الوقت- تتوالى رسائل الإمارات الإيجابية تجاه سوريا. أبو ظبي، وبخلاف حلفائها سواء الأمريكيين أم السعوديين، تمتلك اليوم علاقات جيّدة مع دمشق، رغم أنها ساندت المعارضة السورية ودعمتها في سعيها للإطاحة بالرئيس السوري، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.
ورغم انسحاب الإمارات من دمشق مع بدء الأزمة السورية، إلا انها وبعد تبدّل مجريات الميدان السوري عادت لفتح سفارتها في دمشق في ديسمبر 2018، وقد جاء في بيان الإمارات حينها إن "هذه الخطوة تؤكد حرص حكومة دولة الإمارات على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري".
لم تُظهر الإمارات الكثير من الخطوات العدائية تجاه دمشق بخلاف السعوديّة وقطر، رغم أنها كانت مركزاً للمعارضة السورية غير التابعة لتركيا أو السعوديّة، فضلاً عن تحويل أموال ونقل بضائع عبر ميناء جبل علي استخدمتها المعارضة ضد الرئيس الأسد.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: كيف للإمارات التي تمارس أدواراً تخريبية توازي تلك التي تقوم بها السعودية في العالم العربي بدءاً من اليمن وسلطنة عمان، مروراً بقطر وليبيا، ووصولاً إلى العراق ولبنان، ألّا تعمد إلى الأمر نفسه في سوريا؟ للإجابة على هذا الأمر نشير إلى التالي:
أوّلاً: ترى الإمارات في تركيا عدوّها الأبرز، ومن خلفه الإخوان المسلمين، ولعل سلوك الإماراتي العدواني تجاه مصر في أيام مرسي، الحصار على قطر، والتخريب في الجنوب اليمني، الحرب في ليبيا، يرتبط بموقفها من جماعة الإخوان المسلمين. اليوم، لا ينفصل السلوك الإماراتي تجاه سوريا عن هذا الأمر، ففي بدء الأزمة، انسحبت من دمشق، وكانت تدعم منصّة الرياض المعارضة، لكن ومع بروز الجماعات الداعمة لتركيا ارتأت الإمارات النأي بالنفس فلا يمكنها تأييد هذه الجماعات المتحالفة مع تركيا من جهة، وهي غير مطمئنة لبقاء الرئيس الأسد، وبالتالي لا تريد الدخول في مواجهة مع أي طرف قد يصل إلى الحكم من جهة أخرى. مع مرور الوقت واستعادة سوريا السيطرة على أراضيها بدعم من الحلفاء، عادت الإمارات لإظهار موافق إيجابية تجاه دمشق.
ثانياً: هناك من يرى أن الإمارات تنفّذ أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العلاقة مع سوريا. أي إنها تلمس إيجابية أمريكية سواء من الرئيس ترامب أم من العديد من مراكز الأبحاث والمشرعين الأمريكيين، وبالتالي عمدت إلى الدخول سريعاً على خط دمشق، الأمر الذي يسمح لها بلعب دور الوساطة والتفاوض بين أمريكا ودمشق من جهة، والتحوّل إلى لاعب بارز في الأزمة السورية من جهة أخرى.
ثالثاً: ترى دمشق في مشروع الانفصال الكردي تهديداً كبيراً لوحدة أراضيها. ورغم التقاء الإمارات مع دمشق في العداء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن هناك اختلافاً كبيراً تجاه الأكراد. ورغم التهديد الكبير الذي تراه دمشق حيال المشروع الكردي، قدّمت الإمارات مع السعودية الكثير من الدعم للأكراد الذين قد يشتركون مع الرئيس الأسد في عدائهم لتركيا، إلا أنهم يهددون سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
رابعاً: تسعى الإمارات لأن تكون لاعباً عربياً فاعلاً في سوريا. الأمير محمد بن زايد الذي يطمح لدور عربي يفوق حجم بلاده وثقلها الجيوسياسي، يعمد إلى نسج علاقات قويّة مع العديد من الشخصيات السورية، ليست السياسية أو الاقتصاديّة فحسب. هذا السلوك يذكّرنا بالدور السعودي الذي نسجته مع شخصيات سياسيّة إبان حكم الرئيسين حافظ وبشار الأسد، وحاولت استخدامهم في محاولات انقلاب أو تمرير مشاريعها داخل سوريا.
خامساً: في حين يثني البعض على خطوات الإمارات، إلا أن هناك الكثير من السوريين ينظرون اليوم إلى تصرفات أبو ظبي بعين الشكّ والريبة، لاسيّما أنها استقبلت في مرحلة من المراحل الكثير من رجال الأعمال الذين موّلوا الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح. طرف ثالث يرى أن الإمارات لم تعمد إلى خطوات إيجابية في مرحلة الخطر التي كانت تعيشها سوريا، واليوم تسعى لركوب الموجة والدور العربي في سوريا، مستغلةً العزلة التي تعيشها دمشق في الجامعة العربية. يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، إن "المعركة قد حسمت في سوريا بنسبة 90 في المئة لمصلحة النظام، والأمر أصبح واقعاً يتعين على الجميع التعامل معه".
في الخلاصة، يبدو التقييم العام للسلوك الإماراتي مع دمشق غير سلبي فوق الطاولة، ليس آخره تلبية الإمارات طلباً سورياً حول اعتقال رجل الأعمال السوري "مهند فايز المصري"، رئيس مجلس إدارة مجموعة "دامسكو" التجارية السورية، والذي تتهمه الحكومة السورية، بتمويل ارهابيي ما يسمى بهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، والتواصل مع زعيم الهيئة الإرهابي "أبو محمد الجولاني"، لكن ماذا عن هذا السلوك تحت الطاولة؟ لا شكّ أن دمشق لن تفتح هذه الصفحة، لأن أولويتها اليوم فتح العلاقات وإنهاء الأزمة، وليس محاسبة أو معاقبة الدول التي تورّطت بشكل مباشر أو غير مباشر في تدمير سوريا.