الوقت- بعد شهر ونيّف على خروج المظاهرات في لبنان، حضر السفير الأمريكي السابق في لبنان جيفري فيلتمان أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي ليقدّم رؤية حول ساحة التنافس الاستراتيجي في لبنان كما وصفه فيلتمان، ويختصرها بعبارة: «لبنان مكان للمنافسة الاستراتيجية العالمية، وإذا تنازلنا عن الأرض، سيملأ الآخرون الفراغ بسعادة».
لا يمكن الانطلاق من كلام جيفري فيلتمان أمام الكونغرس من كونه سفيراً سابقاً في لبنان فحسب، بل من كونه عارفاً بتفاصيل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم من جهة (مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية)، وخبيراً بالأطراف السياسية اللبنانية من جهة أخرى، ولاسيّما أنه كان سفيراً لدى بيروت في العامين 2004 و2008، أي الفترة الأكثر حساسيّة في لبنان، والتي شهدت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
أسهب فيلتمان في الجلسة التي عقدت تحت عنوان «ما هو التالي للبنان؟ دراسة الآثار المترتّبة على الاحتجاجات القائمة»، ليميط اللثام عن جانب من التوجهات الأمريكية فيما يتعلّق بلبنان.
في الحقيقة، لم يختلف كلام فيلتمان أمام الكونغرس في جوهره عن الدراسة التي نشرها معهد "بروكنز" عن السفير الأمريكي السابق في لبنان قبل عشرة أيام، هنا ننقل بعض ما قاله فيلتمان أمام الكونغرس، لنشر خلفيات وأبعاد رؤية فيلتمان.
كلام فيلتمان
أولاً: نبّه فيلتمان في هذه اللحظة المحورية في تاريخ لبنان إلى ضرورة تجنّب ما من شأنه أن يصبّ التركيز على بلاده، لأن نتيجة ما يجري، راهناً، ستؤثّر على مصالح واشنطن، في حين اعتبر فيلتمان أن لبنان قاعدة أماميّة خطيرة لإيران، تهدّد المصالح الأمريكية في المنطقة وخارجها، استعرض فيلتمان مدى تأثير "لبنان الصغير" على المصالح الأمريكية بطرق كبيرة، وادّعى أن مصلحة بلاده في استقرار لبنان.
ثانياً: أبدى فيلتمان قلقه من توسّع الدور الروسي "العدواني" في الإقليم والمتوسط، تساءل فيلتمان: «ماذا لو استغلت روسيا موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية؟ ستفوز في شرق وجنوب المتوسط، على حسابنا»، أظهر فيلتمان قلقاً من تنامي النفوذ الصيني، وصعوبة مقاومة اللبنانيين تقنية الجيل الخامس الصينية، «بالنظر إلى الحالة المؤسفة لشبكة الاتصالات».
ثالثاً: اعتبر فيلتمان أن الاحتجاجات الحالية تفوق بأهميتها ما جرى في 14 آذار 2005، "ذلك أن الشيعة انضموا إليها هذه المرة". ادّعى فيلتمان أنّه لم يعد في إمكان الحزب أن يدّعي أنه «نظيف»، ومن حيث التصوّر العلني لدوره السياسي، فإنه هبط إلى نفس مستوى الأحزاب اللبنانية الأخرى المشكوك فيها.
أشاد فيلتمان بأداء الجيش اللبناني «الرائع»، وكذلك دعا إلى الإفراج سريعاً عن المساعدة العسكرية للقوى العسكرية والأمنية اللبنانية، فيما يخص الحكومة دعا فيلتمان إلى عدم تدخّل حزب الله في مسألة ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلّة أو في ملف استخراج النفط والغاز.
خلفيات وأبعاد
قبل الانتقال إلى الخلفيات والأبعاد لا بدّ من التأكيد على أنّ فيلمان الذي يتحدّث عن "مصالح لبنان"، هو نفسه الذي رفع شعارات ثورة الأرز في لبنان، وكان يتحدّث عن النأي بالنفس عن الداخل اللبناني.
فيلتمان نفسه اعترف بعد سنوات وأمام الكونغرس الأمريكي بأن السفارة الأمريكية أنفقت 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله، عبر الوكالة الأمريكية للتنمية ومبادرة الشراكة الشرق -أوسطية»، هو اعتبر أن صرف هذا المبلغ حينها يأتي في إطار «الدعم الأمريكي للبنان، بهدف تنميته وضمان استقراره». وبالتالي، هناك الكثير من الشعارات "الديموقراطية التي يتحدث عنها اليوم، هي في الحقيقة نسخة مشابهة للتصريحات السابقة، وبالتالي لا نستبعد أن يعترف في يوم من الأيام بتمويل هذا الحراك، أو تقديم السلاح لبعض الأحزاب اللبنانية، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: أكّد فيلتمان المؤكد بحقيقة التدخّل الأمريكي في لبنان، حيث حاول أن يظهر حيادية بلده، لكن سياسة التدخّل بدت واضحة، وهو ما دفع بالكثير من اللبنانيين الوجودين في الشارع للدعوة إلى التظاهر أمام السفارة الأمريكية رفضاً للتدخل في شؤون البلاد. رغم محاولته أن يبدو أكثر واقعية من غيره بناءً على تجربته في لبنان بين عامي 2004 و2008، إلا أنه بدا بعيداً عن واقع الحراك، فإذا كانت كل محاولته عن قرب قد باءت بالفشل، فهل يتوقّع أن تنجح هذه الرؤية بعد ابتعاده عن المشهد اللبناني لحوالي عقد من الزمن؟
ثانياً: أظهر فليتمان قلق واشنطن من التدخل الروسي والصيني في لبنان، هو يريد هذا البلد بنفطه وغازه حديقة خلفية له، وساحة يسرح فيها حليفه الإسرائيلي ويمرح دون أي مقاومة، لم يخجل فيلتمان من المجاهرة بمطالبة حزب الله بالابتعاد عن النفط والغاز من جهة، وترسيم الحدود مع الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى؟ فهل الأمريكي الوسيط النزيه لذلك؟ إذا ما أراد أن يقنع اللبنانيين حتى أولئك المعادين لحزب الله بأنه يقف في صفهم، فكيف له أن يجاهر بهذا الأمر؟ اللبنانيون على مختلف أطيافهم يريدون نفط لبنان للبنان، ويريدون أرض لبنان للبنان ويريدون غاز لبنان للبنانيين، لا لأي طرف آخر.
ثالثاً: حاول زرع الفتنة في الداخل سواء بين الشيعة أنفسهم، أم بين الجيش والمقاومة، ما أراده فليتمان ضرب المعادلة الذهبية أي الجيش والشعب والمقاومة، هو أقرّ بنزاهة حزب الله عندما أراد اتهامه "بالفساد"، مستخدماً تعبير "هبط"، والهبوط يكون لمن هو أعلى.
هناك استراتيجية أمريكية واضحة بشيطنة حزب الله وهذا ما أعلنته "حنين غدار" الباحثة في معهد واشنطن لسياسيات الشرق الأدنى. اليوم، يجد فليتمان سياسته في "شيطنة" حزب الله، وهي السياسة التي أنفق عليها 500 مليون دولار في وقت سابق.
في الخلاصة، حذّر فيلتمان بلاده من سياسة الضغط المؤدي إلى الانفجار، ولعلّه قرأ أبعاد خطاب الأمين العام لحزب الله جيداً الذي تحدّث فيه عن ورقة "التوجّه شرقاً"، ووقوف أمريكا أمام المصالح اللبنانية عبر فرض أجندتها على حلفائها والتلويح بالعقوبات. فيلتمان يجدّد مشروعه الفتنوي في الداخل اللبناني، فهل سيجددّ فشله؟.