الوقت- مناورات جديدة قامت بها القوات البحرية الروسية و سلاح البحرية السورية، قبل يومين في البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من قاعدة "طرطوس" البحرية الروسية في الساحل السوري، وتجري هذه المناورات في ظل تغيرات اقليمية ودولية استثنائية على جميع الأصعدة، لاسيما وأن محاور جديدة تُرسم في السياسة العالمية منطلقها من سوريا، لذلك النتائج المترتبة عن المرحلة القادمة، خاصة معركة ادلب ومصير الشمال السوري سيكون لها أثر واضح في هذا المضمار.
التدريبات العسكرية المشتركة التي جرت في البحر المتوسط، لها أهدافها ودوافعها الخاصة بكل تأكيد، منها ما هو متعلق بالروس بشكل مباشر ومنها ما هو خاص بسوريا وكذلك رسائل خاصة للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والارهابيين في ادلب وشمال سوريا على حد سواء.
مركز القاعدة البحرية الروسية بطرطوس أوضح في بيان خاص له بأن : "اختيار ميناء طرطوس ميدانا للتدريبات لم يتم بالصدفة. تقدم السفن الحربية الروسية قبالة سواحل سوريا مساهمة كبيرة في مكافحة الإرهاب الدولي".
وتابع البيان: "إن قاعدة طرطوس الروسية هي الوسيلة الرئيسة لتزويد قواتنا في سوريا، ما يخلق ضرورة التحسين المستمر لتدريب أطقم السفن ووحدات القوات الساحلية. لهذا السبب بالذات أصبح الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط منطقة تدريب مشتركة".
ولفت مركز القاعدة "طرطوس"، إلى أنه ستشارك في المناورات، السفن الروسية والطائرات من قاعدة "حميميم" الجوية وقوارب الصواريخ و كاسحات الألغام التابعة لقوات البحرية السورية.
من جهته قال قائد التدريبات اللواء بحري، ألكسندر يولداشيف، بأن المناورات تُقام على خلفية عملياتية واحدة، يتم خلالها حل العديد من الحالات التكتيكية.
وأضاف يولداشيف: "تقوم المجموعات التكتيكية للسفن التابعة للبحرية الروسية والبحرية السورية في البحر بإطلاق نيران المدفعية، وإجراء مناورات مشتركة. وعلى الشاطئ تعمل وحدات الحراسة والدفاع على معالجة قضايا مكافحة الطيارات من دون طيار، ومكافحة التشكيلات المسلحة غير الشرعية".
ووفقا ليولداشيف، تهدف التدريبات إلى زيادة التفاعل بين القوات المسلحة الروسية والسورية من أجل مكافحة "الجماعات المسلحة غير الشرعية" والإرهاب الدولي بنجاح وتعزيز التعاون بين البلدين.
دوافع التدريبات العسكرية المشتركة
1- اختبار فعالية القوات البحرية المسلحة و مدى جهوزيتها.
2- معركة ادلب الفاصلة بين القوات الحكومية السورية و فصائل من جبهة النصرة ، هيئة تحرير الشام .
3- الوقوف في وجه التصعيد الأمريكي و حلفائه و محاولتهم ضرب سوريا عسكريا.
4- وقف هجمات جبهة النصرة و داعش على قاعدة حيميم و طرطوس على السواحل السورية في البحر الأبيض المتوسط.
5- تكثيف التعاون و التحالف بين روسيا و ايران و سوريا و تنسيق سياساتهم في سوريا.
أهداف هذه التدريبات
1- تهدف المناورات الروسية في المتوسط بشكل أساسي لوقف خطط الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الرامية الى تصعيد الأمور اكثر مما هي عليه عبر عرقلة تقدم الجيش السوري لتحرير بلاده، واطالة عمر الأزمة السورية لكي تسرق أمريكا ما تشاء من النفط السوري، لذلك ستكون هذه التدريبات بمثابة تحذير لواشنطن للتوقف عن المساس بأمن سوريا وسيادتها والخروج قبل فوات الآوان.
