الوقت- تركيا تعدّ العدّة لشنّ حملة عسكرية على شرق الفرات على غرار حملاتها السابقة في غربه والتي بدأتها قبل عامين تقريباً تحت مسمّى "درع الفرات" ودامت 8 أشهر، وكانت الغاية منها تطهير المنطقة من تنظيم داعش الإرهابي والمسلحين الأكراد، وانتهت العملية في مارس/ آذار 2017، لتتبعها عملية أخرى وشنّت تركيا مطلع هذا العام عملية ثانية باسم "غصن الزيتون" ضدّ الأكراد في منطقة عفرين، واستمرت العملية شهرين، أخلت خلالهما القوات التركية المدينة من المسلحين الأكراد، على حدّ تعبيرها، أما اليوم فالوجهة نحو شرق الفرات والمستهدف جنود "وحدة حماية الشعب" الذين تدعمهم واشنطن ما قد يجرّ المعركة هذه المرة نحو مواجهة قاسية مع الأكراد وربما مع الأمريكيين خاصة وأن واشنطن ليس لديها رغبة بشن هذه العملية.
وحذرت أمريكا من القيام بأي إجراء عسكري أحادي الجانب شمال سوريا، وذلك بعد إعلان تركيا عن عملية عسكرية مرتقبة ضد الأكراد، وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يوم الأربعاء: إن أي إجراء أحادي الجانب لأي طرف شمال شرقي سوريا يمثل "مصدر قلق شديد وغير مقبول"، وحذّر من أنه قد يعرّض القوات الأمريكية في المنطقة لمخاطر.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد صرّح بأن أنقرة ستطلق عملية شرقي نهر الفرات في شمالي سوريا خلال أيام، مضيفاً: "سنبدأ العملية لتطهير شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين خلال بضعة أيام، هدفنا لن يكون أبداً الجنود الأمريكيين"، وفق ما نقلت "رويترز".
القلق التركي
نقطة القلق الكبيرة التي تساور الطرف التركي تتعلق بالقلق من الموقف الأمريكي غير الواضح تجاه سياستها في سوريا وخاصة ما يتعلق بموضوع دعم "الأكراد"، حيث إن واشنطن تمسك العصا من الوسط في هذه المعادلة وتحوّل الأكراد إلى "حصان طروادة" عندما تجد أنها بحاجة لذلك وتجعلهم "كبش فداء" حين يصبح المناخ السياسي في الشمال السوري لا يتوافق مع مصالحها.
أولاً: جاء القلق التركي الأخير نتيجة تعثّر تنفيذ اتفاق منبج بين واشنطن وأنقرة الأمر الذي زاد من إحباط أنقرة من الوعود الأمريكية، حيث كانت تركيا تأمل أن يشهد الأول من أيلول تنفيذ المرحلة الثانية من هذا الاتفاق وهو ما لم يتم حتى الآن نتيجة التسويف الأمريكي، وخلال الأسابيع الأخيرة عبّرت تركيا عن امتعاضها مما تراه تأخيراً في تفعيل الاتفاق مع الأمريكيين لإخلاء مدينة مضطربة شمالي سوريا من المسلحين الأكراد، واتفق الطرفان في فبراير/ شباط على إخلاء مدينة منبج من المسلحين الأكراد، بهدف دعم الاستقرار في المنطقة.
ثانياً: تخشى تركيا من أمرين حالياً:
الأول: أن تنجرّ إلى مواجهة مع واشنطن شرق الفرات، خاصة وأن أمريكا هذه المرة ستدافع بشراسة عن بقائها في هذه المنطقة وأن تتحصن خلفها للبقاء لعدة أسباب أهمها أنها تحاذي "تركيا والعراق" وبالتالي بقاؤها هناك يعني أنها لا تزال تملك ورقة ضغط على "سوريا والعراق وتركيا" ومن خلفهم "إيران وروسيا" وعلى هذا الأساس أقامت نقاط مراقبة على مناطق الحدود الشمالية بهدف منع اندلاع اشتباكات بين الجيش التركي والمسلحين الأكراد، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) الثلاثاء، ودعا وزير الدفاع التركي، خلوصي عكار، أمريكا إلى التخلي عن إنشاء نقاط المراقبة وإنهاء تعاونها مع "وحدات حماية الشعب".
الثاني: تخشى تركيا من أن تتعاظم قوة الأكراد في تلك المنطقة وتتجه نحو تشكيل "حكم ذاتي" وهذا ما تراه أنقرة تهديداً لأمنها القومي ولهذا السبب نجدها تحرّك قواتها اليوم لكسر هذه القوة قبل تشكيلها، ولكن هذا التحرك قد يكلّف العلاقات الأمريكية - التركية الكثير وقد نشهد خلافاً سياسياً حاداً في الفترة المقبلة قد يصل إلى حدّ تلويح ترامب بالعقوبات من جديد.
ثالثاً: في شرق الفرات دخلت السعودية على الخط بمباركة أمريكية شأنها تعقيد الأمور هناك وادخال تركيا وإيران والسعودية في دوامة صراعات معقّدة تثلج قلب واشنطن، خاصة أنها لا تريد لأي من هذه الدول الثلاث أن تكون في موقع قوة.
رابعاً: أمريكا كانت قد أعلنت أنها تريد الانسحاب من سوريا مراراً وتكراراً لكن مخططها هذا تبدّل وعلى ما يبدو أنها أصبحت تطالب بالبقاء هناك إلى أجل غير مسمى، وهذا يقلق دمشق وأنقرة وحتى موسكو، وقد واكبت واشنطن ذلك تدريبات أجرتها هذه القوات لأول مرة في قاعدة التنف بمشاركة فصائل سورّية مدعومة من البنتاغون، وعيّنت واشنطن فريقاً سياسياً جديداً برئاسة جيمس جيفري لتنفيذ هذه السياسة، ويبدو أن زيارة جيفري إلى أنقرة الشهر الماضي لم تؤدِّ إلى تحسين العلاقة بين البلدين.
إذن يمكن القول حالياً بأن تركيا عالقة في أزمة سياسية - عسكرية جديدة مع واشنطن سببها دعم الأخيرة للأكراد وخاصة "وحدات حماية الشعب" التي تعتبرها واشنطن امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي حارب طوال ثلاثة عقود من أجل إقامة إقليم كردي مستقل جنوب شرق تركيا، وبالتالي على تركيا أن تأخذ بعين الاعتبار الإيجابيات والسلبيات من هكذا حملة خاصة وأن واشنطن تحتفظ بألفي جندي أمريكي شرق الفرات.