الوقت- لقد توترت العلاقات الهندية الباكستانية بشكل متزايد بشأن قضية كشمير هذه الأيام، وجاءت هذه التوترات بعد أن أعلنت حكومة "ناريندرا مودي" اليمينية في بداية هذا الشهر (أغسطس 2019) عن قرار مثير للجدل بإلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير ثم إزالة البند الخاص بمنح كشمير الحكم الذاتي من الدستور.
قوبلت هذه الخطوة بردّ فعل عنيف من جانب الحكومة الباكستانية التي أعلنت أنها ستعتبر جامو وكشمير محتلتين من قبل الهند، ووصف وزير الخارجية الباكستاني هذه الخطوة بأنها تطهير عرقي ومقدّمة لضم كشمير إلى الهند، محذّراً نيودلهي من أن هذا الأمر قد يتحوّل إلى حرب جديدة بين البلدين.
من ناحية أخرى، تستمر الاحتجاجات الشعبية في كشمير ضد هذا القرار كل يوم، وقد فرضت الحكومة الهندية حظراً للتجوال لمنع هذه الاحتجاجات.
الموقع الجغرافي لكشمير
تقع كشمير في الجزء الشمالي الغربي من شبه الجزيرة الهندية على سفوح جبال الهيمالايا، بحيث أن الأنهار الثلاثة الرئيسة وهي السند والبنجاب وجهلم تنبع من هذه المنطقة، وهذان الموقعان الطبيعيان الخاصان يجعلان مناخ كشمير معتدلاً وممتعاً.
كان الملوك الإيرانيون يطلقون على كشمير "بداية الجنة"، وفي الوقت الحاضر يطلق عليها اسم "هارتلاند" ويشار إليها باسم "سقف آسيا" وقلب آسيا أيضاً.
وقد تسبّب هذا الموقع الاستراتيجي لكشمير بعد انفصال الهند وباكستان، في أن يطمح هذان البلدان بالإضافة إلى بعض الدول عبر الإقليمية بالهيمنة على كشمير.
كانت ولاية كشمير قبل التقسيم تتألف من خمسة أجزاء: وادي كشمير، جامو ، لداخ، بلتستان، يونج وجلجيت، وبحلول عام 1941، كان عدد سكانها 402 ألف نسمة، 77٪ منهم من المسلمين، و20٪ من الهندوس و 3٪ من السيخ والأقليات الأخرى.
الخلفية التاريخية لكشمير
كشمير منطقة ذات خلفية تاريخية لأكثر من أربعة آلاف عام، وقد حكمت حوالي 21 سلالة مختلفة المنطقة من الهندوسية والبوذية حتى القرن 14 الهجري، وعلى الرغم من أن "محمود الغزنوي" قد غزا كشمير 17 مرة، إلا أنه فشل في فتحها بسبب التضاريس الطبيعية.
كان توجّه الشعب الكشميري نحو الإسلام سلمياً، إذ في البداية أدّت أسفار السياح ورجال الأعمال المسلمين إلى كشمير إلى اعتناق بعض البوذيين في هذه المنطقة الإسلام، ثم توفرت الأرضية للتحوّل الديني على نطاق واسع من خلال زيارات الصوفيين ورجال الدين في إيران وآسيا الوسطى.
يعدّ "رنجن" أول أمير كشميري اعتنق الإسلام حوالي عام 719 هـ / 1320 م، وبعد ذلك أصبح يعرف باسم السلطان صدر الدين. بالإضافة إلى وصول الإسلام إلى كشمير، ظهر حوالي 50 كاتباً و 250 شاعراً في كشمير، وبعد مرور قرن من دخول الإسلام إلى كشمير، أعلن السلطان زين العابدين اللغة الفارسية لغة البلاط.
بعد الهيمنة الأفغانية على كشمير، حكم السيخ الذين كانوا من الهندوس لمدة 27 سنة، وخاضوا عدة حروب مع البريطانيين، لكن بريطانيا التي استولت على أجزاء كبيرة من الهند من خلال اتفاق لاهور، باعت كشمير إلى " المهراجا غولاب سنغ" الذي كان حاكماً تابعاً بمبلغ سبعة ملايين ونصف روبية وذلك بموجب معاهدة "أمريتسار".
على الرغم من الأغلبية المسلمة في كشمير، بدأ المهراجا غولاب سنغ يسيء معاملة المسلمين، والاحتجاجات الأولى واسعة النطاق من قبل المسلمين في عام 1931 بقيادة "الشيخ عبد الله"، قد أدّت إلى بعض الحريات.
