الوقت- إن الأزمة بين مصر وإثيوبيا المرتبطة بمياه النيل لم تكن وليدة اللحظة، بل تعود جذور الأزمة إلى نحو أربعة عقود، وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأنه في عام 1979، ظهرت أولى بوادر للتوتر بين مصر وإثيوبيا عندما أعلن الرئيس المصري السابق، "أنور السادات"، تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان بشبه جزيرة سيناء، وهو ما دفع الرئيس الإثيوبي السابق "منغستو"، إلى التهديد بتحويل مجرى النهر وتبع ذلك التاريخ إبرام معاهدات في عام 1986، لتسوية المنازعات بين مصر وإثيوبيا، وعلى رأسها المياه.
ولكن تلك القضية عادة إلى الواجهة مرة أخرى عندما أعلنت الحكومة الإثيوبية في عام 2001، عن نيتها بإنشاء عدد من المشاريع الخدمية والصناعية على ضفاف أنهارها الدولية، وذلك في استراتيجية وطنية للاستفادة من الممرات المائية للمياه لتوليد الطاقة وري الأراضي الزراعية وفي ذلك الوقت رفضت الحكومتان المصرية والسودانية هذا الأمر وبدأت الأزمة تأخذ مساراً مغايراً.
وبعد ذلك وفي عام 2011 بدأت الحكومة الإثيوبية عمليات بناء سد النهضة، وفي ذلك الوقت تصاعدت التخوفات المصرية بشأن حصتها المائية، ولهذا فلقد عقدت القاهرة العديد من المفاوضات والاجتماعات مع الجانب الإثيوبي خلال تلك السنوات وذلك من أجل إيجاد حلول مناسبة تُرضي الجميع، إلا أن تلك المفاوضات تراوحت بين الفشل والتعثر، قبل أن تصل إلى محطة مركزية وقَّع فيها قادة كل من إثيوبيا والسودان ومصر اتفاقاً إطارياً للتعاون، في مارس 2015.
وبعد ذلك شهدت السنوات اللاحقة عدة اجتماعات ولقاءات على مستويات مختلفة بين الدول الثلاث ولكنها لم تتوصل إلى حلول تُرضي جميع الأطراف.
وفي سياق متصل كشف العديد من الخبراء الاقتصاديين بأن الخلاف بين مصر وإثيوبيا، يكمن بالأساس في إصرار القاهرة على ملء السد بحد أدنى سبع سنوات، وقد تصل إلى 15 عاماً، فضلاً عن عدم الإضرار بأي نقطة مياه من حصتها التاريخية في المياه المتدفقة إليها، فيما تصرّ أديس أبابا على ملء السد في ثلاث سنوات وهو ما تخشاه القاهرة بأن يضرّ بحصتها من المياه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن سد النهضة يعدّ أكبر سد في إفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1800 متر، وعمقه 170متراً، بتكلفة بناء تبلغ نحو 4.7 مليارات دولار أمريكي.
ووفق الموقع الرسمي للحكومة الإثيوبية، فإن أكثر من 8500 شخص يعملون على مدار الساعة في المشروع، الذي تبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل تقريباً حصتي مصر والسودان السنوية من مياه النيل.
لقد كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم شهدت خلال السنوات الأربع الأخيرة، عدة جولات على مستويات مختلفة، تراوحت بين لقاءات قممية على مستوى قادة الدول، واجتماعات ثلاثية تضم وزراء الزراعة والري للدول الثلاث، وسداسية تضم وزراء الزراعة والري والخارجية، إلا أن جميع تلك المفاوضات وتلك الاجتماعات المتعددة لم تصل إلى حل نهائي، ووصلت في بعض محطاتها إلى تبادل الاتهامات العلنية بتحميل مسؤولية فشلها، لا سيما الاجتماع السداسي الذي عقد في عام 2018، ليبقى التساؤل في نهاية المطاف، أي خيارات تبقى أمام القاهرة للحفاظ على أمنها المائي؟
وفي هذا الصدد، ذكرت العديد من وسائل الإعلام العربية والغربية بأن العاصمة السودانية الخرطوم استقبلت يوم أمس الاثنين وفود كل من مصر وإثيوبيا للمشاركة في المفاوضات المرتقب انطلاقها يوم أمس والتي ستستمر حتى يوم الخميس المقبل، بعقد اجتماعات اللجنة الوطنية البحثية الفنية المستقلة المكونة من الدول الثلاث، وذلك لبحث طرق تشغيل وملء بحيرة سد النهضة الإثيوبي.
وبحسب تلك الوسائل الإعلامية، فإن تلك الاجتماعات سيعقبها اجتماع لوزراء الموارد المائية في الدول الثلاث بالخرطوم يومي 4 و5 أكتوبر المقبل، وذلك لاعتماد النتائج التي توصلت إليها اللجنة الوطنية المستقلة.
يذكر أن اللجنة الوطنية البحثية الفنية المستقلة تشكّلت بموجب توجيهات من رؤساء الدول الثلاث في أعقاب تعثر مفاوضات سد النهضة.
وفي هذا السياق، حذر الكثيرون من عواقب تأزم الخلاف بين مصر وإثيوبيا قبل بدء تشغيل السد العام المقبل إذا لم يستطع الموقف السوداني حسم الأزمة خلال مفاوضات الخرطوم ولقد شهدت أروقة الأمم المتحدة ردود أفعال مصرية وإثيوبية بشأن السد، حيث ردت رئيسة إثيوبيا "سهلي ورق زودي" على خطاب الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بالدعوة إلى ترك القضايا الفنية المتعلقة بسد النهضة للاختصاصيين الفنيين من الدول الثلاث.
ودعت "سهلي" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت مؤخراً في نيويورك إلى ضرورة تشجيع ودعم اللجان الفنية للخروج بتوصيات مبنية على أسس وحقائق علمية، مؤكدة على التزام بلادها بمبدأ التعاون في الاستفادة المشتركة والعادلة من مياه النيل بين دول حوض النيل، ومستشهدة باتفاق المبادئ الذي شاركت إثيوبيا في التوقيع عليه إلى جانب كل من السودان ومصر في مارس 2015 بالخرطوم.
ويتوقع مراقبون تأجيل المفاوضات إذا ما تمسّك كل طرف بموقفه بشأن ملء خزان السد وتشغيله، ويُنتظر أن تقدّم البلدان الثلاثة مقترحاتها بهذا الشأن، حيث ستشكّل عملية ملء الخزان أكبر المسائل الخلافية في المفاوضات.
ويؤكد أولئك المراقبون بأنه إذا تأجلت تلك المفاوضات فلربما قد تتجه مصر إلى خيارات أخرى للضغط على إثيوبيا، بما فيها الاتجاه للتحكيم الدولي للفصل في الخلاف على ملء وتشغيل سد النهضة.