الوقت- تتّجه صفقة القرن لولادة ميّتة فلسطينياً، هي أيضاً كذلك لبنانياً وفي الكثير من أقطار العالمين العربي والإسلامي، لكنها للأسف لا تبدو كذلك خليجياً، وعلى وجه التحديد سعودياً، إماراتياً وبحرينياً.
لا شكّ أن هذه الصفقة لن تتمّ في حال رفضها الشعب الفلسطيني، وهو ما سيفعله، لكن نخشى أن يحاول البعض الاصطياد في الماء العكر لتمرير هذه الصفقة سواءً عبر زرع الفتنة بين الفصائل الفلسطينية الأمر الذي سيضعّف موقف هذا الشعب أمام ترامب وفريقه وأصحاب الباءات الثلاث: ابن سلمان، ابن زايد وبيبي (نتنياهو) من جهة، أم عبر محاولة نقل بوصلة العداء من الكيان الإسرائيلي إلى الشعب الإيراني من جهة أخرى.
سنتعرّض إلى الشق الأول مطوّلاً في ثنايا هذا المقال، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الشق الثاني لا يمكن المتاجرة به فلسطينياً، نعم قد ينفع بشكل محدود في الداخل السعودي، لاسيّما في ظل الآلة الإعلامية التي تروّج لهذا الأمر، حيث لا تنفك هذه الآلة الإعلامية عن الكذب المفرط، فقد بدا لي مضحكاً تداول البعض على وسائل التواصل، نقلاً عن قناة سعوديّة، فيديو تمّ تقطيعه وتركيبه للسيد نصرالله يدّعي صاحبه أن السيد نصرالله يعترف على العلن أنّه صديق للكيان الإسرائيلي، لا شكّ أنه أمر تافه لا يستحق الإشارة، لكنني أحببت أن أشير إليه للتأكيد على الهدف السعودي من نشر هذا الفيديو.
وأما بالنسبة للشق الفلسطيني، فهم أصحاب القضية الرئيسيين، وبالتالي إن كل المواقف العربية والإسلاميّة تابعة لموقفهم، وفي حال كان موقفهم قوياً فإن المواقف العربية والإسلامية ستعزّز من قوّة ومناعة هذا الموقف بأضعاف مضاعفة، وفي حال كان موقفهم ضعيفاً، فإن المواقف العربية لن تنفعهم كثيراً.
هناك استنفار فلسطيني غير مسبوق لمواجهة صفقة القرن ومن مختلف الفصائل، لم يقتصر هذا الاستنفار هذه المرّة على قطاع غزة بحسب، بل بدا الموقف الفلسطيني في رام الله رافضاً بامتياز لأي محاولة لتمرير صفقة القرن بدءاً من الشق الاقتصادي التمهيدي في البحرين، وصولاً إلى الشق السياسي الفعلي في واشنطن، فقد صدف موقف فلسطيني موحّد لفصائل "منظّمة التحرير الفلسطينية" و"تحالف القوى الفلسطينية"، برفض "صفقة القرن" الأمريكية - الصهيونية ومقاطعة "ورشة المنامة".
القيادة الفلسطينية سارعت إلى الحصول على الدعم من الجار اللبناني في إطار تعزيز موقفها السياسي، لاسيّما أن لبنان أكد عدم حضوره في ورشة البحرين، حيث زار عضو اللجنتين التنفيذية لـ«منظّمة التحرير الفلسطينية» والمركزية لحركة «فتح» المشرف العام على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، وقد قال الأحمد بعد اللقاء: نحن في مرحلة خطيرة بل هي أخطر ما واجهته الأمة العربية منذ عشرات السنين وهي ما يُسمّى بـ«صفقة القرن»، وتحت هذا الاسم العجيب الغريب السخيف تحتمي الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، مُتحالفة مع اليمين الإسرائيلي المتطرّف بقيادة نتنياهو، من أجل تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة «إسرائيل الكبرى».
وأضاف: «اليوم مصادفة هو يوم مشؤوم، وأمس كان آخر يوم في القتال البشع الذي جرى في غزة عام 2007 سمّاه البعض الحسم، وسمّاه البعض الانقلاب، وسمّاه البعض التمرد، ليس هذا هو الموضوع، اليوم ذكرى مرور 13 عاماً على الانقسام (الفلسطيني) والرئيس بري حضر كل لقاءاتنا - بل هو على تواصل دائم ومؤخراً قام بحركة نشطة منذ أكثر من شهر- وكانت إحدى النقاط التي ناقشناها أثناء لقائنا هو أنّه يجب إنهاء الانقسام ومَنْ يُرد أنْ يتصدّى لحلم «إسرائيل الكبرى» عليه أنْ ينهي الانقسام أولاً في الساحة الفلسطينية، ويضع حدّاً لمحاولة تقسيم أمتنا العربية.
وعلينا أن نُفشل «صفقة القرن» من جذورها، ليس فقط أن نخوض معارك ونرهق أنفسنا، ويلهونا عن مجابهتنا للاحتلال الإسرائيلي.
لم تقتصر التحرّكات الفلسطينية على الداخل، بل تشهد الأراضي الفلسطينية إضراباً عاماً، الثلاثاء، بدعوة من حركة فتح التي أصدرت بياناً بهذا الخصوص الليلة الماضية.
ويأتي الإضراب "رفضاً واستنكاراً" لورشة العمل الاقتصادية التي ستعقد في البحرين ودعت إليها أمريكا.
وقالت فتح في بيانها إنها تقف إلى جانب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "الذي يتحدّى ويتصدّى لمؤامرة العصر والمتمسّك بالثوابت الوطنية والمصالح العليا لشعبنا الفلسطيني".
وكانت السلطة الفلسطينية، التي قطعت اتصالاتها بالإدارة الأمريكية منذ اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل في نهاية 2017، أعلنت مقاطعتها للورشة.
ويأتي هذا البيان بعد أن نقلت وكالة وفا الفلسطينية عن الرئيس عباس تأكيده رفض المشاركة في ورشة المنامة الاقتصادية، وقال عباس خلال لقاء مع وفد من شبيبة فتح في مقره في رام الله، إن "القدس وفلسطين ليستا للبيع".
نعتقد أن ورشة البحرين التي يسعى ترامب لأن تكون بوابة اقتصادية لإحياء صفقة القرن، ستكون في الحقيقة مسماراً قوياً في نعش هذه الصفقة المشؤومة، قد تؤجّل هذه الورشة خسارة ترامب وأعوانه الإقليميين الصفقة، لكن كلمة السرّ في أي مواجهة مقبلة، مهما علا سقفها، هي الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وهذه الفصائل ستكون هي الرابح الأكبر إلى جانب الشعب الفلسطيني.