الوقت- لا يزال موضوع اللاجئين السوريين يشكّل نقطة التباس وحملاً ثقيلاً على الكثير من الدول التي استقبلت هؤلاء اللاجئين وعلى اللاجئين أنفسهم، وفي السنوات القليلة الماضية شهدنا حركة نزوح معاكسة للاجئين السوريين، أي من الدول التي نزحوا إليها إلى وطنهم سوريا.
عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم أصبحت خياراً لا مفرّ منه، خاصة وأن الظروف جميعها أصبحت مهيّأة لعودة هؤلاء اللاجئين، ومن أبرز الأسباب نذكر التالي:
أولاً: الحكومة السورية استطاعت أن تعيد سيطرتها على كامل البلاد تقريباً وما تبقى من الأراضي تعمل على تحريرها في الوقت الراهن، وجميع المناطق التي قامت بتحريرها يعمّ فيها الأمان، وهذا ما افتقده السوريون منذ بداية الأزمة السورية، فعلى سبيل المثال ومنذ تحرير أطراف العاصمة "دمشق" من يد الإرهابيين، أصبح الأمان يعمّ أرجاء العاصمة ولم نعد نسمع بأي انتهاك داخل العاصمة أو خارجها أو محاولة من قبل الجماعات المسلحة للعودة إلى المناطق التي خرجت عن سيطرتها، وبالتالي أصبحت الكلمة الأولى والأخيرة بيد الدولة السورية، هذه الدولة التي لا تزال مؤسساتها قائمة، المدنية منها والعسكرية، لذلك بدأ المواطنون الفارون من الإرهاب والجماعات المسلحة يفكرون جدياً بالعودة إلى البلاد بعد أن تم تطهير أغلب مناطقها من الجماعات الإرهابية المسلحة.
وهؤلاء النازحون أو اللاجئون تواصلوا مع أقربائهم وتأكدوا من خلالهم بأن الأوضاع تسير نحو الاستقرار وأن العودة أصبحت ضرورية، خاصة بعد التجربة المريرة لهؤلاء في مخيمات اللجوء.
ثانياً: هناك ضغوط كبيرة يتعرّض لها اللاجئون السوريون في كل من لبنان والأردن وتركيا، تتمثل هذه الضغوط في ضعف الإمكانات المقدمة لهم، وخاصة في فصل الشتاء، وشعور هؤلاء اللاجئين بالخيبة من العيش خارج حدود بلاده، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها هذه الدول الثلاث، وخروج فئات داخل حكومات هذه الدول الثلاث تدّعي بأن الضغوط الاقتصادية التي يتعرّضون لها سببها اللاجئون.
على سبيل المثال في تركيا، بدأ اللاجئون السوريون يشعرون بالخطر في الفترة الأخيرة من أن تقوم السلطات التركية بترحيلهم، بالإضافة إلى تعرّضهم إلى مضايقات من قبل بعض الأتراك، والأمر الأهم وجود شائعات تفيد بأنه سيتم ترحيل كل اللاجئين إلى المنطقة الآمنة التي تعمل تركيا وأمريكا على إنشائها في شمال سوريا.
ولو صحت تفسيرات المراقبين بخصوص اتفاق أمريكي تركي لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، فستؤدي على الأرجح إلى تأجيج مخاوف اللاجئين السوريين في الجار الشمالي خلال الأيام المقبلة من احتمال ترحيلهم.
وبدأ التوتر يصيب العلاقة بين اللاجئين السوريين ومضيفيهم الأتراك بفعل حادث وقع في إسطنبول في أواخر يونيو الماضي، حين هاجم بعض من أبناء المدينة لاجئين سوريين وحطموا محالاً مملوكة لسوريين ردّاً على شائعة لا أصل لها بأن لاجئاً سورياً تعدّى على فتاة تركية.
من جانبها تشجعّ ألمانيا على عودة اللاجئين، غذ أورد موقع "شبيغل أونلاين" الألماني أن الحكومة تشجع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وتقوم بتمويل رحلاتهم إلى هناك، وذلك رغم تحذيرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من إعادتهم في الوقت الراهن.
ونقل الموقع عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين أن برلين مازالت مستمرة في تمويل رحلات عودة اللاجئين السوريين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلادهم، ليبلغ عدد الذين تم تمويلهم خلال فترة العامين ونصف العام الماضية 792 حالة من مجموع السوريين بألمانيا البالغ 780 ألفاً.
وأوضح أن منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة لا تشجّع أبداً السوريين على العودة الطوعية بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في بلادهم، بل إنها وضعت عدة برامج وتدابير لإيوائهم.
وقال الموقع أيضاً إن أكثر من 35 ألفاً من السوريين قرّروا خلال العام الحالي وحده العودة، كما بلغ مجموع العائدين في السنوات الثلاث الأخيرة 173 ألفاً، معظمهم كانوا قد فرّوا إلى تركيا أو لبنان، من إجمالي 5.6 ملايين على مستوى العالم.
وصرّحت متحدثة باسم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بأن عدد العائدين -الذين تم تمويل رحلات عودتهم الطوعية العام الماضي- بلغ أكثر من ضعف عددهم عام 2017.
وأضافت إن قرارات العودة الطوعية يتخذها أصحابها عادة نتيجة لتواصلهم مع أقاربهم في سوريا، دون أدنى تدخل أو تشجيع رسمي من قبل الأجهزة الحكومية الألمانية.
في لبنان وتركيا والأردن، البلدان التي تستضيف 5.2 ملايين لاجئ سوري، تقارب السلطات ملف اللاجئين بوصفه "عبئاً"، مع إتمام النزاع السوري عامه الثامن، من دون أي بوادر لحل سياسي قريب.
وتسبّبت الحرب السورية في تشريد ملايين السكان، وتستقبل تركيا العدد الأكبر منهم ويقدّر بـ بنحو 3.6 ملايين شخص.
ويستضيف لبنان، وفق السلطات، 1.5 مليون سوري، بينما تفيد الأمم المتحدة بوجود نحو مليون مسجلين لديها.
وتقول السلطات الأردنية إن هناك نحو 1.3 مليون سوري على أراضيها، بينما تفيد سجلات الأمم المتحدة بوجود أكثر من 661 ألفاً.
وفي آخر إحصائية لعودة اللاجئين، ذكر رئيس مركز المصالحة التابع للمعارضة السورية، أنه منذ شهر سبتمبر 2015، عاد حوالي مليون و300 ألف لاجئ داخل سوريا إلى منازلهم، وعاد 600 ألف لاجئ من خارج البلاد.
وقال رئيس المركز "الكس باكين" إن الجهود جارية لإيجاد حل مدني للنزاع الداخلي السوري ومساعدة الشعب السوري على العودة إلى حياة سلمية في البلاد.
في الحقيقة اكتشف السوريون على اختلاف انتماءاتهم أنه لا مناص من العودة إلى الوطن، وأن اللجوء والبقاء بهذه الطريقة خارج حدود البلاد أمر غير مجدٍ ومها طال لن يكون هو الحل، لأن الحل الوحيد هو العودة إلى الوطن والوطن فقط..