2- روسيا التي تملك نشاط غير مسبوق وعلاقات جيدة مع أغلب دول المنطقة، أرادت أن توصل رسالة من هذه المناورات انها لا تتخلى عن حلفائها على عكس أمريكا التي لا تتوانى لحظة عن التخلي عن اقرب حلفائها عندما تجد ان مصالحها تتضر واحد بالمئة، وحدث هذا الامر مع الاكراد ومع السعودية ومع حلفاء أخرون.
3- من غير المسموح بعد اليوم، ولا بأيّ شكل من الأشكال، التهديد باستخدام القوة، كحلّ وحيد وأخير، في ما يخصّ المخاضات والتطوّرات التي يعيشها العالم اليوم – الشرق الأوسط على وجه الخصوص – فزمن استخدام القوة الأمريكية على وجه الحصر، لاستعمار الدول، وتدمير الشعوب، والسيطرة على مقدراتها، ولى إلى غير رجعة.
4- روسيا الاتحادية اليوم هي الأقوى عسكرياً على هذه الساحة، برز ذلك جلياً منذ خطاب بوتين في الأول من مارس/ آذار للعام 2018، إضافة للنجاحات التي حققتها القوة الفضائية الروسية بالمشاركة مع الدولة السورية، في مواجهة أكبر حالة إرهابية عرفها العالم الحديث.
5- سقوط وفشل كلّ المحاولات الرامية لتقويض الحركة الروسية، واختزالها ضمن حدودها الجغرافية فقط، من خلال استخدام العقوبات، ومحاولات التطويق أوكرانيا مثالاً ، فروسيا اليوم تفرض الحماية على كامل حدود أمنها القومي، بل وأبعد من ذلك، فهي تضمن أيضاً حماية ونصرة حلفائها أينما حلوا سورية مثالاً .
هذه الرسائل العسكرية المتواترة، والمرتبطة كما يبدو ارتباطاً وثيقاً بمكوكية الحالة السياسية الراهنة، والمسيطرة على الساحة العالمية، والتي تشكل معركة إدلب في الوقت الراهن منصتها وصلبها.
فلا يكاد يمضي يوم منذ إعلان الدولة السورية، أنّ الوجهة القادمة هي تحرير محافظة إدلب من آخر جحافل الإرهاب، حتى يكون هناك عشرات التصريحات والقمم، والجلسات الأممية، من كلا طرفي الصراع العالميين، في محاولة حثيثة لتحقيق كلّ طرف ما ينشده، من منع أو انطلاق هذه المعركة الاستراتيجية الأهمّ، في سلسلة المعارك التي خيضت حتى تاريخه، ولكن يبدو دون جدوى، فقرار الحسم لهذه المعركة اتخذ من قبل المحور الروسي السوري الإيراني بشكل نهائي، هذا وبالرغم من كلّ المحاولات الأمريكية وتحالفها، في تشتيت الانتباه عنها.
الواضح من سياق التطورات السورية، أن التفاهمات السياسية لا يُمكن أن تطبق بالكامل ضمن حالة التجاذبات السياسية التي يشهدها الشأن السوري، لكن في المقابل، فإن خطوط التماس التي بلورتها التفاهمات السياسية، لا يُمكن المساس بها تحت أي ظرف سياسي، وعطفاً على أي ظرف عسكري، وبالتالي فإن ما تشهده محافظة وإدلب ومحيطها، من محاولات تركية لإحداث خرق في بنية تفاهمات سوتشي واستانا، يصطدم بقدرة الجيش السوري على الصد وتحجيم أي محاولات ارهابية للاعتداء على نقاط الجيش السوري.
في الختام: يبدو واضحا اليوم ان استراتيجية روسيا و حلفائها و أمريكا وحلفائها ان لهما مصالح و اهداف مختلفة حدا التناقض في سوريا ، تسعى روسيا لتسوية النزاع السوري بطريقة سياسية من خلال عملها في الأمم المتحدة و مجلس الامن و المفاوضات الدولية مع النظام والمعارضة لايجاد حلول تناسب طرفي النزاع و فتح ممرات إنسانية وإعادة اللاجئين.
فالمناورات الروسية اذن تهدف لوقف الاسفزازات الغربية في سوريا وبحث حلول لتسوية النزاع السوري و جعل منطقة المتوسط امنة وهادئة قدر الإمكان بالعمل مع الشركاء الإقليميين كتركيا وايران.