الوقت- أقر الكونغرس الأمريكي قانون "سيزر" وهو تشريع يهدف لمعاقبة أي جهة أو شركة أو كيان تجاري حول العالم يثبت ارتباطه بعلاقة ما بالدولة السورية، لكن مفاعيل القانون كانت قد بدأت بالظهور فعليا قبل عام تقريباً عندما تم الكشف عن تفاصيله، فبفضل سيطرة واشنطن على مفاصل النظام الاقتصادي الدولي يكفي الإعلان عن تشريع يعاقب أي جهة لعلاقتها "ولو مواربة مع دولة ما" حتى يتسبب ذلك بحالة من الذعر في الوسطين الاقتصادي والمالي العالمي، تدفع الأغلبية الساحقة من الشركات وأصحاب رؤوس الأموال لإجراء ألف حساب قبل الإقدام على التعامل مع الدولة التي تريد واشنطن عزلها.
الكونغرس هذه المرة ربط الإعلان عن اقرار قانون "سيزر" مع الموازنة العسكرية لعام 2020 التي وقع عليها ترامب مطلع الأسبوع الحالي، وبهذا يتمكن الكونغرس من ضمان عدم تعويق اصدار هذا القرار وتنفيذه على أرض الواقع، خاصة وان الكونغرس لم ينجح في تمرير هذا القرار لثلاث سنوات متتالية.
أهداف هذا القانون
الهدف الأساسي يتمثل في عدم السماح لسوريا بالتعافي من الحرب بعد ان اوشكت على الانتهاء منها، وبالتالي كان اعلان النصر لسوريا وحلفائها على امريكا وحلفائها قاب قوسين أو أدنى إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستنزف كامل قدراتها هذه المرة عبر هذا القانون لتجويع الشعب السوري ومعاقبته ومنع الحكومة السورية من اعلان نصرها الذي سيعلن شاءت أمريكا أم أبت لأن من استطاع النصر على جحافل واشنطن وأدواتها لـ 9 سنوات متتالية لن يقف لا "سيزر" ولا غيره في وجهها، سيكون له تأثير لامحالة إلا أن الحكومة السورية لديها خطط بديلة لم تكشف عنها حتى كتابة هذه السطور إلا أننا نعتقد أن هناك حلول ستكون مفاجئة لواشنطن في الفترة المقبلة.
سيستهدف قانون "سيزر" الاقتصاد السوري بشكل مباشر وسيعمل على شل هذا الاقتصاد من خلال انهيار العملة، حيث من المتوقع أن يصل سعر الدولار الواحد إللى اضعاف السعر الحالي، إلّا أن انهيار البنية المالية للحكومة السورية لن يتم بسهولة ولن يسبب اسقاط الحكم في سوريا. من هنا، ما يتضمنه قانون قيصر من إجراءات وعقوبات اقتصادية سيكون لها تأثير كبير على حصار السوريين اقتصاديا.
يعتبر قانون سيزر الأقسى على الحكومة السورية، كونه سيفرض عقوبات على شخصيات وشركات أجنبية تدعم الحكومة؛ فالعقوبات تشمل مصرف سوريا المركزي، في حال ثبوت انخراطه في عمليات غسيل الأموال، وعلى أية جهات تقدم دعماً مالياً أو تقنياً أو تشارك بصفقات مع الحكومة السورية، وعلى أي شخص متعاقد عسكرياً مع سوريا وعلى من يقدم البضائع والخدمات في مجال النفط واعادة الاعمار وغيرها من المجالات.
