمخاني" أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني لدى استقباله يوم الاثنين الماضي رئيس الوزراء السوري "عماد خميس" الذي يزور طهران على رأس وفد رفيع، أن ايران من خلال دكها القاعدة الأمريكية في "عين الأسد" بالصواريخ ورد فعلها الساحق على الجريمة الأمريكية، برهنت من جديد أنها لن تتردد في حماية امنها ومصالحها الوطنية مهما كانت الظروف. مضيفاً بالقول، إن "ترامب ومستشاريه الحمقى كانوا يتصورون أن اغتيال القائد الشجاع لجبهة المقاومة الحاج قاسم سليماني سيقود الى انهيار هذه الجبهة في المنطقة، ولكن النتيجة كانت عكسية حيث إن دماء هذا الشهيد العزيز ورفاقه أدّت الى المزيد من تماسك وتعزيز جبهة المقاومة وتزايد الكراهية لاميركا في اوساط شعوب المنطقة والعالم". وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذه التصريحات تؤكد أكثر من أي وقت مضى، أن طهران وإلى جانبها محور المقاومة سوف تبذل الكثير من الجهود خلال الفترة القادمة لطرد المحتلين الأمريكيين من المنطقة.
التوحد والوقوف في صف واحد حتى تحقيق النصر النهائي
تأتي زيارة المسؤولين السوريين إلى العاصمة الايرانية طهران في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة الكثير من التوترات والتهديدات والحرب الإعلامية المكثفة، خاصتا عقب قيام أبطال الجيش السوري بعملية "إدلب" العسكرية المباغتة التي تمكنت على إثرها من القضاء على العديد من أوكار الجماعات الارهابية التي كانت تسيطر على تلك المدينة والتي كانت تتلقى الكثير من الدعم المالي والعسكري من قبل تركيا وعدد من الدول العربية. وبطبيعة الحال، لقد وقفت قوات محور المقاومة إلى جانب أبطال الجيش السوري في هذه العملية العسكرية الذي تمكن من تحقيق الكثير من الانتصارات على تلك الجماعات الارهابية في ذلك المحور. يذكر أن الشهيد "قاسم سليماني" لعب دوراً خاصاً خلال السنوات الماضية في عملية التنسيق بين طهران ودمشق، وحتى بين طهران وموسكو، والآن وفي غياب هذا الشهيد الكريم، سيتعين على البلدين إعادة النظر خططهما وتنسيقاتهما السابقة والمستقبلية.
الجدير بالذكر أنه خلال الأشهر الأخيرة بذلت وسائل الدعاية الإعلامية الغربية والعربية الكثير من الجهود لإثارة الرأي العام في الدول التي تحتضن أبطال محور المقاومة نحو الانقسام ومن أجل تحقيق مثل هذا الهدف الخبيث، قامت تلك الوسائل الاعلامية بنشر العديد من التقارير والاخبار الكاذبة والمفبركة التي زعمت فيها أن دمشق لا تريد أن تبقى قوات المقاومة الإيرانية واللبنانية والعراقية على أراضيها، لكن هذه الزيارة التي قام بها كبار المسؤولين السوريين إلى طهران والزيارات السابقة للمسؤولين الإيرانيين إلى سوريا، تؤكد للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المعادية لمحور المقاومة، أن التحالف بين طهران ودمشق لم ولن ينهار أبداً وهذا الامر يُعد أيضا هذه رسالة واضحة لأمريكا في سوريا مفادها أنه يتعين عليها عاجلا أو آجلاً تسليم مناطق التي لا تزال قابعة تحت سيطرتها للحكومة المركزية في دمشق.
التعاون المستقبلي بين طهران ودمشق
على مستوى آخر، يمكن تقييم زيارة الوفد السوري إلى طهران من خلال توجه البلدين إلى تعزيز آفاق العلاقات الثنائية والتعاون بينهما وفي هذا السياق، يرى العديد من الخبراء السياسيين بأن هذه الزيارة السورية الاخيرة التي جاءت بالتزامن مع اقتراب نهاية الازمة في سوريا، وبداية طرح مسألة إعادة الاعمار في هذا البلد المنكوب على مختلف المستويات، يمكن اعتبارها رسالة واضحة مفادها أن للشركات الاعمارية والاقتصادية الإيرانية مستقبل في سوريا وأنها ستعلب دوراً مهماًُ في عملية إعادة الاعمار وإعادة الحياة للعديد من المدن السورية.
وهنا تجدر الاشارة أن هذه المسألة قد أثيرت أثناء اجتماع الوفد السوري مع المسؤولين الإيرانيين، ولهذا يمكن القول أن هناك طريقًا واضحًا للتعاون بين الجانبين في المستقبل في عدد من المستويات المختلفة الاقتصادية والأمنية والتجارية والبنية التحتية، توجد أسباب جيدة للتعاون وزيادة التنسيق بين البلدين. باختصار ، زيارة الوفد السوري إلى طهران في أعقاب شهادة سردار سليماني في شكل تجديد العهد بين الجانبين لزيادة مستوى التعاون. وفي الختام يمكن القول بأن هذه الزيارة السورية التي جاءت عقب استشهاد اللواء "قاسم سليماني" على أيادي الغدر والخيانة الامريكية، تهدف إلى تجديد وتقوية أواصر الاخوة والمحبة وتعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين.