الوقت – بالتزامن مع الجولة الجديدة من الدوريات الجوية الأمريكية التركية المشتركة في شمال سوريا، أعلن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في خطاب له أن العمليات العسكرية البرية والجوية التركية في شرق الفرات باتت وشيكةً.
وأضاف: "لقد قمنا باستعداداتنا واستكملنا خططنا التشغيلية وفقاً للإرشادات اللازمة".
وتابع قائلاً: "لقد أصدرنا الأوامر، ستجري العملية شرق نهر الفرات في شمال سوريا عن طريق البر والجو."
من ناحية أخرى، أعلن وزير الدفاع التركي "خلوصي آكار" بدوره في الأول من أكتوبر أن الجيش التركي مستعد للتحرك بمجرد تلقي أوامر أردوغان.
هذا الإعلان، رغم مضي فترة ليست بطويلة على الاتفاق الثنائي بين أنقرة وواشنطن بشأن الدوريات المشتركة في شمال سوريا، أثار قضية ما إذا كانت هذه الخطوة ستعني انسحاب تركيا من التوافق مع أمريكا أم لا؟
من ناحية أخرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت تركيا وحدها لديها القدرة على تنفيذ أهدافها في شرق الفرات بالنظر إلى معارضة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى، أو هل هناك هدف أو أهداف أخرى يسعى أردوغان لتحقيقها من خلال هذا التهديد؟
إخفاق أردوغان في أمريكا واستمرار الفجوات مع البيت الأبيض
قال أردوغان في أواخر أغسطس: "إن أنقرة ليس لديها خيار سوى التصرف بمفردها لإنشاء "منطقة آمنة" على طول حدودها مع شمال شرق سوريا، لأن أمريكا قد أخذت الكثير من الوقت للقيام بذلك".
وذكر أيضاً أن واشنطن لم تقبل أًيّاً من مطالبنا، باستثناء بدء تسيير دوريات مشتركة مع تركيا على طول الحدود التركية السورية.
لقد أكد المسؤولون الأتراك مراراً وتكراراً على أن تركيا لن تقبل بأي خطة لا تسمح للقوات التركية بالسيطرة الكاملة على المنطقة، وقد يكون هذا هو السبب الرئيس لخلاف أنقرة وواشنطن حول كيفية تنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة.
كما تعتقد تركيا أيضاً أن واشنطن بطيئة للغاية في تنفيذ الخطة، وهي تعمل لمصلحة القوات الكردية المدعومة منها، بحيث أثيرت شكوك حول إرادة واشنطن العامة للتنفيذ الفعلي للخطة.
لكن أردوغان كان يأمل في أن يتمكّن من مقابلة ترامب خلال زيارته إلى الأمم المتحدة، ومن خلال الاتفاق معه، يمكنه تضييق الفجوة في كيفية تنفيذ الاتفاق.
قد يكون أمله في مفاوضات مثمرة مع ترامب عائداً إلى موقف ترامب اللّين بشأن شراء تركيا إس400 من روسيا، بعد أن عرضت أنقرة شراء باتريوت أيضاً.
ومع ذلك، خلال خطاب ألقاه قبل السفر إلى نيويورك، وصف أردوغان هذه المحادثات بأنها الفرصة الأخيرة.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن عن هدف أنقرة المتمثل في تشكيل منطقة آمنة ومساحتها 480 كيلومتراً (حوالي 300 ميل) على طول الحدود التركية، وفي عمق 30 كيلومتراً (18 ميلاً) على الأراضي السورية.
لكن على عكس توقعات أردوغان، لم تجرِ المفاوضات مع ترامب حول شمال سوريا، ليتضح أن الآمال بشأن مرافقة واشنطن لتشكيل منطقة آمنة كما يتصورها القادة الأتراك، لن تكون متوقعةً في المستقبل المنظور أيضاً، ويجب ألّا يسعد أردوغان بمسألة الدوريات المشتركة لمعالجة المخاوف الأمنية وغيرها من الأهداف طويلة الأجل، مثل تغيير التركيبة السكانية في المنطقة من خلال إعادة توطين اللاجئين وربما ضمّ شمال سوريا.
