الوقت- يمكن إعتبار النزاع الداخلي في إقليم كردستان نموذجاً للصراعات التي تمخضت نتيجة الحلم بالإنفصال. فالمنطقة الكردية التي جمعها حلم إيجاد دولةٍ مستقلة، عادت الى خلافات الماضي، لا سيما بين الأطراف التي تريد زيادة سلطتها على الإقليم وتعارض سياسات البارزاني. وقد يقول البعض إن هذه الأطراف مُتَّفقة على تحقيق الإنفصال، فيما يبدو أنها لم تعد تقبل منطق إستغلال البارزاني لذلك للبقاء في الحكم. وهو ما تعكسه التصريحات والحركة الحاصلة. فماذا في آخر تطورات الإقليم الكردستاني وكيف يمكن وصف الواقع الراهن؟ وما هي دلالاته؟
أولاً: حول الوضع الراهن للإقليم:
في كلمةٍ له الأسبوع الماضي، قال البارزاني عن الجدل الدائر حول رئاسته "اليوم تمر كردستان بمرحلة استثنائية ومهمة … نحتاج إلى توحيد صفوفنا الآن أكثر من أي وقت مضى". ولعل هذا الكلام يأتي تفسيراً لما قام به البارزاني في واشنطن خلال زيارته الأخيرة. فقد اضطر رئيس الإقليم الكردستاني مسعود البارزاني خلال زيارته الأخيرة لأمريكا، لطلب دعم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمساعدته في تثبيت سلطته، خاصة بعد دعوة عددٍ من الأطراف إلى تقسيم الإقليم لإقليمين. وهو الأمر الذي يهدف لإبقاء إقليمٍ تحت سيطرة البارزاني ويكون مقره أربيل، والثاني في السليمانية ويكون تحت هيمنة الإتحاد الوطني الذي يقوده جلال الطالباني. فالعديد من الفصائل الوازنة سياسياً في الإقليم، لن توافق على مد ولاية الرئيس مسعود البارزاني لتجنب فراغ في السلطة فقط، بل تطالب بإجراء إصلاحٍ كاملٍ للنظام سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من صلاحيات الرئيس الحالي.
وهنا لا بد من الإشارة الى أن البارزاني يترأس حكم المنطقة الكردية، منذ عام 2005 أي حين إنشاء النظام الرئاسي.
ثانياً: كيف يمكن تحليل الوضع القائم؟
قد يزداد المشهد العراقي سخونةً وتعقيداً بين محاربة الإرهاب المتمثل بداعش، وحلِّ الخلافات الداخلية التي تعصف بالبلاد نتيجةً لسياسات الأطراف الداخلية التي راهنت على الخارج. وهنا يأتي الحديث عن رئيس إقليم كردستان، لنقول التالي:
- لم تكن سياسة البارزاني تجاه العراق، سياسةً تدل على أفقٍ إستراتيجيٍ يمكن أن يخدم وحدة العراق وشعبه. بل كان دائماً ينطلق في تحديد إستراتيجية الإقليم بحسب مصالح الأكراد كما يراها هو. ولذلك يتضح اليوم أن حجم الخلافات الكردية الداخلية كبيرة جداً.
- وقد يقول البعض إن محاربة الإرهاب المتمثل بداعش جمع أكراد العراق، لكن ذلك كان لأسبابٍ ظرفيةٍ أجبرت العراقيين بأسرهم على التوحد. وهنا لا نقول إن الأطراف العراقية لم تتوحد عن قناعة، وإنما لم تكن وحدتها نتيجة ميثاقٍ أو إتفاقٍ وطنيٍ يحل الخلافات الداخلية، بل جاء نتيجة وضعٍ قسري.
- وهو الأمر الذي يبدو أنه اليوم يعود ليُظهر الى الواجهة ذكريات الحرب الأهلية الكردية بالتحديد، والسعي لتولي السلطة. وتعود الخلافات إلى سنين سابقة بلغت ذروتها حين اندلعت الحرب الأهلية بين الأكراد في التسعينات من القرن الماضي، وحصلت بالتحديد بين حزب الإتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. لكن إحتلال أمريكا للعراق والإطاحة بالنظام السابق، انتهى بتعاون الحزبين في إدارة المنطقة الكردية، عبر توزيع الحصص واقتسام المناصب الحكومية والإستفادة من وحدة الأصوات لتحصيل المطالب في البرلمان.
- أما اليوم فالأمور لم تعد كما سبق. فالصعوبات الإقتصادية تعود على العراق بأسره بأزماتٍ لا يمكن حلُّها في المستقبل القريب. الى جانب أن الوضع الدولي والإقليمي تغيَّر بطريقة لم تعد لصالح الأطراف التي راهنت على الخارج لا سيما الأمريكي، وبالتحديد الأكراد.
- فالظروف السابقة ساعدت الأكراد على المناداة بالإستقلال عن العراق، بحسب نظرهم. وهو الأمر الذي استغلته الأطراف في الإقليم، عند تزايد نفوذهم في الشمال. فالأطراف الكردية رأت من الفوضى في العراق فرصةً لتثبيت إنفصال الإقليم، وهو أكثر ما اعتمد عليه البارزاني في تحركه. مما جعلهم يراهنون على الطرف الأمريكي في أغلب الظروف. والذي قام بالمقابل بالإستفادة من الظروف العراقية هذه لتأمين سياسته التدخلية.
إن الحلم الكردي بتحقيق الدولة المستقلة ما يزال يراود الأطراف الكردية كافة. وهو ما يمكن القول إنه سبب الخلافات بينهم على كافة الأصعدة. فهم يعتبرون أن البارزاني ليس أهلاً لحكم الإقليم بعد اليوم وتأمين مسيرته نحو الإنفصال. كما أنهم لم يعودوا يقبلون التكافل مع حزبه مما يجعل الخلافات أعمق بين حزب الإتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني. ولذلك فإن هذه الإنقسامات تجعل المنطقة الكردية، عرضةً للتلاعب من قبل الأجندات الخارجية لا سيما الفرنسية والأمريكية والتي تسعى لإيجاد مدخلٍ لها نحو السياسة العراقية. وهنا يتوقع العديد من المحللين التوصل إلى حل قد يؤجل الأزمة، في حال حصلت الأحزاب الأخرى على حقوقها من الحزب الديمقراطي الكردستاني مقابل القبول بتمديد ولاية البارزاني لعامين آخرين. مما يعني أن الأمور ستذهب لمزيدٍ من التأزم والخلافات، لأن الدخول في صفقاتٍ تكون ظرفية الحلول، لن تحل المشكلة الجذرية الحاصلة، ولن تجعل الأطراف الكردية راضيةً عن الواقع السياسي. وهذا ما ستحدده الأيام المقبلة.