وبعد الحرب العالمية الثانية قام "اللورد مونتغمري" آخر حاكم بريطاني بتقسيم 65٪ من كشمير بين الهند وباكستان، بناءً على ثلاثة معايير هي الدين ومطالب سكان الولايات والوضع الجغرافي، وترك 35 في المئة المتبقي للحكام الهندوس والمسلمين ليختاروا بين الهند وباكستان.
من ناحية أخرى، كانت هناك خلافات بين الأحزاب الإسلامية في انفصال باكستان عن الهند، ومغادرة بريطانيا الهند بعد عام 1947 جعلت المهراجا يتردد في أن يضم الـ 35٪ المتبقية إلى باكستان أو الهند، ومع تدهور الأوضاع في كشمير، هرب المهراجا إلى ولاية جامو وسلَّم 35 ٪ المتبقية للسيطرة الهندية تحت ذريعة معاهدة أمريتسار، لكن الشعب المسلم الذي رأى هذا الانضمام مؤامرةً بين بريطانيا والهند، عارض ذلك، وتحوّل الأمر إلى الأساس الرئيس للتوتر والصراع في كشمير حتى يومنا هذا.
اقتصاد كشمير
تعدّ الزراعة مهنة معظم الناس في جامو وكشمير، والمنتج الزراعي الأكثر أهميةً في الكشمير، هو الأرز وبعض الفواكه مثل التفاح والمشمش والكرز، وهي من بين أهم المنتجات التي تصدرها كشمير، كما تعدّ صناعة بعض المنسوجات وصيد الأسماك جزءاً صغيراً من اقتصاد كشمير.
كما وجدت احتياطيات صغيرة الحجم من الغاز الطبيعي بالقرب من مدينة جامو، واحتياطيات البوكسيت في جوار مدينة "أودايبور"، والاحتياطيات المعدنية الأخرى في كشمير هي الحجر الجيري والفحم والزنك والنحاس.
وتتمتع كشمير بعوامل الجذب الطبيعية التي جعلت السياحة والجذب السياحي يتحولان تدريجياً إلى أحد الموارد الاقتصادية لكشمير، ولكن بسبب المشكلات الأمنية وعدم وضوح النظام القانوني للمنطقة بالنسبة إلى المجتمع الدولي، لم تصل السياحة والجذب السياحي إلى مكانتهما الحقيقية في كشمير حتى الآن.
أما بالنسبة إلى البطالة فهي مرتفعة في الإجمال، والإمكانيات الاقتصادية في كشمير لم تتحسن بعد.
كشمير بعد التقسيم
كشمير مقسمة حالياً بين الهند وباكستان والصين، تسيطر باکستان على ولايتي "جلجيت" و"بلتستان" تحت عنوان كشمير الشمالية، وعدد سكانها حوالي مليون نسمة و99 ٪ منهم من المسلمين، وتحدّها كشمير الهندية من الجنوب والشرق.
تنقسم هذه المناطق إلى 5 مقاطعات، وسكان مدن روندو وکلتي وكارمانج في "بالتستان" و"نجر" في جلجيت هم من الشيعة تماماً. وهناك منطقة أخرى من كشمير تديرها باكستان تحت عنوان "كشمير الحرة"، تبلغ مساحتها ۱۳۲۷۹۷ كيلومتراً مربعاً، وتقع غرب كشمير وتنتهي من الشمال والغرب إلى كشمير الشمالية.
أعراقها المختلفة هي السودا والراجبوتية والغوجاراتية والجات. وأغلبية المسلمين في هذه المنطقة هم من السنة، ومن الناحية الإدارية لها رئاستها المستقلة وحكومتها الخاصة، بحيث إن باكستان تعتبرها دولةً مستقلةً وعليها مهمة حمايتها فحسب، ولها عاصمة تسمى مظفر آباد.
تتألف كشمير الهندية من مقاطعتين رئيسيتين، جامو وكشمير، وتبلغ مساحتها حوالي ۱۰۱٬۴۳۷كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 12 مليون نسمة.
العاصمة الصيفية لكشمير الهندية هي "سريناغار" وعاصمتها الشتوية "جامو".
الجزء الثالث من كشمير المنقسمة هو "أكساي تشين" أي النائي، وتسيطر عليه الصين، إنها منطقة غير مأهولة بسبب شكلها الطبيعي ومناخها القاسي، ولكن لأنها تربط التبت بشينجيانغ والهند فإن لها أهميةً استراتيجيةً، وقد ازدادت أهميتها في السنوات الأخيرة بسبب كونها داخل حدود مشروع "حزام واحد - طريق واحد" الصينية.
