الوقت- مسألة تشكيل حكومة في لبنان تحوّلت إلى خلاف عقيم نسبياً بين الأطراف المتنازعة على الحقائب الوزارية وبدأ كل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية فشل تشكيل هذه الحكومة ما أدّى إلى احتجاجات من قبل المواطنين مطالبين المسؤولين بالإسراع بتشكيل الحكومة لما لهذا الأمر من تبعات سلبية على الاقتصاد ومعيشة المواطنين ومستقبل البلاد المجهول.
في الواقع بعد الانتخابات البرلمانية في 6 مايو 2018 " التي كان من المقرر إجراؤها في عام 2014، وتأخرت بسبب الخلافات حول انتخاب الرئيس بين الأحزاب السياسية"، لقد نشأ الأمل بين اللبنانيين الذين كانوا يأملون بعد سنتين من الصراع ، تشكيل حكومة وتحقيق الاستقرار وحل المشكلات، ولكن هذا الأمل بدأ يتضاءل مع عدم وصول الأطراف المتنازعة في لبنان إلى صيغة توافق مشتركة لتشكيل الحكومة وإعادة هذا الأمل للبنانيين.
الاقتصاد اللبناني حالياً في حالة ركود، ولبنان هو ثالث أكثر بلد مديون في العالم، ومعدلات البطالة فيه عالية، والبنية التحتية فيه بحاجة إلى إعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه فإن الحكومة والمنظمات الدولية الحاضرة في اجتماع "سيدر" في فرنسا في أبريل 2018، والذي وعد بتقديم 11 مليار دولار كمساعدات للبنان بشرط تقديم تسهيلات لتشكيل الحكومة، وقد فاقم هذا الحدث الأوضاع بسبب ضغط الرأي العام على الجماعات التي كانت تمنع تشكيل الحكومة.
ومع ذلك، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تحديد نتائج الانتخابات، لا يوجد حتى الآن اتفاق بين الأحزاب السياسية الموجودة في البرلمان لتشكيل الحكومة، وسُمي سعد الحريري في 25/5/2018 من قبل الرئيس اللبناني ميشال عون كرئيس للوزراء لتشكيل الحكومة بعد حصوله على دعم لأغلبية أعضاء البرلمان الجدد في لبنان، لكن المهمة لم تنجز بسبب الخلافات بين المجموعات اللبنانية حول حصة المقاعد الوزارية، وقد أدّى استمرار هذه الخلافات إلى تهديد ميشال عون بتشكيل حكومة أغلبية، وفي الأسبوع نفسه شدد الحريري في تصريحاته على تشكيل الحكومة اللبنانية خلال الأيام العشرة القادمة.
نظام التمثيل النسبي
يمكن أن يعزى جزء من أسباب تأخير تشكيل الحكومة في لبنان إلى تغيير النظام الانتخابي في هذا البلد إلى نظام التمثيل النسبي الذي وافق عليه البرلمان في 14 يونيو 2017، وعلى أساسه تم تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية إلى جانب إقرار الصوت التفضيلي على أساس القضاء (الدائرة الإدارية)، واستخدام البطاقة الممغنطة، وبينما اعتبر مؤيدو القانون أنه "نقلة مهمة في مسيرة الحياة السياسية"، اعتبر منتقدوه أنه أفرغ النسبية من مضمونها لأنه جاء ثمرة لتوافق زعماء الطوائف عليه عبر إعادة توزيع الدوائر الانتخابية بما يحفظ التوازن القائم بينهم وبقاءهم في صدارة المشهد السياسي.
في الواقع، كلما ازداد عدد الأحزاب بالوصول إلى البرلمان، انخفضت فرص الاستيلاء على أغلبية المقاعد البرلمانية من قبل حزب واحد فقط، والطريق الوحيد المتبقي لتشكيل أغلبية تحالف من الأحزاب الكبيرة والصغيرة.
هذا الأمر أعطى مساحة أكبر للأحزاب الصغيرة لتفعيل دورها ومكّنها من المساومة فيما يخص تشكيل الحكومة وبالتالي أصبحت بشكل أو بآخر جزءاً من عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان، على سبيل المثال "حزب القوات اللبنانية" الذي يقوده سمير جعجع رفض الحصول على أربع مقاعد وزارية منها نائب رئيس الوزراء ووزارات التربية والتعليم والثقافة والشؤون الاجتماعية، وطلب المزيد من الحقائب الوزارية، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب "المردة" بزعامة سليمان فرنجية الذي طالب بالحصول على حقيبة وزارة العمل والرعاية الاجتماعية لكن هذا الطلب لاقى رفضاً من قبل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر.
في الواقع، فإن الأزمة الحالية تدور حول التنافس بين الحزبين المسيحيين الرئيسيين – التيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون من 8 آذار والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع من 14 آذار ولكن هناك خلافات أخرى أيضاً، بين زعيم المعارضة وليد جنبلاط ، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وطلال أرسلان، زعيم الحزب الديمقراطي، الذي هو أيضاً درزي ولكن بخلاف جنبلاط اتحد مع 8 آذار.
آمال تلوح بالأفق
على الرغم من استمرار الخلافات والثغرات في الأيام الأخيرة، فقد تم سماع العديد من الأخبار حول إمكانية التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري الذي يزور لبنان، أمِل وزير الخارجية جبران باسيل أن يكون لدى لبنان حكومة قريباً، ورداً على سؤال بشأن الملف الحكومي، قال باسيل إن "عدالة التمثيل تتحقّق، والقواعد والمعايير التي تجمع تتحقّق، وهذا ما يسمح للحكومة بقرار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن تتشكّل ونتمكن من اليوم أن نقول مبروك".
عملياً، لم يعد لسمير جعجع من يسانده في مفاوضات تأليف الحكومة، هذه هي النتيجة السياسية الرئيسية لعجلة التأليف التي انطلقت بجدية، فوليد جنبلاط حلّ "العقدة الدرزية" في بعبدا، وسعد الحريري تخلى عن شروط معراب لمصلحة فرض تشكيلة حكومية ليس فيها ثوابت جعجع، لا بعدد المقاعد الوزارية، ولا بـ"وزن" الحقائب.
ونختم مع كلام رئيس مجلس النواب للصحفيين في جنيف، حيث أكد أمام الصحافيين على هامش اللقاءات التي عقدها، أن "الأخبار الواردة من لبنان تظهر تقدّماً، وأن الجوّ لا يزال إيجابياً"، معلقاّ بالقول: "إن شاء الله خير".