الوقت- ارتكز الإتفاق النووي على قبول مجموعة الدول 5+1 بحق ايران الإستفادة من الطاقة النووية ورفع العقوبات التي فرضت عليها لسنوات، في المقابل فإن مجموعة الدول 5+1 والتي ارادت من هذا الإتفاق أن يكون ضمانة بعدم قيام ايران وفق برنامج يتيح لها امتلاك القنبلة النووية، فإن قليلا من التأمل ومع الأخذ بعين الإعتبار ايران التي لطالما أکدت على أن برنامجها النووي هو برنامج سلمي وترى في العمل لامتلاك قنبلة نووية أمراً غير مشروع، كله يقود إلى أن هناك دلالات أهم بلورت الإتفاق النووي، فإيران أعطت ما لا تحتاجه وأخذت ما هي بحاجة إليه. وما حديث ايران خلال الفترات السابقة عن عزمها الوصول في انتاج اليورانيوم المخصب إلى 20% والإستفادة من الماء الثقيل لإنتاج البلوتونيوم، إلا بهدف ترسيخ قدراتها العلمية والتكنولوجية المساهمة في وضعها ضمن الدول المقتدرة، هذا وكانت ايران ترى في ذلك ورقة تفاوضية قوية مع الدول المفاوضة. فما هي الدلالات الأهم التي بلورت الإتفاق النووي؟
دلالات أبعد من الإتفاق النووي
1- قام التفاوض حول الملف النووي الإيراني بين ايران ومجموعة الدول 5+1، علی أن هذه الدول تعتبر القوة الإقتصادية والسياسية المسيطرة والمختزلة للطموحات الأخرى، وبالتالي فهذا يشير بوضوح إلى أن إيران بالمنظور الدولي هي قوة اقليمية ودولية لها موقعها في عملية التوازن أمام الحلف الغربي الإستعماري، وان الغرب صار يدرك جيدا اكثر من أي وقت مضى أن لا سبيل لنقش يُطبع في المنطقة بناء على الطموحات الغربية، بل ايران هي مساعد رئيسي وعامل فاعل في التركيبة الإقليمية والدولية.
2- الإتفاق جاء تعبيراً عن توازن الحاجات المتبادلة، فما لا يمكن اختزاله حاجة الغرب إلى بناء علاقات متينة ووثيقة مع إيران على كافة المستويات لا سيما الإقتصادية منها بالدرجة الأولى، هذه الحاجة تُرجمت في محطتين أساسيّتين، الأولى تلك التي كانت متعلقة بفترة المفاوضات حيث كانت فرنسا وألمانيا وبحسب ما رشح من الدوائر المراقبة لسير المفاوضات المفاوضين اللذين كانا بحاجة أكثر إلى تحصيل ضمانات بما يتعلق بمشاريعهم التي ستبدأ في ايران بعد توقيع الإتفاق، وهو ما برر التمديد الأخير لجلسات المفاوضات، والمحطة الثانية الزيارات التي قام بها وزراء خارجية الدول فور إعلان التوصل لإتفاق وحتى قبل توقيعه، وهذه الزيارات التي عبّر عنها الوزراء الزائرون ومن خلال تصريحاتهم حاجة لدولهم وايران لبناء علاقات على كافة المستويات لا سيما الإقتصادية منها.
3- عَكَسَ الإتفاق النووي القاعدة الشعبية الصلبة التي تمتلكها ايران، هذه القاعدة الشعبية الإيديولوجية سواء داخل ايران أو خارجها وبفضل حكمة القيادة والرؤية السياسية الواضحة بضرورة التمسك بالحقوق من جهة ورفض ربط الملف النووي بقضايا المنطقة والتفاوض عليه وحصره دون خلط الأوراق بالملفات المتعلقة بحق الشعوب في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وغيرهما، هو ما جعل أنظمة الدول الغربية تستجيب إلى هذا الحق الإيراني، هذا ولا يمكن اخفاء الصراع الفعلي بين الغرب ومحور المقاومة والممانعة والتي تعد ايران جزءاً رئيسياً فيه وعضواً فاعلاً، وبالتالي وأمام صمود هذا المحور وفشل التحالف الغربي الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية في كسر هذا المحور، بات تحالفهم أمام مأزق لا بد من الخروج منه بأي وسيلة ممكنة.
4- حاجة أمريكا إلى تعاون مع ايران لترتيب العديد من الملفات العالقة في لبنان وسوريا والبحرين واليمن، خاصة في ظل التحولات التي يشهدها العالم والصراعات الخطيرة التي تشهدها المنطقة حيث أصبح الغرب دخيلاً فيها بعد أن كان صانعاً لها، والذي يوحي بولادة خريطة جديدة للمنطقة تلغي كل التحالفات السابقة وتركيبات الكثير من الأنظمة التقليدية.
حق الشعوب هو الخيار، وإنتهاء عصر الأنظمة اللاشرعية
ما يمكن الإشارة له في هذا السياق وبناءً على ما تقدم، هو أن الإتفاق النووي الأخير هو مقدمة لإتفاقات سيشهدها المستقبل القريب، هذه الإتفاقات من شأنها أن تغير واقع المنطقة والعالم، وتضع العالم على سكة جديدة يكون فيها الإعتبار لحق الشعوب، وأن الغرب إذاما أراد وفكّر بالإستفادة من منطقتنا فهذا لا بد أن يكون ضمن سياق التنسيق وتبادل المصالح، وبالتالي لا مجال للفكر الإستعماري من الان فصاعداً. وبالتالي فإن القلق الذي أصاب الكيان الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية هو قلق واقعي ليس بسبب الخطر الإيراني المُدّعى والذي يُعمل على الترويج له، بل يعود إلى التناقض والتعارض بين الأنظمة العربية التي قامت وحق الشعوب من جهة، واللاشرعية للكيان الإسرائيلي المختلق والمصنوع في منطقتنا.
بين القوة والسلطة تفاوت عميق
عكس الإتفاق النووي قوة إيران وقدرتها على حماية شعبها من جهة، وعلى طموحها بالمضي في مشروع علمي تكنولوجي تنموي مشروع، وهو متفاوت جدا مع موجة الأقلام المغرضة التي حاولت على مر السنوات الماضية تشويه صورة ايران وحقها معتبرة مشروع ايران سلطوياً. فالقوة والإقتدار هو امر مشروع وحق للشعوب، أما السلطة والتسلط فقد يكون مشروعا وقد لا يكون، ومفهوم القوة والإقتدار مبني على الرضا الشعبي والقبول القانوني والإنساني، أما التسلط ففي الأغلب مبني على القوة في قبال حق الشعوب.