تعتبر الهند ولأسباب ما أن الحدود المرسومة في فترة الحكومة الهندية البريطانية تمثّل وثيقةً لسيادتها على منطقة "أكساي تشين"، لكن الصين ترى أن هذه العلامات لا معنى لها وغير صالحة للاستناد، ولذلك فإن أي انتشار للتوتر في كل منطقة من مناطق كشمير، عن قصد أو غير قصد، سيجرّ الصين إلى خضم الحدث.
حروب كشمير وقرارات الأمم المتحدة
بعد الضم غير الرسمي لـ 35٪ من كشمير غير محددة المصير إلى الهند عام 1947، لجأ 500 ألف مسلم كشميري هندي إلى باكستان، وفي منتصف الطريق تعرّضوا للهجوم من قبل السيخ وبعض القبائل، ما أغضب مسلمي "يونج" ودفعهم للإطاحة بحكامهم المحليين.
حكومة الهند وبسبب الأغلبية المسلمة في منطقة جامو، قامت بقتل نحو 300 ألف مسلم، فأعلنت باكستان هذا اليوم بأنه "اليوم الأسود"، وانطلق 20 کتيبة من القوات القبلية المدعومة من باكستان نحو جامو وكشمير.
وكان هذا في حين أن الجيشين الهندي والباكستاني كانا حديثي التأسيس، وبعد أن كان الجيش الباكستاني يقدّم الدعم اللوجستي فقط للكتائب القبلية لفترة من الوقت، خرج من الوضع اللوجستي وسارع لمساعدة الجيش القبلي.
احتل الجيش الباكستاني 70٪ من جامو وكشمير، وأخيراً مع دخول الأمم المتحدة على الخط والقرار 121 الذي كان وقفاً ما للأعمال القتالية، أصبح ثلثا المنطقة تحت السيطرة، وكان القرار يدعو البلدين إلى إجراء استفتاء بين أهالي كشمير، لمعرفة هل يريدون الانضمام إلى الهند أم باكستان؟
مازالت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة موجودةً في المنطقة بموجب هذا القرار، وقد عيّنت الأمم المتحدة الأدميرال الأمريكي "شيستر نيميتز" كرئيس لإجراء الاستفتاء، ولكن لأن حكومتي الهند وباكستان لم تتمكنا من تنفيذ نزع السلاح بنجاح وفقاً لقرار الأمم المتحدة، فشل نيميتز في إجراء الاستفتاء.
في عام 1950، ومن خلال القرار الثاني للأمم المتحدة، اقترح القاضي الأسترالي "أوين ديكسون" إجراء استفتاء على وادي كشمير فحسب، لكن الطرفين لم يتفقا على ذلك.
وفي عام 1965، قرر الجنرال الباكستاني "أيوب خان" وبالنظر إلى النزاعات بين الهند والصين، ضمّ كشمير إلى باكستان عبر هجوم سريع، لكن الجانبين اتفقا على العودة إلى حدود عام 1948 مع خسائر كبيرة وبتدخل من الأمم المتحدة.
بعد صراعات عام 1971 التي أدّت إلى انفصال بنغلاديش، أصبح الوضع بين البلدين حول قضية كشمير أكثر تعقيداً وتفاقماً.
ثم تم توقيع اتفاقية ثانية برعاية الأمم المتحدة تحت عنوان "شيملا" بين البلدين في عام 1972، قضت بالموافقة على خط وقف إطلاق النار المنصوص عليه في اتفاق 1948 كخط السيطرة، ولكن لم يتم القبول به كخط حدودي.
في عام 1999، وبعد سلسلة من التجارب النووية للبلدين، اندلعت حرب أخرى بين الطرفين في كشمير في أقصى منطقة شمالية تدعی "جارجيل".
ومع إطالة أمد الحرب وتزوُّد كلا الجانبين بالأسلحة النووية، أدت المخاوف من اندلاع حرب مدمرة كاملة، وكذلك حكمة البلدين إلى قبول الوساطة وإنهاء الصراع، وقد تركت هذه الحرب نحو 400 قتيل في باكستان و 500 في الهند، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن بدء الهجوم.
كما حدثت توترات بين الهند وباكستان حول الموارد المائية أيضاً، وذلك بسبب وجود أنهار في كشمير مليئة بالمياه، ففي عام 1960 ووفقاً لاتفاقية مياه السند(إندوس)، اتفقوا على أن الهند يمكن أن تستخدم الأنهار الشرقية بما في ذلك رافي وبياس وسوتليج، وتستطيع باكستان استخدام مياه الأنهار الغربية (إيندوس وجهيلوم وشيناب(.
زعمت باكستان في العام الماضي وبعد ضربة جوية فاشلة للهند، أن نيودلهي كانت تسعى إلى قطع حصة المياه الباكستانية عن نهر "تشيناب".
