الوقت- على وقع المتغيّرات الإقليمية أبصرت الحكومة اللبنانية النور بعد تعثّر دام لعدّة أشهر، كان فيه لبنان واللبنانيون هم الخاسر الأكبر.
لكن هذا التعثّر شكّل، كما تشير أدبيات السياسة اللبنانية اليومية، حافزاً نحو النهوض بلبنان الذي يعيش واقعاً اقتصادياً مريراً في ظل الفساد الذي يعتري الدولة اللبنانية، ورغم اختلاف اللبنانيين على الكثير من التفاصيل السياسيّة، لكنّ هناك إجماع شعبي تام على ثلاث قضايا رئيسية: الفساد الاقتصادي والوضع المعيشي، السلم الأهلي، والعدو الإسرائيلي.
لا يختلف اثنان على ضرورة ردع العدو الإسرائيلي وحماية لبنان، وهذا ما ظهر في البيان الوزاري الجديد الذي بقي على صيغة المعادلة الذهبية (الجيش والشعب والمقاومة)، ولعلّ وجود الرئيس اللبناني ميشال عون على رأس السلطة من ناحية، وإصرار حزب الله وحلفائه على المعادلة بالصيغة الحاليّة سرّع من صدور البيان الوزاري، بدل أن يبقى لأشهر كما في السابق.
في الحقيقة، يعدّ هذا الأمر نكسة جديدة للمشروع الأمريكي تجاه المنطقة، وتحديداً صفقة القرن، في ظلّ التوجّه الأمريكي لسحب الغطاء الشرعي عن المقاومة، رغم أن هذا الحق، وقبل أن يكون واجباً وطنياً، فهو مكفول لجميع شعوب العالم كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة.
الحكومة الجديدة أزعجت الجانب الأمريكي الذي لوّح بالعقوبات، كما حاول نتنياهو إظهار الحكومة على أنّها حكومة حزب الله، وهو ما نفاه السيد نصرالله في خطابه الأخير، ولاسيّما أن وزارات الحزب اقتصرت على الصحة، والرياضة ووزارة دولة.
لكن الاتهام الأمريكي هذا، ومن خلفه الإسرائيلي، لا يرتبط بوزارة هنا أو مؤسسة هناك، بل بالصيغة التي نجح الحزب الذي يقرأ جيداً، وفق تعبير السيد نصرالله في إحدى خطاباته، في تكريسها على الساحة اللبنانية، أي صيغة الوفاق الوطني الذي حال دون إقحام الداخل اللبناني في أتون فتنة مذهبية أو حرب أهلية تجعل الكثير من اللبنانيين يقدّمون أوراق اعتمادهم لأطراف أجنبيّة، كما حصل في العام 1975.
هناك أولوية لدى واشنطن تتمثل في إبعاد حزب الله عن خيار المقاومة، وبالتالي هناك نية لإشغاله في الداخل اللبناني في صورة تتشابه نوعاً ما مع ما قام به الأمريكي في سوريا عبر دعمه للجماعات الإرهابية، لكن وعي الحزب وبعض الأطراف اللبنانية حال دون تحقيق الأهداف الأمريكية، بل على العكس شكّلت هذه التهديدات حافزاً أساسياً لحزب الله والتيار الوطني الحرّ والعديد من الأطراف اللبنانية نحو صياغة معادلات على شاكلة معادلة 6 شباط التي نعيش اليوم في ذكراها.
في الحقيقة، نجح حزب الله المنتصر إقليمياً، وبالتعاون مع العديد من الحلفاء، في تحقيق إنجازات كبرى عزّزت من السلم الأهلي كالتفاهم الذي حصل مع التيار الوطني الحر، وبات "سنّة حسنة" استنسخها العديد من حلفاء وخصوم الحزب أو التيار في الداخل اللبناني، كما أنّه حقّق إنجازاً نوعياً آخر في المواجهة القائمة مع العدوّ الإسرائيلي الذي بات يحسب ألف حساب وحساب قبل أيّ خطوة متسرّعة تجاه لبنان، كما كانت العادة تجري سابقاً.
يبقى التهديد الاقتصادي القائم على ثلاث أضلاع، الأول أمني والثاني معيشي والثالث يرتبط بمكافحة الفساد، في الشقّ الأمني، يعزّز البيان الوزاري الجديد من مناعة لبنان أمام أي تهديد، فالخلافة الداعشية وتهديدات الإرهابيين على الجبهة الشرقية باتت صفحة من الماضي بعد عمليتي فجر الجرود، وإن عدتم عدنا، وأما الجبهة الجنوبية فالجيش ومن خلفه الشعب والمقاومة على استعداد تام لمواجهة أي اعتداء.
المعادلة الذهبية تسري أيضاً على معادلة النفط في المتوسط، وهو بريق الأمل الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر، ولاسيّما أن الأطماع الإسرائيلية واضحة كالشمس في كبد السماء.
وأما الوضع المعيشي فقد أراد حزب الله من وزارة الصحّة مختبراً حقيقة الوفاء بالوعود التي صاغها لجمهوره وكل اللبنانيين إبان الانتخابات النيابية الأخيرة، الساعة الأولى كانت مبشّرة، فقد سارع الوزير السابق وقبل ساعة من انتهاء دورته على تخفيض السعر بنسبة فاقت الـ50 بالمئة، وهي الخطوة الذي قرأها الجميع على أنها خطوة سياسيّة بامتياز تسعى لتفويت الفرصة على الحزب بتقديم انتصارات معيشية، ولاسيّما بعد خطاب السيد نصرالله الأخير الذي أكد فيه أنها ستكون وزارة لكل اللبنانيين ومن غير المقبول أن يموت الناس على أبواب المستشفيات أو بسبب غلاء أسعار الدواء.
لا شكّ أن الوزير جبق الذي أكّد لكل اللبنانيين سيسير قدماً بملف الدواء، وهناك اتجاه واضح لإحياء المختبر المركزي للدواء، والعديد في القضايا المماثلة التي تهم اللبنانيين.
وأما ملف مكافحة الفساد الذي يؤكد عليه السيد نصرالله في كل خطاباته الداخلية، فهو الملف الأكثر تعقيداً أمام اللبنانيين بشكل عام، وحزب الله على وجه الخصوص، ولاسيّما في ظل عدم امتلاك الحزب خبرات واسعة في هذا المجال، كونه الحزب الأحدث تقريباً على الساحة الحكومية إذا ما تمّت مقارنته مع الأحزاب الكبرى من ناحية، وسعي واشنطن لإفشاله في هذا الملف وإضعافه شعبياً عبر هذه الورقة.
ولكن رغم ذلك، هناك أمل كبير في معالجة هذا الملف، لاسيّما أن الحزب يتّجه للتعاون مع الجميع في مكافحة الفساد، الخصوم قبل الحلفاء باعتبار أن مصلحة اللبنانيين خطّ أحمر في استنساخ لتجربة المقاومة ولكن على الطريقة السياسية - الاقتصاديّة.
لم تكن مقاومة حزب الله للكيان الإسرائيلي دفاعاً عن فئة لبنانية دون أخرى، وهذا سرّ نجاحها، وهذا ما أراده الحزب من اتفاق 6 شباط 2006، وهذا ما يريده اليوم على الصعيد الاقتصادي، وتحديداً مكافحة الفساد، الأمر الذي يعزّز من أمل الشباب اللبناني في ربوع الوطن.