الوقت- تعتبر الخلافات الثنائية بين الهند وباكستان من اطول الخلافات التي شهدها العالم الحدیث، حيث أن تاريخ هذه الخلافات يعود الی حوالي 70 عاما، حين انفصل البلدان عن بعضهما البعض في القرن الماضي عندما كان كلاهما جزءاً من شبه القارة الهندية. وتعتبر قضية كشمير النقطة الرئيسية في خلافات اسلام آباد ونيودلهي، حيث أدت هذه الخلافات بين البلدين حتی الآن الی ثلاث حروب، فضلا عن المناوشات العسكرية المحدودة التي وقعت بين البلدين دون أن تصل الی حرب شاملة. حيث كان من المفترض أن تعقد اسلام آباد ونيودلي يوم الاحد (23 من أغسطس 2015) إجتماعا، لاجراء مباحثات لمعالجة الخلافات الثنائية، لكن تم إلغاء الاجتماع قبل عقده. فإلی أين ستؤول الامور بين البلدين ومتی یحل السلام في شبه القارة الهندية؟
وبعد امتلاك كل من باكستان والهند السلاح النووي، انخفضت احتمالات الحرب العسكرية الشاملة بين البلدين بالرغم من الاشتباکات التي وقعت بينهما، لكنهما فشلتا في التوصل الی حلول وسطية لانهاء الخلافات الجوهرية، خاصة الصراع علی منطقة كشمير الاستراتيجية. وفي هذه الاثناء تم الغاء اجتماع محادثات السلام بين البلدين والذي كان من المزمع عقده يوم الأحد الفائت، والذي کان من المفترض أن یستمر ليومين، بعد أن اتفق رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» ونظيره الباكستاني «نواز شريف»، علی إجراء محادثات السلام الشهر الماضي في روسيا. حيث علی عكس المتوقع، زادت انتهاكات وقف اطلاق النار من قبل اسلام آباد ونيودلهي خلال الفترة الاخيرة، في النقاط الحدودية المشتركة بين البلدين. وهذه هي المرة الثانية التي الغی البلدان محادثات السلام المزمع عقدها بعد تولي «مودي» منصبه في مايو/ أيار من العام الماضي.
وفيما يخص انضمام الهند وباكستان لمنظمة شانغهاي، الذي جاء اثر علاقاتهما الاستراتيجية مع العضوين الابرز في هذه المنظمة، روسيا والصين، ياتي هذا الانضمام بناء علی اعتقاد الكثير من المتابعين، لاهداف اقتصادية وأمنية في الدرجة الاولی. حيث يری هؤلاء المتابعون أن إسلام آباد ونيودلهي، تأملان أن تتوّج عضويتهما بمنظمة شانغهاي، بعقد اتفاقات عسكرية وأمنية مصيرية مع روسيا والصين، بالاضافة الی دول آسيا الوسطى. لذا فانه من غير الوارد أن يكون التحاق الهند وباكستان بمنظمة شانغهاي، يساعد علی حل خلافاتهما الثنائية.
وقد اعلن عن الغاء اجتماع مباحثات السلام بين الهند وباكستان أول أمس، بعد ان كان الأمين العام للامم المتحدة «بان كي مون»، أعرب عن قلقه العميق تجاه التصعيد الذي حدث بين القوات الهندية والباكستانية علی نقاط التماس علی الحدود المشتركة بين البلدين قبل ايام. حيث دعا بان كي مون البلدين الی بذل أقصی درجات ضبط النفس ومواصلة معالجة خلافاتهما عبر مواصلة الحوار، كما اعلنت الامم المتحدة.
وقالت مصادر مطلعة إن اصرار الهند علی بحث القضايا المتعلقة بالإرهاب دون التطرق الی أزمة كشمير، كان السبب الرئيسي في إلغاء محادثات السلام الاخيرة بين نيودلهي وإسلام آباد.
ويعتبر سجل المحادثات الثنائية بين الهند وباكستان حافلاً بالفشل، حيث عقد البلدان العديد من الاجتماعات دون أن يتوصل الطرفان الی حلول لانهاء خلافاتهما. حيث عقد اجتماع في عام 2001 بين الرئيس الباكستاني السابق «برفيز مشرف» ورئيس الوزراء الهندي السابق «آتال بيهاي فاجبايي»، في الهند، دون أن يسفر الاجتماع عن اتفاق مشترك. وفي هذا السياق فشلت العديد من الجهود التي بذلتها السعودية باعتبارها حليفاً لباكستان، لعقد حوار بين الخصمين اللدودين، لانهاء خلافاتهما، فضلا عن الفشل الذي مني بمساعي مجلس الامن الدولي في هذا السياق. كما فشلت محادثات اخری اجريت عام 2005 و2011، كان الهدف منها تقريب وجهات النظر بين الهند وباكستان.
ومن خلال الخوض في تاريخ الصراع الهندي الباكستاني فان هذا الملف شهد ثلاث حروب دموية، الاولی حدثت في عامي 1947/1948 والثانية في عام 1965، فيما وقعت الحرب الثالثة عام 1971، وأدت هذه الحروب الثلاث الی مقتل وجرح الآلاف، فضلا عن الخسائر الجسيمة لكلا الطرفين، لكن الاحصائيات تشير الی أن باكستان كانت المتضرر الأكبر، وذلك بسبب أن الحرب الثالثة أدت الی انفصال شطرها الشرقي، فيما عرف بعد ذلك باسم دولة «جمهورية بنغلاديش».
وبالاضافة الی أزمة منطقة كشمير التي يشكل المسلمون معظم سكانها وتفوق نسبتهم الـ 90 في المئة، فان بناء سد بغليهار علی نهر جناب من قبل الهند الذي تنبع مياهه من منطقة كشمير والذي يصب في الاراضي الباكستانية، يعتبر إحدى الازمات الهامة بين الهند وباكستان، حيث أن إسلام آباد تعتبر هذا السد خطرا كبيرا علی أمنها المائي، ويتعارض مع الاتفاق المائي الذي وقعه البلدان في النصف الثاني من القرن الماضي.
وختاما فاننا لم نر رغبة جادة من قبل إسلام آباد ونيودلهي لاجراء محادثات بناءة، لحلحلة الخلافات الرئيسية بين الجانبين، رغم تاكيد البلدين علی إنهاء خلافاتهما عبر الطرق السلمية، بالاضافة الی اننا لم نلاحظ حماسا من قبل المجتمع الدولي خاصة الامم المتحدة، لمساعدة الهند وباكستان علی تجاوز خلافاتهما. إذن فانه من دون أن تتسلح إسلام آباد ونيودلهي، بارادة قوية لاتخاذ قرارات مصيرية، خاصة من أجل حل أزمة كشمير، فاننا سوف لم نشهد الامن والاستقرار في شبه الجزيرة الهندية.