على الرغم من أن حرب "كارجيل" كانت آخر معركة شرسة في كشمير، فلا تزال هناك توترات بين الجانبين، وقتل حتى الآن سبعون ألف شخصاً في اشتباكات هذه المنطقة.
في أواخر فبراير 2019، هاجم تنظيم "جيش محمد" قافلةً عسكريةً هنديةً ما أسفر عن مقتل 44 جندياً، اتهمت الهند إسلام اباد بالتورط في الهجوم، وقرّرت الانتقام بغارة جوية على مقرّ بعض ميليشيات "جيش محمد"، وفي المقابل استهدفت باكستان مقاتلتين هنديتين بذريعة انتهاك مجالها الجوي.
الأحزاب والجماعات السياسية في كشمير
خلال نضالات عام 1931، تمكّن المسلمون من تشكيل حزب "المؤتمر الإسلامي" وحزب "المؤتمر الوطني" حتى عام 1938، ولكن كانت هناك خلافات بين هذه الأحزاب كان يستغلها الحكام غير المسلمين.
لقد تشكلت ثلاثة اتجاهات سياسية رئيسة في كشمير تقوم على المصالح الجيوسياسية: 1. الميل إلى الهند 2. الميل إلى باكستان 3. الميل إلى الحكم الذاتي.
ونتيجةً للنسيج الديني لكشمير الهندية وبعض القضايا التاريخية وسجل الحروب الماضية، تريد معظم الأحزاب الدينية الانضمام إلى باكستان.
من بين الأحزاب المهمة في كشمير، يمكن أن نذكر ما يلي:
جبهة تحرير كشمير جامو(jklf)، التي أسسها "أمان الله خان"، وأصبحت منظمةً نضاليةً في عام 1994 ولها فرع في كل من كشمير الهندية والباكستانية، فرع كشمير الهندية برئاسة "ياسين مالك" أوقف العنف منذ عام 1995 ولجأ إلى الوسائل السلمية.
حزب جامو وكشمير الديمقراطي(jkdfp)، الذي أسسه "هاشم قريشي" و"شبير أحمد شاه" عام 1998 كحزب انفصالي ومؤيد للحكم الذاتي في جامو وكشمير.
حزب جامو وكشمير الديمقراطي الشعبي(pdp)، الذي تشكّل عام 1999 على يد المفتي "محمد سعيد" بهدف الانفصال والحكم الذاتي.
حزب المؤتمر الوطني لجامو وكشمير(ncp)، الذي أسسه "الشيخ عبد الله" عام 1939 وينشط الآن على يد حفيده "عمر عبد الله" كحزب معتدل يسعى للحصول على الحكم الذاتي.
حزب جامو وكشمير الشعبي(jkpp)، الذي تم تأسيسه في يوليو 1990 تحت قيادة القائد "محمد خان" بهدف السعي من أجل استقلال كشمير.
من وجهة نظر الأحزاب المؤيدة للحكم الذاتي، كانت كشمير جزءاً من شبه القارة الهندية، ولكنها كانت تحت حكم منفصل.
وعلى الرغم من أن الكشميريين مسلمون، لكن لديهم فوارق مع الشعب الباكستاني، وبالنظر إلى الجذور التاريخية فإن مواصلة هيمنة الهند على كشمير مستحيلة، كما أن دمجها في باكستان سيثير حساسيات الهند والهندوس؛ وبالتالي فإن الحل الوحيد الممكن من وجهة نظر هذه الأحزاب، هو توافق البلدين على استقلال كشمير.
أما الأحزاب الرئيسة الأخرى فهي منظمة "حريت"، التي تشكلت في عام 1993 كتحالف يضم 26 منظمةً سياسيةً اجتماعيةً ودينيةً في كشمير، بهدف ضم كشمير إلى باكستان، وهناك حوالي 100 مجموعة مسلحة وغير مسلحة تنشط كمنظمة أمنية تحت رعاية الاستخبارات العسكرية الباكستانية.
عسكر طيبة التي تأسست عام 1994 في "مارکاز"، تم تشكيل نواتها الأولي كمنظمة شبه عسكرية من قبل "حافظ محمد سعيد".
حزب المجاهدين الذي بدأ العمل في عام 1989، وهو الحزب الديني الأكبر والأكثر انتشاراً لنضال الشعب الكشميري، قيادته الحالية يتولاها "السيد صلاح الدين"، المقيم في باكستان.
"جيش محمد" وهو منظمة شبه عسكرية تعمل في كشمير ولكن يقع مقرها الرئيس في باكستان. الهدف الرئيس للمجموعة هو ضم مناطق كشمير التي تسيطر عليها الهند إلى باكستان، والعمل تحت مظلة حكومة إسلامية، تم حظر نشاطها رسمياً منذ عام 2002 ولكنها تواصل أنشطتها السابقة بطرق مختلفة، وقد بدأ وجود هذه الجماعات في كشمير بعد انقلاب "ضياء الحق" في باكستان.
