الوقت- عندما أمعن حزب العدالة والتنمية التركي في تنفيذ سياساته التوسعية في المنطقة ساهم من حيث يدري أو لايدري في ظهور ودعم دور كردي قوي في المنطقة فتركيا التي سعت بقوة لضرب العلاقات بين الاكراد والشيعة في العراق وتغيير المعادلة السياسية لهذا البلد لم تكن تعلم ان التغييرات الميدانية التي تحصل لصالح الاكراد ستشكل تهديدا امنيا لتركيا حيث بات الاكراد تهديدا امنيا لتركيا في داخلها وخارجها. فهناك الان أزمة اجتماعية وأزمة هوية وأزمة سكانية أكبر من الأزمات الكردية التي شهدتها تركيا في العقود الماضية.
ان تحرك الاكراد السوريين وغضب انقرة من هذا التحرك يدل على ان الاكراد والاتراك ليسوا فقط لايثقون ببعضهما البعض بل ان الطرفين قد رسما استراتيجيات لنفسيهما تتعارض بشكل كبير مع الجانب الآخر، ووسط هذا كله يؤمن نظام الهيمنة العالمي ان الاكراد يمكنهم ان يلعبوا دورا كبيرا لعلمنة منطقة الشرق الاوسط.
وفي الانتخابات التشريعية التركية التي جرت في شهر يونيو عام 2015 حصل حزب كردي مؤيد لحزب العمال الكردستاني على حصة من الاصوات التي كانت تصب في السابق في صالح حزب العدالة والتنمية واصبح حزب العدالة والتنمية لايستطيع تشكيل الحكومة التركية لوحده، وفي سوريا ايضا بات الاكراد المؤيدون لحزب العمال الكردستاني يسيطرون على مناطق كبيرة بالقرب من الحدود التركية حيث تحدثت الصحافة التركية عن "كريدور" كردي يمتد 900 كيلومتر.
لكن تركيا اغتنمت الفرصة بعد العملية التفجيرية التي نفذها تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سوروج التركية ضد الاكراد وقيام حزب العمال الكردستاني بالرد على القوات التركية بسبب دعمها لداعش، وحينها نفذت الطائرات التركية مئات الغارات على مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق كما قصفت بعض المواقع التابعة لداعش في سوريا ليكون الاتراك بذلك قد ضربوا عصفورين بحجر واحد فانهم من جهة أقاموا منطقة حظر للطيران في شمال سوريا ومن جهة أخرى قاموا باحتواء الاكراد حينما قصفوا مواقع داعش بالتزامن مع ضربهم لمواقع حزب العمال الكردستاني.
ويريد حزب العدالة والتنمية الذي خسر مقاعد برلمانية لصالح الاكراد ان يدفع الاكراد مجددا نحو المواجهة والاشتباكات في الجبال والوديان والاغتيالات بدلا من ان يفكر الاكراد بالنشاط السياسي والعملية الديمقراطية والبرلمان وبذلك ينجح حزب العمال بإبعاد الاكراد عن المؤسسات الرسمية والاستفراد بالسلطة.
ان اكراد سوريا استطاعوا اجبار داعش على الانسحاب من المناطق الحدودية مع سوريا والتراجع حتى منطقة الرقة وهذا ما أثار خوف الاتراك الذين قال زعمائهم مثل اردوغان واوغلو بانهم سيواجهون بقوة تشكيل منطقة للحكم الذاتي في شمال سوريا لأن اكراد سوريا ليسوا كأكراد العراق ولهم صلات وثيقة بحزب العمال الكردستاني وذلك ترضية للرأي العام التركي.
ان حزب العدالة والتنمية سيسعى خلال الفترة القادمة التي تفصل تركيا عن الانتخابات المبكرة الى تشويه صورة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عبر كيل الاتهامات له وعسكرة الاجواء وايجاد اصطفاف في داخل تركيا ضد هذا الحزب يشمل الاسلاميين والقوميين والنقابات وغيرهم.
ويعتقد المحللون ان العملية الانتخابية القادمة في تركيا ستشهد تحديات مختلفة وان وجود سيناريوهات مثل تأجيل الانتخابات من جديد أو طرح موضوع تشكيل حكومة ائتلافية أو استشارية أو حكومة شراكة له تكاليف باهظة للجمهورية التركية رغم ان حكومة حزب العدالة والتنمية التي حكمت تركيا لثلاثة عشر عاما لم تدفع حتى الآن الثمن الدولي لازدهار تركيا الاقتصادي، ويبقى السؤال المطروح الآن هو هل بات حزب العدالة والتنمية واردوغان ينفذ الآن عملية انقلاب في داخل تركيا وخارجها لتغيير الواقع؟