الوقت- في أمريكا أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر تجاه موضوع معين داخل الإدارة الأمريكية، يعدّ أمراً طبيعياً، ولكن في الإدارة الأمريكية السابقة ومع وجود هذه التفاصيل إلا أننا كنا نسمع في نهاية المطاف قراراً واحداً، وصوتاً واحداً تجاه قضية معينة، خاصة في استراتيجية الحكومة للسياسة الخارجية.
لكن الآن في حكومة دونالد ترامب، يبدو أن كل مسؤول داخل هذه الإدارة له رأيه الخاص وقراره المنفرد عن بقية الإدارة، ومغاير لرأي الرئيس الأمريكي نفسه، ومن غير الواضح إن كان الأمر على هذا النحو، أم إنه لم يتم تنسيق تصريحات مسؤولي الحكومة الأمريكية قبل الإدلاء بها، لأنه لا يوجد توافق في الآراء بشأن قضية واحدة.
على سبيل المثال، إذا راقبت تصريحات المسؤولين الأمريكيين من الرئيس إلى وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، ستجد اختلافاً واضحاً في التصريحات، حيث لا يوجد منهج متماسك فيما بينهم.
يتحدّث مايك بومبيو عن 12 شرطاً للتفاوض مع إيران، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في اليابان مؤخراً أنه يريد فقط ألّا تمتلك إيران أسلحة نووية وكان بولتون في صفه.
لكن النقطة هنا هي أن التقارير تظهر أن نهج بولتون وترامب في السياسة الخارجية ليس قريباً من بعضهما البعض، ويبدو أن دونالد ترامب أصبح منشغلاً بشكل شخصي بخلاف وجهات النظر والاستراتيجية والرؤى مع مستشاره جون بولتون، وقد تحدّثت عن هذا الخلاف يوم أمس صحيفة نيويورك تايمز، وتحدث تقرير الصحيفة الأمريكية عن أن دونالد ترامب اشتكى مؤخراً من جون بولتون، ويتساءل ترامب فيما إذا كان بولتون يدفعه باتجاه لا يناسب سياساته الخارجية، خصوصاً مع زيادة التوتر مع إيران وطرح العديد من المراقبين أسئلة تتعلق بمستقبل الحرب والسلام في المنطقة.
وظهر الخلاف بين الاثنين بشكل واضح خلال الزيارة التي قام بها ترامب لليابان، والتي استمرت لمدة أربعة أيام وانتهت يوم الثلاثاء، حيث عارض ترامب بولتون في إيران وكوريا الشمالية.
وقال ترامب، إن موقفه عكس موقف بولتون، فهو لا يرغب بتغيير النظام في إيران، وعارضه أيضاً فيما يخص كوريا الشمالية، معتبراً التجارب الصاروخية الأخيرة لا تشكّل انتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة.
ومن الممكن أن تكون تصريحات ترامب الأخيرة، تندرج ضمن التوازن الذي يسعى لإضفائه على سياسته الخارجية، إلا أنها ما زالت تطرح العديد من الأسئلة حول علاقته ببولتون، الذي يحسب على الصقور المتشددين في البيت الأبيض.
ولكن هناك الآن تشويش خطير فيما يخص ملفات أمريكا المختلفة في آسيا والشرق الأوسط وحتى أمريكا اللاتينية، ومن غير الواضح ما إذا كان جون بولتون هو من يدير هذه الملفات كما كان في السابق، أو ما إذا كان ترامب يتابعها شخصياً.
هناك الآن فجوة بين ترامب وبولتون، وليس من الواضح حتى الآن من يمكنه سدّ هذه الفجوة، وكيف؟، ومتى؟، خاصة وأن الأحداث تتطور بشكل متسارع، وهذا الخلاف داخل الإدارة الأمريكية من شأنه أن يوصل المنطقة إلى شفا حرب قد تندلع في أي لحظة ما لم تتم مدارة الأمور، وحسم القرار الأمريكي تجاه أزمات الشرق الأوسط، وما يعزّز كلامنا أن مصادر خاصة من داخل الإدارة الأمريكية تقول بأن الخلاف بين ترامب وبولتون كبير جداً، وأن بولتون خيّب أمل ترامب في قضايا كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا.
جون بولتون هو مستشار الأمن القومي الثالث لترامب، وعندما تم انتخابه مستشاراً للأمن القومي، عارض البعض قدومه ووافق قسم آخر على وجوده، المعارضة كانت لديها أصوات أكثر، لكن ترامب كان مهتماً به.
لقد شارك بولتون في أسوأ القرارات الأمريكية على مرّ السنين. كان من المؤيدين للغزو الأمريكي للعراق إذا لم نقل بأنه هو من قام بهندسة هذا الغزو، فضلاً عن كونه ينتقد باستمرار المنظمات الدولية ومعاهدات الحدّ من انتشار الأسلحة، وبعد أن ترك إدارة بوش، انتقد بشدة أسلوب الأخير الناعم في المفاوضات مع كوريا الشمالية.
الخلاف حالياً يكمن بأن ترامب يبحث عن تجنّب الحرب، بينما يصّر عليها بولتون ويدفع باتجاهها، وكان ترامب قال للصحافيين في الأسبوع الماضي إن إيران لديها "إمكانيات كبيرة" وإنه مهتم بعقد اتفاق معها، ووفق زملائي في "واشنطن بوست"، فإنه وبّخ "بولتون"، الذي يعدّ من عتاة "الصقور"، وقال لمساعدين: "لو كان الأمر عائداً لهذا الرجل، لكنّا في حرب في كل مكان".
لكن يبدو أن الاختلافات تتزايد، حيث اعترض ترامب على إرسال 120 ألف جندي جديد إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، ما يشير إلى زيادة التهديدات ضد إيران ، لكن ترامب عارضها.
كما أن ترامب يعارض نهج بولتون العدائي تجاه كوريا الشمالية. في فنزويلا، وقد فشلت خطط بولتون أيضاً على أرض الواقع.
كما ارتفعت التكهّنات حول الاختلافات بين بولتون وترامب عندما لم يحضر بولتون مستشار الأمن القومي العشاء الذي عقده مسؤولون حكوميون ودبلوماسيون أجانب، ولايزال السبب مجهولاً حتى اللحظة.
لكن بعض الرحلات المفاجئة التي قام بها بولتون إلى الإمارات هي علامة على أن بولتون أراد أن يعلن بأنه لا يزال على اتصال بالرئيس حتى لا يقلق الحلفاء.
الخلاف كبير بين بولتون وترامب ولا نعلم إن كانت خبرة بولتون ستنتصر في معركته مع ترامب أم سيتمكن الأخير من كبح جماح بولتون ويبعده عن الواجهة السياسية، كل هذا مرهون بالأيام القليلة القادمة.