تدخل القوى عبر الإقليمية في كشمير
بدأت جذور التوترات في كشمير بالتدخل البريطاني وبيع كشمير إلى "المهراجا جولاب سينغ" في 9 من مارس ۱۸۴۶.
وفقاً لهذه الاتفاقية، باعت الحكومة البريطانية ولاية جامو وكشمير الحالية إلى المهراجا جولاب سينغ وعائلته بشكل دائم بسعر 7.5 ملايين روبية لذلك الوقت، وتقرر تسليم 5 ملايين دولار من المبلغ إلى البريطانيين حين توقيع الاتفاقية، و 2.5 مليون دولار قبل بداية أكتوبر 1846.
قبل انفصال باكستان عن الهند، تم ترك مصير كشمير للشعب وحكامه، لكن " جولاب سينغ" قد ادّعى احتلال كشمير من قبل قبائل "تاتان" الباكستانية، وفي رسالة إلى السلطات البريطانية، طلب منهم الدخول إلى منطقة كشمير.
المحتويات الغامضة للرسالة وعدم إثبات الادعاء، قد دفعا بعض الخبراء إلى اعتبار منع انضمام كشمير إلى باكستان، مؤامرةً بين إنجلترا والهند؛ والسبب لمثل هذا الاستدلال هو أنه إذا كان قد تم الرجوع إلى الاستفتاء وفقاً للاتفاقات السابقة، فبالنظر إلى النسبة العالية لمسلمي كشمير، فإنهم يختارون باكستان.
وبالطبع، لم يكن الخلاف بين الأحزاب الإسلامية الرئيسة قبل انقسام باكستان دون تأثير في هذه القضية، ورغم أن قرار الأمم المتحدة بعد الحرب الهندية الباكستانية الأولى قد أوكل تقرير مصير جامو وكشمير على عاتق سكان هاتين المنطقتين، لكن لا يزال لا يسمح لهم بإجراء استفتاء وانتخابات حرة.
مع إحلال أمريكا محل بريطانيا في صراع كشمير، اتبعت أمريكا المسار البريطاني أيضاً، وعن طريق دعم تزود الهند ثم باكستان بالأسلحة النووية، أعطت أبعاداً جديدةً لقضية كشمير.
بالنظر إلى أن جزءاً من مبادرة الصين الاقتصادية الرئيسة "الحزام والطريق" يمر عبر شمال كشمير، فإن الهند تنظر إلى المبادرة على أنها تحالف استراتيجي بين خصميها، أي الصين وباكستان. كما تخشى أمريكا تقارب القوتين العظميين الصين والهند، وترى دور كشمير مجالاً لنفوذها، مثل فلسطين بين العرب والكيان الإسرائيلي والتوترات في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي.
لذلك فهي تستفيد من منافسة الهند مع الصين، وتستغل كشمير للحصول على تنازلات من الهند. وفي الواقع، ترى واشنطن في قضية كشمير صراعاً مُداراً لمصلحتها الخاصة بدلاً من مشكلة يجب أن تحلّ إلى الأبد.
بالإضافة إلى تورط القوى عبر الوطنية، يمكن أيضاً تتبع ورصد دور القوى الإقليمية في أزمة كشمير.
لقد تسبّب التدخل السعودي في أن تتسم معارضة بعض المسلمين في كشمير بسمة الإرهاب، كما تستخدم السعودية الأيديولوجية الوهابية كأداة لتعزيز أهداف ومصالح سياستها الخارجية، وكانت باكستان دائماً أحد الأهداف الرئيسة لنشر هذه الإيديولوجية من قبل السعوديين.
في العام الماضي، قال عضو الكونغرس الأمريكي "كريس ميرفي" في مقابلة صحفية: هناك 24 ألف مدرسة دينية في باكستان، عدة آلاف منها تتلقى التمويل من السعودية.
وأضاف أن هذا الأمر قد زاد من انعدام الأمن والإرهاب في باكستان.
ويمكن أيضاً الإشارة إلى دور الكيان الإسرائيلي في أزمة كشمير. حيث حاول الكيان الإسرائيلي أيضاً التأثير على كشمير من خلال بيع الأسلحة في إحدى الحروب.
ففي عام 2017، وقّعت صناعة الطيران الإسرائيلية عقداً بقيمة 2 مليار دولار لتزويد الجيش والبحرية الهندية بأنظمة الصواريخ.
