الوقت- قلما نسمع في الإعلام عن كيفية تعاطي السلطات الإماراتية مع شعبها ومع بقية الجنسيات التي تعيش على أراضيها، لكن اذا بحثنا في تفاصيل هذا الأمر ومدى "الحرية" التي تسمح بها الامارات لهؤلاء بالتعبير عن آرائهم سنكون امام حقيقة صادمة تفيد بأن الامارات تمارس رقابة خانقة على الجميع وكل ما يجري الحديث عنه حول قبول الرأي الآخر ليس سوى مجرد وهم وما فعلته السلطات مع المعارض أحمد منصور خير دليل على ذلك.
تحاول الإمارات بكل ما أوتيت من مال واعلام أن تظهر نفسها للعالم بأنها ارض التسامح إلا أن القبضة الأمنية المحكمة على جميع مفاصل الحياة لا توحي بذلك، على الرغم من أن حاكم الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، اعلن أن العام 2019 مخصّصٌ لـ"ترسيخ الإمارات عاصمة عالمية للتسامح". وعندما زار البابا فرنسيس الإمارات في مطلع شباط/فبراير الماضي في إطار مسعى لإظهار التواصل بين الأديان، صرّح رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن الإمارات لن تسمح بـ"التعصّب الأيديولوجي والثقافي والديني". من الواضح أن هذا الإعلان لا يشمل تقبُّل المعارضة السلمية.
وتظهر البرامج الحكومية المتتالية التي يطبقها النظام الإماراتي في الدولة حدة نهجه القائم على تكريس القمع والمراقبة الأمنية الصارمة.
مؤخراً أعلنت وزارة الداخلية الإماراتية عن تطبيق منظومة "المراقبة الشرطية الإلكترونية" في دبي والشارقة وأم القيوين، خلال العام الحالي، وفقاً لخطة تطبيق وضعت سابقاً، لتشمل كل الإمارات.
وتستهدف الخطوة، حسب مزاعم الداخلية، "تعزيز الخدمات الذكية، والعمل على رفع مستويات السعادة المجتمعية، وتحسين جودة الحياة".
لكن ناشطين حقوقيين في الإمارات يتساءلون باستهجان حول كيفية تحقيق "السعادة" من خلال سيطرة أمنية لا تستهدف الجنائيين وإنما تستهدف الناشطين السلميين فقط وإخضاعهم للرقابة والتجسس عليهم بطريقة علنية.
وتتلخص فكرة منظومة المراقبة الإلكترونية، في أن "المحكوم عليهم في قضايا محددة، تركّب أساور إلكتروني للمراقبة عليهم بمثابة جهاز إرسال إلكتروني مدمج، طوال فترة الوضع تحت المراقبة، ويكون الجهاز قادراً على إرسال بيانات صحيحة ودقيقة إلى الجهات المختصة بالمراقبة، وينفذ عن طريق وسائل إلكترونية تسمح بالمراقبة عن بُعد.
وبوجود غرفة عمليات خاصة بهذه المراقبة التقنية داخل وزارة الداخلية، فإنها تعمل على إرسال كل المعلومات إلى الجهات المعنية بصورة سلسة وسهلة وموثوقة، على حد تعبير الداخلية التي يتورط كبار ضباطها بتعذيب معتقلي الرأي والذين ترفض السلطة التنفيذية إجراء أي تحقيق في أكثر من 200 بلاغ تعذيب ارتكبتها الداخلية.
وسبق أن أعلنت مراكز حقوقية خليجية أنواع التعذيب وأسماء المتورطين بدءاً من الضباط الصغار وحتى وزير الداخلية نفسه.
ويؤكد ناشطون أن هذه الأجهزة والأساور تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وانتقاصاً من كرامته كونها تقوم بتتبع الناشطين من مدونين وحقوقيين والذين لا يشكلون أي خطورة على الأمن والاستقرار.
في سياق قريب نظمت هيئة تنمية المجتمع في دبي “الدورة الثانية” لملتقى “أعرف حقوقك” للمعلمين التربويين لمعرفة حقوق الطفل. وهذا الملتقي يفترض أن يُقام لكل فئات المجتمع لمعرفة “الحكم الرشيد” والمشاركة السياسية.
لكن مثلما تنشر وسائل الإعلام الرسمية بشكل دائم الواجبات على المواطنين، -والولاء وارتباطه بالسكوت على الحقوق، مع أن الولاء لقيادة البلاد والدولة بعيد كل البعد عن مطالبة شخص بحقوقهم- يطالبها ناشطون بنشر حقوق المواطنين وواجبات السلطات وحدود الأجهزة الأمنية مع المجتمع.
