الوقت- كان استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب السورية من أكثر القضايا إثارة للجدل التي أثّرت على التطورات الميدانية في هذا البلد، بحيث أنه كلما وجد دليل على استخدام الأسلحة، يسارع طرفا النزاع إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الطرف الآخر وهذا الأمر قوّض الجهود السياسية للقوى الغربية التي سعت إلى إجراء تحقيقات دولية مستقلة.
وحول هذا السياق، زعم "مايك بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي، يوم الخميس الماضي أن واشنطن خلصت إلى أن قوات الجيش السورية استخدمت أسلحة كيميائية في الـ19 مايو الماضي، في محافظة "اللاذقية" خلال هجومها على محافظة "إدلب" آخر معاقل الجماعات الإرهابية شمال غرب سوريا.
وقال "بومبيو" للصحافيين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن "أمريكا خلصت إلى أن نظام الأسد استخدم الكلور سلاحاً كيميائياً في حملته لاستعادة إدلب".
وأضاف بالقول: "إن أمريكا لن تسمح لهذه الهجمات بأن تمرّ بلا رد، ولن تتسامح مع الذين اختاروا التستر على هذه الهجمات".
وردّاً على هذه المزاعم، أعلن وزير الخارجية السوري، "وليد المعلم" يوم الجمعة الماضي، بأن اتهام أمريكا الأخير بشأن شنّ هجوم كيميائي في محافظة اللاذقية "كذبة كبرى".
وبدوره أشار نائب وزير الخارجية الروسية "سيرغي فيرشينين"، في تعليق له على تصريحات "بومبيو"، إلى أن موسكو تأسف لمثل تلك التصريحات، قبل إتمام تحقيقات الأمم المتحدة في هذه القضية، لافتاً إلى تأثيرها السلبي على عملية التسوية السياسية في سوريا. وأعرب "فيرشينين"، عن أسف بلاده لإصدار أمريكا بياناً اتهمت فيه القوات الحكومية السورية باستخدام أسلحة كيميائية في محافظة اللاذقية في مايو الماضي قبل انتهاء الأمم المتحدة من تحقيقها، ما قد يؤثر سلباً على عملية التسوية السياسية في سوريا.
محاولة لتبرير الحضور والتدخل في شؤون البلاد
نظراً لأن الأزمة قد خفّت حدّتها في معظم أنحاء المناطق السورية بعدما تمكّنت الحكومة المركزية من بسط سيطرتها على جميع المناطق التي كانت تحتلها الجماعات الإرهابية، فلقد أصبح محور اهتمام الحكومة السورية والرأي العام السوري، يتمثل في مكافحة التدخل الأجنبي غير القانوني وانتشار قواته في العديد من المناطق السورية.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أعلن عن نيته سحب قواته من سوريا في أواخر العام الماضي، إلا أن هذه الخطة واجهت معارضة شديدة من قبل المعارضة السورية الداخلية وحلفاء أمريكا في المنطقة.
ولهذا فلقد أقامت القوات الأمريكية قواعد لها في شمال سوريا للاستمرار في الوجود في سوريا لفترة طويلة الأجل.
ولهذا فإن واشنطن استخدمت الاعتداءات الكيميائية كخيار رئيسٍ لصرف أنظار أبناء الشعب السوري عن استمرار وجود قواتها في العديد من المدن والمناطق السورية، أي إنها استخدمت تلك الاعتداءات الكيميائية في الفضاء الدعائي والإعلامي التابع لها للتغطية على أعمالها وأهدافها التي تريد أن تصل إليها في سوريا.
مخاطر العملية السياسية في ظل ظروف تفوّق الحكومة السورية
في الأيام الأخيرة، أكدت العديد من التقارير المختلفة التقدّم الجاد في تشكيل اللجنة الدستورية السورية.
وحول هذا السياق، كشف وزير الخارجية السوري، "وليد المعلم" الأسبوع الماضي عن تفاصيل كيفية تشكيل هذه اللجنة وأعرب بأن اللجنة ستتألف من 150 عضواً، خمسون منهم من مؤيدي الحكومة السورية، وخمسون من أنصار المعارضة وخمسون من أنصار المجتمع المدني.
وقال "المعلم": "نحن لا نقبل الأفكار والجدول الزمني لنشاط اللجنة الذي يُملى علينا من الخارج ولن نسمح لأي شخص بالتدخل في دستورنا".
ويأتي تشكيل هذه اللجنة الدستورية في وقت لم يعد فيه رحيل الرئيس "بشار الأسد" من الشروط المسبقة للمعارضة للمشاركة في المفاوضات، وحتى الجانب التركي بدأ بإعادة نظره في العديد من مواقفه السابقة.
بطبيعة الحال، إن هذه العملية لا تتماشى مع المصالح الأمريكية، لذلك، وكما قال وزير الخارجية الروسي "لافروف" في الأيام الأخيرة في الأمم المتحدة،: "كان التدخل الأجنبي هو أهم عقبة أمام الحل الدستوري والسياسي للأزمة السورية حتى الآن".
دور الأسلحة الكيميائية في تفاقم الأزمة لمصلحة المعارضة
في كل مرة يتم فيها استخدام الأسلحة الكيميائية في الأزمة السورية، كانت البلاد تتعرض لضغوط خارجية، ما وفّر أسباباً لجماعات المعارضة فضلاً عن البلدان المعارضة للحكومة السورية لاتهامها بالخداع وبقتل المدنيين.
ومن ناحية أخرى، خلال الأزمة السورية وبعد استعادة قوات الجيش السورية المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة، تم اكتشاف مراكز ومختبرات إنتاج المواد الكيميائية التي تشير إلى قيام تلك الجماعات الإرهابية المسلحة باستخدام المواد الكيميائية لشنّ هجمات على العديد من المناطق السورية.
وعلى سبيل المثال، يشير استخدام داعش للمواد الكيميائية في عملياتها في العراق وفي المناطق التي تسيطر عليها سوريا، والتي تم الاعتراف بها من قبل مختلف الأطراف، إلى أن هذه الجماعات الإرهابية اتخذت خطوات لاستخدام الأسلحة الكيميائية في العديد من هجماتها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل عام يقوم به الطرف الضعيف في الحرب وفي حين أن الجيش السوري في معظم الحالات في وضع متقدّم وقوي، فإنه لن يكون بحاجة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية لتعزيز هجماته وتقدّمه.
وفي هذا السياق، فإنه يمكن القول بأن محاولة واشنطن لإعادة استخدام ذريعة الأسلحة الكيميائية ليست سوى انعكاس لضعف قوة المناورة الأمريكية المحدودة في التطورات السورية ويؤكد أيضاً بأنها لا تملك القدرة على مواكبة التطورات المستقبلية في سوريا.
وفي الختام، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن الحكومة السورية قالت بأنها ستشارك في لجنة الدستور وسوف تلتزم بالعملية السياسية ولكنها أيضاً ستحتفظ بحقها في القيام بعمليات عسكرية ضد الإرهاب لإعادة جميع مناطق إلى حضن الوطن.
وعلى نفس هذا المنوال، أكد مسؤول بوزارة الخارجية السورية في الـ25 مايو الماضي، بأن الأخبار المزيفة حول استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية في بلدة "كاباني" في ريف اللاذقية هي مجرد مقدمة لإطلاق سلسلة من الأكاذيب على النمط الغربي للبدء في التهديد والترهيب، لكن كل هذه الضجة لن تمنع سوريا من مواصلة حربها على الإرهاب.