في هذا الصدد، كتبت صحيفة "الإندبندنت" في منتصف شهر مارس من العام الماضي في تحليل أجراه الصحفي المعروف "روبرت فيسك": إن "إسرائيل" ومن أجل استفزاز الهند، قد لعبت دوراً رئيساً في إثارة التوترات بين البلدين (الهند وباكستان).
وأكد فيسك في هذا التحليل: لقد شكلت "إسرائيل" في الأشهر الأخيرة تحالفاً خطيراً ضد الإسلام والمسلمين، من خلال دعم حزب "بهاراتيا جاناتا" العرقي.
بالطبع، لا يعترف أي طرف بوجود هذا الائتلاف رسمياً وأمام الرأي العام، ويمكن ملاحظة أحد الجوانب الرئيسة لهذا الأمر في تحوُّل الهند إلى أكبر سوق للأسلحة إسرائيلية.
وتابع فيسك حديثه قائلاً: لم يكن من قبيل الصدفة أن وسائل الإعلام الهندية ذكرت بعد جولة التوتر الجديدة بين الهند وباكستان، أن الجيش الهندي يستخدم صواريخ "رافائيل سبيس 2000"، وهي نوع من الصواريخ الإسرائيلية.
في نفس السياق أيضاً وفي الأيام الأخيرة، أشارت "زهرة نقوي" سكرتيرة فرع المرأة وعضو البرلمان الباکستاني عن البنجاب إلى دور الكيان الإسرائيلي في التدريب على قمع المسلمين الكشميريين.
الحكم الذاتي لكشمير في القانون الهندي
بعد ظهور علامات الصراع في كشمير، عرض ماهاراجة تلك الفترة على باكستان والهند وقف الإجراءات في كشمير(Standstill Agreement). قبلت باكستان العرض، لكن الهند قد أبدت ردة فعل محايدة.
بعد انضمام جامو وكشمير إلى الهند، أرسل "جواهر لال نهرو" برقيةً إلى رئيس الوزراء الباكستاني في ذلك الحين "لياقت علي خان"، أعلن فيها أن الهند ليست لديها رغبة في فرض قرار على شعب كشمير، وسوف تقبل رأي الناس، لكن هذا لن يحدث إلا بعد إرساء السلام والنظام.
عندما تعرّض المسلمون في منطقة "البونج" للهجوم وذلك قبل التدخل العسكري الباكستاني، وأصبح الوضع متوتراً، لم تعتبر الهند نفسها ملزمةً بتقرير مصير كشمير، لأنه لم يكن هناك سلام، وفي هذه الأثناء ومع بدء الشرارات الأولى للحرب الهندية الباكستانية الأولى في عام 1948، طلب ماهاراجا كشمير المساعدة من الهند، لكن الهند قد ردّت بأن إرسال المساعدات مشروط بسيطرة الهند على قطاع الدفاع والسياسة الخارجية والاتصالات في كشمير، وتفويض بقية الصلاحيات إلى كشمير نفسها.
تم دمج هذه الاتفاقية في المادة 370 من دستور الهند والبند 35A، الذي تحظر السلطات الكشميرية بناءً عليه شراء العقارات وتولي المسؤوليات الإدارية من قبل غير الكشميريين الذين هاجروا إلى كشمير بعد عام 1954، اعترفت الهند بهذا الحق لكشمير مقابل ما حصلت عليه من صلاحيات في كشمير.
وكان للجمعية التأسيسية لجامو وكشمير سلطة انتخاب بنود من الدستور الهندي لتطبيقها في جامو وكشمير أو إلغاء المادة 370 ككل، لكن المشكلة القانونية الرئيسة بدأت حين تم حلّ الجمعية التأسيسية دون توقّع إلغاء القانون أعلاه وبعد الموافقة عليه، وظلت المواد المذكورة بنداً دائماً في الدستور الهندي.
بعد أن وصل ترامب إلى سدة الرئاسة، علّق المساعدات العسكرية لباكستان البالغة 255 دولاراً، من ناحية أخرى، أدّى تصاعد التوترات بين الصين وأمريكا، بالهند إلى أن تجد الظروف مواتيةً لإلغاء الحكم الذاتي بموجب المادة 370.
وفي الثلاثاء 6 أغسطس، أقرّ مجلس "لوك سابها" مشروع قانون لتغيير منطقة جامو وكشمير من ولاية إلى اتحاد مع برلمان محلي، وتحويل "لداخ" إلى منطقة منفصلة من دون برلمان محلي.
دور الأحزاب الهندية في قضية كشمير
تنقسم الأحزاب في الهند إلى ثلاث فئات: المحلية والوطنية والإقليمية (الولاية(.
