الوقت- أعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة "أغنيس كالامارد" التي حقّقت خلال الفترة الماضية في جريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" العام الماضي في قنصلية بلاده في اسطنبول، في مقابلة أجرتها مع صحيفة "دي دايت" الألمانية أن هناك أدلة موثوقة تؤكد بما لا تدع مجالاً للشك بأن "محمد" بن سلمان، ولي العهد السعودي هو المسؤول الأول عن تلك الجريمة البشعة.
وردّاً على السؤال القائل، على الرغم من أننا نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية لاغتيال "جمال خاشقجي"، إلا أن المحاكم السعودية لم تصدر حتى الان أي أحكام في حق المتورطين في تلك الجريمة.
حيث قالت: "لدي مشاعر مختلطة بشأن هذا الوضع ويبدو أن القادة الغربيين يسعون إلى بناء علاقات طيبة مع السعودية وعلى وجه الخصوص، لم يُحدث اغتيال "خاشقجي" أي اختلاف في العلاقات بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وولي العهد السعودي، الذي يعتبر الحليف الأكثر أهمية لأمريكا في العالم العربي، ويبدو أن الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا، تسعى لبناء علاقات جيدة مع السعودية، وهذا الامر يدل على أن دولة قوية مثل السعودية يمكن أن تبرّئ نفسها من جريمة القتل تلك ويمكنها شراء هذه البراءة، إن هذا الأمر يجعلني غاضبة".
وردّاً على سؤال حول كم تفصلنا مسافة إلى العدالة في هذه القضية، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة: "يعتمد الأمر على كيفية تعريفنا للعدالة، إن إحضار أعلى مستوى في السلم القيادي للسعودية إلى طاولة المحاكمة سوف يستغرق وقتًا طويلاً، لكن من الممكن على المدى المتوسط اكتشاف الحقيقة ومعاقبة المتورطين في هذه الجريمة بعواقب سياسية".
مضيفاً: "على السلطات التركية أن تنشر كل المعلومات حول جريمة القتل هذه، وينبغي على الجانب التركي إجراء تحقيق عام في هذه الجريمة على الأراضي التركية، كما ينبغي إجراء تحقيقات منفصلة في أمريكا، حيث عاش "خاشقجي" قبل مقتله، وينبغي على وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي كشف جميع المعلومات للرأي العام، وهذا الأمر قد يساعدنا في استنتاج من هو المسؤول عن عملية القتل هذه".
وفي جزء آخر من هذه المقابلة الصحفية، أكدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، بالقول: "المعلومات التي لدي عن تخطيط وتنظيم مقتل خاشقجي هي أساساً من التسجيلات الصوتية التي قدّمها جهاز المخابرات التركي من القنصلية السعودية وهي تحتوي على تفاصيل مهمة تساعد على إعادة بناء الظروف وتسلسل الأحداث لارتكاب هذه الجريمة".
وفي جزء آخر من المقابلة، أشارت إلى أن أهم ما توصل إليه بحثها، هو أن ما حدث في القنصلية السعودية في تركيا كان مخططاً له لقتل الصحفي "خاشقجي".
ووفقاً لما قالته، فإن الجواسيس الذين جاؤوا من الرياض والجواسيس السعوديين الذي كانوا في القنصلية السعودية في اسطنبول، خططوا بشكل مشترك لاعتقال وقتل "خاشقجي" في 28 سبتمبر بعدما تلقوا أوامر من القيادة السعودية.
وردّاً على سؤال حول ما إذا كانت أصوات التسجيلات قد ساعدت على معرفة كيف قام القتلة بقتل الصحفي "خاشقجي"، حيث قالت "كالامارد": "نعم، يُظهر تقييم آخر تسجيل إمكانية حدوث سيناريو محدد، وهو السيناريو الذي قامت به أجهزة الاستخبارات التركية وغيرها من المنظمات وقامت بنشره، يبدو أنه تم تخدير خاشقجي بإسفنجة تحتوي على مادة مخدرة ثم وُضع كيس بلاستيكي على رأسه وتم خنقه".
كما ردت "كالامارد" على السؤال القائل، هل يمكنك القول بأن هذا الأمر لم يكن مجرد حادث وإنما تم التخطيط لتنفيذ عملية قتل "خاشقجي"، حيث قالت: "نعم، أستطيع أن أقول بكل تأكيد بأن هذه جريمة خُطط لها من قبل، لقد فكرت في كل الاحتمالات بأن هذا قد يكون حادثاً، لكن التسجيلات كشفت بأنه في اللحظة الأخيرة تصاعد الموقف وقرر العملاء قتله".
وفي السياق ذاته، قالت المقررة الأممية: "هناك العديد من العوامل التي تشير إلى أن هذه الجريمة كانت عملية قتل مستهدفة ومخطط لها، وربما كان الهدف في البداية هو الاختطاف وليس القتل، ولكن قبل 24 ساعة على الأقل من عملية الاغتيال، بدأ التخطيط لتنفيذ هذه الجريمة، وهذا الأمر يؤكده وجود الأدوات اللازمة لتفكيك وتقطيع الجثة في القنصلية السعودية".
مضيفة: "إن هذه ليست جريمة قتل يرتكبها فرد بل جريمة قتل دولية وتقع مسؤولية هذه الجريمة على عاتق القيادة السعودية، أعني أن مسؤولية هذا القتل ليست هي الجهة الوحيدة التي أعطت الأمر النهائي، ولكن الأشخاص الذين وافقوا عليها وتحمّلوها ولم يفعلوا ذلك رغم أنهم يستطيعون منعها".
ولفتت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، إلى أن اللوم يقع على عاتق "محمد بن سلمان" لقيامه بإصدار الأوامر الأولية لارتكاب عملية القتل هذه وإهماله في حماية "خاشقجي"، ولهذا فإنه هو المسؤول الأول في عملية القتل هذه وهذا الشيء أكدته العديد من الأدلة الموثوقة.
وحول التصريحات الأخيرة لـ "محمد بن سلمان" الذي اعترف بقتل "خاشقجي"، قالت هذه المقررة الأممية: "تصريحاته تشير إلى أنه لم يعترف بالذنب الشخصي أو تورطه في جريمة القتل هذه بشكل مباشر، إذا كان جادّاً بشأن هذا الأمر، فعليه استخدام منصبه للتحقيق في هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، كما يجب عليه اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع حدوث مثل هذه الجريمة في المستقبل".
وفي سياق متصل، رفضت "كلامارد" عملية التحقيق في جريمة قتل "خاشقجي" في السعودية ووصفتها بأنها مسرحية هزلية وقالت، "إن السعودية ترفض حتى التحقيقات الدولية ويقولون إنها مسألة داخلية، لكن هذه الجريمة حدثت في تركيا وليست مسألة داخلية".
في جزء آخر من هذه المقابلة الصحفية، ذكرت المقررة الأممية، أن اغتيال "خاشقجي" أظهر ما كان يفتقر إليه المجتمع الدولي للتحقيق في مثل عمليات القتل هذه ومعاقبة مرتكبيها.
إن جريمة اغتيال خاشقجي هي مثال على عمليات القتل المستهدفة للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين في جميع أنحاء العالم.
وفي الختام اعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة أنه من المهم جداً أن تُنشئ الدول الأعضاء أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة منظمة دولية أو مجلساً دولياً مستقلاً لمعالجة مثل هذه القضايا.