نتيجةً لذلك، يمكن عزو التصريحات والتهديدات الجديدة لأردوغان إلى إخفاقه في التفاوض مع واشنطن حول أهداف وطريقة تنفيذ خطة المنطقة الآمنة.
وعلى هذا الأساس، أصدرت وزارة الدفاع التركية يوم الخميس الماضي بياناً أعلنت فيه أنه خلال اتصال هاتفي أجراه "خلوصي آكار" مع وزير الدفاع الأمريكي "مارك إسبر"، حثّ المسؤول التركي واشنطن على قطع الدعم للقوات الكردية السورية وعدم التأخير في مهام الدوريات، وفي حال لم يتم ذلك ستنهي أنقرة الدوريات المشتركة.
من جهة أخرى، ومن خلال توحيد القوات المتحالفة معها في المناطق الشمالية، بما في ذلك ما يسمى بـ "الجبهة الوطنية للتحرير" وفصائل "الجيش الوطني"، تعتزم تركيا إظهار نيتها الجادة للهجوم على منطقة شرق الفرات.
مستنقع أردوغان في ضفة الفرات الشرقية
لقد تمكّنت تركيا من السيطرة على أجزاء من أراضي سوريا حتى الآن، مرتين في عامي 2016 و 2018 من خلال القيام بعمليات عسكرية في شمال سوريا، لكن الوضع الآن مختلف تماماً.
في المقام الأول، يمكن لهذا الإجراء التركي أن يؤدي إلى المواجهة العسكرية مع القوات الأمريكية والفرنسية الموجودة في المناطق الكردية.
لقد أظهر الاقتصاد التركي أنه يتضرّر من جراء العقوبات الأمريكية والغربية، ومن المحتمل جداً أن تكون العقوبات هي الإجراء العقابي الأكثر أهميةً الذي تمارسه واشنطن ضد أنقرة، وهو الأمر الذي قد يجعل هذا الهجوم ليس فقط لا يشكّل إنجازاً لأردوغان، بل سيؤدي إلى انتحاره السياسي أيضاً.
من ناحية أخرى، فإن الأكراد السوريين الذين فقدوا أجزاءً من الأراضي التي يسيطرون عليها في عمليات تركية سابقة، مع هجوم أنقرة على شرق الفرات، ليس لديهم ما يخسرونه، وكما أعلنوا، سيستمرون في الحرب حتى النهاية، وهذا يعني بالنسبة لتركيا حرباً ذات نتائج غير مؤكدة.
من بعد آخر، أعلنت الحكومة السورية رسمياً أن الوجود العسكري التركي مثال على الاحتلال، تماماً مثل وجود القوات الأمريكية، وفي كلمة وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" في الأمم المتحدة، تحدّث عن حق دمشق في اتخاذ تدابير مضادة في حال حدوث عدوان عسكري تركي.
وقال: إن "القوات الأجنبية التي تعمل في أراضينا دون إذننا هي قوات احتلال، ويجب أن تنسحب على الفور".
من ناحية أخرى، ستقيِّم إيران وروسيا، كحليفين لدمشق، الغزو التركي على أنه انتهاك لاتفاق أستانة، وكذلك، من المؤكد أن بدء الهجوم على شرق الفرات سيؤثّر على خطط أردوغان لنقل مليوني لاجئ سوري وإعادة توطينهم في المناطق الشمالية.
بطبيعة الحال، إن السعي لإعادة توطين اللاجئين دون موافقتهم غير قانوني بموجب القانون الدولي، ونتيجةً لذلك، وضعت أنقرة خطةً للتنمية الحضرية بقيمة 27 مليار دولار لتشجيع هؤلاء اللاجئين، وهي غير قادرة على تمويلها بنفسها، وفي حال عارض المجتمع الدولي العمل العسكري التركي، فإن الحصول على مثل هذه المساعدة من المجتمع الدولي سيكون غير مرجّح طبعاً.