في بلدان العالم الثالث التي انبثقت من الاستعمار، تلعب الأحزاب الوطنية دوراً مهماً في تكامل البلاد، مثل الحزب الوطني الهندي(INC)، الذي تأسس عام 1885 واكتسب موقعاً خاصاً بعضوية "غاندي" وتمكّن من إدارة الحكم في الهند لأربعة عقود. بعد ذلك، تأسس حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) في عام 1980 بصبغة قومية.
من وجهة نظر "مايرون وينر" و"جوزيف بالومبارا"، إن الأحزاب الحديثة في البلدان الأقل نمواً تواجه بعض الأزمات الكبرى، بما فيها أزمة الشرعية والهوية الوطنية والتقارب، ولذلك، فإن أحزاباً مثل حزب بهاراتيا جاناتا، بحاجة إلى إنشاء آليات لاکتساب الحد الأقصی من الهوية والشرعية، للبقاء في المشهد السياسي الهندي.
وكانت حادثة هدم مسجد "بابري" ومشاركة حزب بهاراتيا جاناتا فيها لاستغلال المشاعر القومية للشعب الهندي، مثالاً على هذا التحدي، وعلى الرغم من أن عدداً من كبار أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا قد حوكموا بعد الحادث، إلا أن هيكل الحزب مصمم للتنافس مع الأحزاب الأخرى بالاعتماد على المشاعر القومية.
"ناريندرا مودي" وقبل أسبوع واحد من المنافسة الشديدة للانتخابات الهندية ذات سبع مراحل في 9 أبريل، وعد بإلغاء الحقوق الخاصة للمسلمين في كشمير إذا فاز في الانتخابات.
وكان هذا في حين أنه منذ عام 2014 حيث ألغت الهند المحادثات الأمنية مع باكستان، اندلعت اشتباكات عنيفة بين المسلحين والحكومة الهندية استمرت ثلاثة أيام، ومنذ ذلك الحين وبالتوازي مع نشاط حزب بهاراتيا جاناتا، اشتدت حدة عنف القوميين الهنود ضد الأقليات الدينية.
أكدت وكالة بلومبرغ وبعد إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، أن هذه القضية ستعزز موقف مودي في الهند، وذكرت في تقرير لها: ستسمح هذه الخطوة لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" بالسيطرة الكاملة على هيكل الشرطة المحلية بالولاية، لتحويل كشمير إلى منطقة موحدة مثل نيودلهي عاصمة الهند.
دور الأحزاب والمؤسسات السياسية الباكستانية في كشمير
يلعب الجيش الباكستاني دوراً خاصاً في هيكل السياسة والسياسية الخارجية.
لقد تم تشكيل الجيش الباكستاني منذ البداية لمهمتين مهمتين: الأولى إعادة كشمير إلى باكستان، والثانية تطبيق الشريعة الإسلامية في هيئة حكومة إسلامية.
"عائشة صديق" عضوة البرلمان الباكستاني، تؤكد في كتاب ألفته عام 2007 بعنوان "باكستان الاقتصاد العسكري": يمتلك الجيش الباكستاني حصةً ورأس مال في معظم الصناعات في البلاد، بحيث يلعب اليوم دوراً حاسماً في صناعات مثل النفط والغاز والسكر والأرز.
يمنح الدستور الباكستاني أيضاً ميزات خاصة للجيش، حيث كان معظم الرؤساء الباكستانيين جنرالات الجيش، والذين استولوا بدورهم على السلطة من خلال انقلاب.
لذلك، تعتمد هوية الجيش الباكستاني وحياته ومكانته على كسب قضية كشمير، وبالتالي، فإن وجهة نظر الجيش الباكستاني هي أن التنازل في هذه القضية يمكن أن يضع الجيش الباكستاني في أضعف موقف منذ استقلال باكستان.
ومن بين حوالي 20 حزباً باكستانياً، يعتبر حزبا "الرابطة الإسلامية" و"الشعب" الحزبين الرئيسيين، بحيث يعدّ هيكل باكستان ثنائي الحزب في الواقع.
الرابطة الإسلامية تأسست على يد "محمد علي جناح" في عام 1906، أما حزب الشعب الباكستاني فخرج إلى النور على يد "ذو الفقار علي بوتو" في عام 1967.
نظراً للمكانة التاريخية للرابطة الإسلامية ومصداقية "محمد علي جناح" كمؤسس لاستقلال باكستان، فإنها عادةً ما تحصل على الأغلبية، وأي شخص يريد التنازل في قضية كشمير، وهي الخط الأحمر للجيش الباكستاني، فمن المؤكد أن الجيش سوف يزيل هذا الحزب أو الفرد من السلطة.
الجانب الآخر من قوة الجيش الباكستاني، هو فساد وإساءة استعمال السلطة من قبل بعض مسؤولي الجيش في الساحة السياسية الباكستانية، مما أثارا سخط الجمهور من عام 2008 إلى عام 2017.