قانون "سيزر" يتضمن الكثير من الثغرات وعلامات الاستفهام، وهناك الكثير من الأسئلة حول هذا القانون وحول أسباب اصداره، خاصة وانه لا يحقق أي هدف يصب في صالح الشعب السوري على اختلاف انتماءاتهم، لان هذا القانون سيعاقب الشعب اكثر مما سيعاقب الحكومة، وهناك احتمالية لتجديد هذا القانون بحسب أهواء واشنطن فقد ورد في الفقرة (305) وهي آخر فقرة بالقانون مايلي : "يخرج هذا القانون من حيز التنفيذ بعد خمس سنوات" مع إشارة القانون ذاته إلى إمكانية إعادة تفعليه مالم يتحقق أي شرط من الشروط الواجبة لنفاذه.
ألا يجدر بنا جميعاً التوقف عند هذه الفقرة التي تقول بوضوح تام أن القانون سيبقى ساريا لمدة خمس سنوات، أي حتى عام 2024 في المرحلة الأولى مع إمكانية استمراره إلى أجل غير معلوم.
في هذا السياق، تقودنا تجارب التاريخ إلى دولتين خضعتا لترسانة من العقوبات الأمريكية: الأولى العراق الذي تعرض لعقوبات كثيرة عقب غزوه للكويت في العام 1990، حيث صدر قرار من مجلس الأمن يفرض حصارا اقتصادياً على نظام صدام حسين ووضع العراق تحت الفصل السابع، وفي عام 1995 ونتيجة لـ "الأوضاع الإنسانية" جاء القرار بتخفيف العقوبات بما سمي حينها برنامج (النفط مقابل الغذاء)، وهو برنامج دمّر العراق اقتصادياً ولم يُسقط النظام البعثي، بل تم إسقاط النظام باجتياح عسكري أمريكي أدى لاحتلال العراق وجاء نظام حكم رسمته واشنطن بالمسطرة والبيكار ليحكم العراق، فماذا كان مصير برنامج (النفط مقابل الغذاء) وقرار مجلس الأمن الذي نص على ذلك؟، هل تعلم أن قوانين العقوبات بقيت سارية المفعول على العراق حتى ديسمبر من العام 2017 على الرغم من أنها صدرت على أساس أنها ضد نظام صدام حسين الذي زال ولم يعد له أثر منذ عام 2003، ولا تزال الفوضى تعج في كل بقعة من ارض العراق.
المثال الثاني الذي نورده هنا هو العقوبات الأمريكية والأممية التي تعرض لها السودان بمزاعم واهية وادعاءات كاذبة أدّت في نهاية المطاف إلى فرض فصل السودان الجنوبي المسيحي عن السودان الشمالي المسلم في التاسع من يوليو/ تموز 2011، فماذا حصل بعد ذلك؟ استمرت العقوبات رغم تقديم الرئيس السوداني السابق عمر البشير الكثير من التنازلات في أواخر سني حكمه، ثمّ طار البشير ذاته من الحكم واستمرت العقوبات إلى يومنا هذا.
ورغم أن هناك بنوداً تتناول موضوع التغيير الديموغرافي في سوريا، لكنها ما زالت ضبابية، من حيث أنه يمكن استخدامها بمزاجية بحيث تخدم السياسات الأميركية وقت الحاجة، كونها مرهونة بقرار الرئيس الأميركي الذي عليه أن يحدد المناطق التي وقع فيها التغيير الديموغرافي، والقانون يكتفي بتقديم استراتيجية موصوفة بمنع الأجانب من الدخول في عقود لها علاقة بإعادة الإعمار في هذه المناطق، نيابة عن الحكومة.
وهنا نتساءل: هل سيرى الرئيس الأميركي مناطق التغيير الديموغرافي التي قامت بها أنقرة في جرابلس والباب وعفرين، والتي تسعى صراحة لإقامتها في منطقة عملية "نبع السلام" بين تل أبيض ورأس العين، عبر مشروع توطين مليوني سوري مهجر؟ هذا عدا عما سبق أن قامت به قوات سوريا الديمقراطية من تهجير لبعض المناطق العربية، وإدخال عناصر كردية غير عربية إلى صفوفها للقتال في سوريا، وذلك تحت راية التحالف الدولي الذي تقوده أميركا.