وأوصى المشاركون في الملتقى بضرورة القيام ببرنامج التوعية بحقوق الطفل، وفرضه "كمادة تعليمية تدرس إلزاميا في منهاج دولة الإمارات، كما أوصوا بإنشاء موقع الكتروني تفاعلي في الإمارات خاص بحقوق الطفل يتضمن مواد تدريبية وانشطة عملية متنوعة".
أما من جانب المجتمع وحقوقه، فإن الحقوق الأساسية للمواطنين والتوعية بها لا تقوم بها السلطة، بل منظمات المجتمع المدني وهذه المنظمات والجمعيات محظورة في الإمارات بشكل كامل. وما يحتاجه المجتمع بشكل عاجل هو أن يفهم جهاز الأمن حقوق المواطنين ويوقف حملته المسعورة ضدهم.
وليس بجديد الحديث عن توعية الطلبة بمعرفة الحقوق، حيث تذهب معظم النُظم الدولية إلى التوعية بالانتخابات ودور المجتمع في صناعة النهضة السياسية للدولة في المناهج وفي زيادة وعيّ الطلبة في المراحل الثانوية، مع تشجيع الطلبة على الانتقاد والسؤال، وقيام المسؤولين والمعلمين بالرد.
ففي الإمارات يحظر على المواطنين حتى الانتقاد على شبكات التواصل الاجتماعي، في وقت تروج فيه السلطات الأمنية لتقديم المجتمع الإماراتي بصفته جاهل سياسياً، مع أن ذلك عارٍ عن الصحة تماماً.
فالإماراتيون ضمن أفضل المجتمعات يملكون ثقافة سياسية، ويتابعونها بشكل جيد، ومع مصادر المعلومات والأخبار المفتوحة وغياب القناة والإذاعة ومصدر المعلومات الواحد الذي يغذيه جهاز الأمن، فإن الثقافة السياسية توسعت وأصبحت واقعاً ملموساً يطلب من السلطات التعامل معه باحترام وتقدير وليس فرض ثنائية القمع والترهيب.
وأكبر دليل على ذلك حصول الإمارات ضمن مؤشر الديمقراطية العالمي لعام 2018 ضمن "معيار الثقافة السياسية على (5) من (10) وهذه النتيجة تُظهر الفجوة بين الوعي السياسي للإماراتيين وبين مشاركتهم في الانتخابات والمشاركة السّياسية"
ليس المواطن العادي من يحتاج لمعرفة حقه والسماح بممارسته، بل أيضاً “يحتاج أعضاء المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) مع بداية دورته الجديدة إلى معرفة حقوقهم كأعضاء وممارسة أدوارهم كما يريدها أبناء الإمارات لا التي يريدها جهاز الأمن والسلطة”. فحتى انتخاباتهم جرى منعهم من الحديث في أي شأن سياسي.
وهو انعكاس سلبي فحق "المواطن" وحتى "الطفل" في التعبير عن الرأي محظورٌ في الدولة ويتعرض من ينتقدون لويلات السجون والتعذيب ويعاملون بانتهاكات مستمرة حتى بعد إصدار أحكام سياسية. لذلك فإن على جهاز الأمن أن يعرف “حقوق المواطنين” ويوقف انتهاكاته بحقهم.
تكشف مكانة دولة الإمارات في مؤشر الديمقراطية الدولي حقيقتها كدولة استبدادية تمارس القمع والتعسف وتنتهك حقوق الإنسان ومواثيقها الدولية.
في مؤشر الديمقراطية الدولي لعام 2018 احتلت الإمارات المرتبة 147 من أصل 167 دولة، ضمن قوائم الدول الاستبدادية، ما يعني أن الديمقراطية تكاد تكون معدومة تماماً.
وضمن ذات المؤشر حصلت الإمارات ضمن معيار "العملية الانتخابية والتعددية" على (صفر) من (10) وفي أداء الحكومة على (3.57) من (10)، وفي المشاركة السياسية (2.2) من (10)، والثقافة السياسية (5) من (10) وهذه النتيجة تُظهر الفجوة بين الوعي السياسي للإماراتيين وبين مشاركتهم في الانتخابات والمشاركة السّياسية. وفي الحريات المدينة حصلت الدولة على نتيجة (2.65) من (10).
ويحرم النظام الإماراتي مواطني الدولية من المشاركة في صنع القرار السياسي والإداري والخدماتي ويحظر قدرة المجتمع على محاسبة الأخطاء والعثرات وفساد المسؤولين، وليس تحسين السمعة.