رئيس الوزراء الحالي "عمران خان" ومؤسس حزب "حركة الإنصاف الباكستاني"، استطاع الفوز في الانتخابات وتولي منصب رئيس الوزراء بأغلبية 110 أصوات من أصل 269 مقعداً في البرلمان الباكستاني، لأنه قد قطع وعداً بمكافحة الفقر والفساد. وبالتالي، فإن عدم دعمه من قبل الجيش والحزبين الرئيسيين في أزمة كشمير قد يتسبّب في انهيار حكومته، ولذلك، يجب على عمران خان بذل قصارى جهده وبراعته لكسب دعم الجيش في قضية أفغانستان، وهي خط أحمر آخر للجيش.
وفي هذا السياق، فهو يحاول الحصول على تأييد الجيشين الباكستاني والأمريكي في عملية السلام الأفغانية بشكل مشترك، ليستطيع بهذه الطريقة مواجهة الهند في حلّ مشكلة كشمير بموقف أقوى، كما تحدث مع ترامب قبل اجتماع مجلس الأمن، وقال في خطاب متلفز إن دخول ملف كشمير إلى مجلس الأمن كان نصراً لباكستان.
السيناريوهات المستقبلية في كشمير
بسبب الجذور القومية والدينية للمؤسسات الرئيسية المؤثرة للبلدين في ملف كشمير، أي الجيش الباكستاني وحزب بهاراتيا جاناتا، لذلك، لحل التوترات الحالية، يجب أن يكون لهاتين المؤسستين موقف مناسب تجاه الرأي العام الخاص بهما.
فإذا بدأت الهند في التطهير العرقي أو حتى إزالة الرموز الإسلامية والهويائية لكشمير، ستبدأ ردود فعل عرقية وإثنية عنيفة في كشمير، وسيسمح ذلك بنمو الجماعات الإرهابية مثل داعش وتراجع الأحزاب المعتدلة، كما أن باكستان ستجد نفسها مضطرةً للولوج في هذه القضية بشكل جاد، لثلاثة أسباب عرقية دينية وسياسية خاصة بها، وهذا سيضفي بعداً دولياً للقضية بالنظر إلى كون البلدين نوويين، لذلك، ينبغي البحث عن حل لقضية كشمير بناءً على أحد السيناريوهات التالية:
أكد اتفاق "سيملا"، الذي وقعه الطرفان في عام 1972، على ضرورة إجراء مفاوضات بين الجانبين لحل المشكلة.
السيناريو الأكثر احتمالاً لكشمير هو إجراء استفتاء أو قبول الاستقلال، هناك ثلاث خطط لاستقلال كشمير، هي:
1- عودة جامو وكشمير إلى وضع ما قبل عام 1947، وتحوُّلها إلى دولة مستقلة بموافقة باكستان والهند، التحدي في هذا السيناريو هو افتقار جامو وكشمير إلى بنية تحتية اقتصادية وسياسية قوية لتشكيل دولة مستقلة في الوقت الراهن.
2- إدارة ولايات جامو وكشمير من قبل هيئة دولية كدولة مستقلة. يتطلب هذا السيناريو حواراً وتفاوضاً طويلاً ومستمراً، ويجب على أعضاء مجلس الأمن التوصل إلى توافق في الآراء بشأن ذلك أيضاً.
3- إدارة جامو وكشمير من قبل كونفدرالية هندية باكستانية مشتركة، هذا الخيار أقل ترجيحاً بسبب انعدام الثقة بين البلدين وعدم وجود توافق في الآراء بين الدول الأخرى في المنطقة لتولي الكونفدرالية، بالإضافة إلى أن هذا الخيار يعدّ بالنسبة إلى الهند وناريندرا مودي تراجعاً عن الوضع السابق في كشمير.
4- مع ذلك، هناك سيناريو رابع أيضاً، ألا وهو تقسيم المنطقة المتنازع عليها بين الهند وباكستان وضم المناطق المقسمة إلى البلدين.
بالنظر إلى التكوين الديموغرافي لجامو، لداخ ووادي كشمير، التي تضم 67 و95 في المئة من المسلمين على التوالي، فإن هذا الخيار سيؤدي إلى ضم مقاطعتين إلى باكستان وربما مقاطعة واحدة إلى الهند، ويجب أن تتم هناك تحولات سكانية أيضاً بين الولايات الثلاث، الأمر الذي قد يسبب مشكلات اجتماعيةً جديدةً لذا فإن الخيار الأكثر منطقيةً حتى الآن للأمم المتحدة، هو إجراء استفتاء في المنطقة المتنازع عليها.