الوقت- تبذل فرنسا في الآونة الأخيرة قصارى جهدها لإستعادة دورها الفعّال في منطقة الشرق الأوسط، حيث تحاول العودة بقوّة إلى المنطقة سواءً عبر الصفقات العسكرية التي أبرمتها مع العديد من دول المنطقة، أو الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران، أو حتى الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بيروت في الأشهر المقبلة.
ركز الفرنسيون على الدخول مجدداً إلى المنطقة عبر الرئاسة اللبنانية كونها تختص بالطائفة المسيحية (الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط) التي كانت فرنسا بمثابة "الأب الحنون" لها من ناحية، وكذلك لأنها تجمع فرقاء عدّة تنتمي إلى محاور مختلفة من ناحية أخرى. وهذا ما يظهر جلياً من خلال التصريحات التي سبقت زيارة فابيوس إلى طهران، فقد أوضح وزير الخارجية الفرنسي في وقت سابق قبيل الزيارة خلال لقائه وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق أنه سيطرح الملف اللبناني مجددا في طهران، كما وعد بـ "متابعة هذا الموضوع خلال زيارته المرتقبة لايران مع المسؤولين الايرانيين".
فرنسياً أيضاً، أكد مصدر مطلع، أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كلف وزير خارجيته لوران فابيوس، بالبحث مع السلطات الإيرانية في الملف الرئاسي اللبناني وجهود إنهاء الشغور في الرئاسة. كما أن الفراغ الرئاسي كان موضوع بحث خلال استقبال هولاند، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط ونجله تيمور في قصر الإليزيه.
كذلك أوفدت الخارجية الفرنسية مدير دائرة الشرق الاوسط وافريقيا جان فرنسوا جيرو في زيارات متعددة الى طهران، علها تساعد في حل ازمة الرئاسة في لبنان، لكن الجواب الايراني كان دائماً، ان مفتاح الحل في لبنان، فهل سيتغير الوضع في لبنان بعد زيارة فابيوس إلى طهران؟
فابيوس في طهران
لا شك في أن زيارة فابيوس الإستراتيجية إلى طهران، كونها الأولى بعد حوالي 13 سنة من القطيعة بين البلدين حيث أن الزيارة الأخيرة لوزير خارجية فرنسا تعود إلى تشرين الأول عام 2003 عندما حضر دومينيك دو فيليبان ضمن وفد وزراء خارجية الترويكا الأوروبية، والأولى فرنسياً بعد الإتفاق النووي الموقع بين طهران والدول الست (5+1)، ستصب في صالح باريس من الناحيتين السياسية والإقتصادية لأنها تبحث عن إستثمارات شرق أوسطية بسبب الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها. اذاً إنها تريد قضم الحصة الأوروبية الأكبر من الكعكة الإيرانية، كما أنها تصب في صالح طهران من ناحية إنفتاحها على العالم بعد الإتفاق، ولكن هل سيحسم موضوع الرئاسة اللبنانية في طهران؟ هل تريد باريس الدخول في وساطة سعودية كونها باتت في الآونة الأخيرة أهم حليف للرياض؟ وما دقّة كلام هولاند عن أمله بتسهيل إيراني لملف الرئاسة اللبنانية؟
يكشف التعويل الفرنسي على ايران لحل الملف اللبناني دور طهران الفاعل في المنطقة، ولا شك في أن أي تعاون في هذا السياق سيكون مقدّمة طبيعية لتعاون مشابه في الأزمتين السورية واليمنية. إلا أن طهران لطالما أكّدت على أن مفتاح الحل في لبنان، مشجعة اللبنانيين على التوافق الداخلي. لذلك فإن هذا التعويل "المضخم" يأتي في سياق الضغط الفرنسي السعودي على الأطراف الداخلية اللبنانية(حزب الله والتيار الوطني الحر) للقبول بمرشح آخر، غير العماد ميشال عون، أي تريد فرنسا حالياً مطالبة طهران بالضغط على حلفائها في لبنان للرضوخ إلى الشروط الفرنسية السعودية، لكن جواب طهران وكما في السابق: نبارك أي إتفاق لبناني- لبناني على الموضوع الرئاسي، وملف الرئاسة شأن داخلي يتم حلّه بالتوافق بين المكونات اللبنانية.
تريد فرنسا حالياً الإستفادة من الأوضاع الإقليمية بعد الإتفاق النووي، للدخول إلى الساحة اللبنانية بشكل قوي وعبر البوابة الإيرانية، علّها تنجح في الزج بمرشحها في قصر بعبدا.
لا ننكر الدور الإقليمي، وربّما الدولي بعد توقيع الإتفاق النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن طهران رغم رفضها لتفجير الوضع الداخلي في لبنان، تؤكد أن الحل يجب أن ينبع من توافق لبناني- لبناني، لذلك فإن التعويل القائم على ايران لن يجدي نفعاً في ملف الرئاسة اللبنانية كونها ترفض فرض أي شروط على حلفائها سواءً في لبنان أو سوريا أو غيرها من الدول. اذاً، لم تنجح الأطراف اللبنانية بالتوصل إلى إتفاق يفضي إلى إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، فلن يأتي أي حل سحري من خارج الحدود، رغم إذعاننا بأن الدور الخارجي عموماً والإيراني على وجه الخصوص سيسهل حدوث الإتفاق، ولكن ليس على حساب أي من حلفاء طهران.