الوقت- شكّل وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض "فاتحة خير" للكيان الإسرائيلي عموماً، و"بيبي" على وجه الخصوص، وبالفعل، بدأ ترامب وصهره اليهودي كوشنير بتقديم خدمات كبرى لنتنياهو، بدأت من تهديد المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن نيكي هايلي بضرب كل من يهاجم "إسرائيل" بالحذاء، لتمرّ عبر قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولم تنتهِ عند استهداف المنظمات الدولية المعنية باللاجئين الفلسطينيين.
الحكومة الإسرائيلية رفعت درجة الاستفادة من حقبة ترامب إلى "القصوى"، عبر تعزيز عمليات الاستيطان، والعديد من الإجراءات العدائية ضد الشعب الفلسطيني كقانون القومية وغيرها الكثير من القوانين العنصرية، الحضور الأمريكي شكّله غياب واضح وكبير لدول الاتحاد الأوروبي في ظل غياب الدولية الرباعية التي كانت ترعى المفاوضات على الساحة، الغياب الأوروبي كان مطلباً إسرائيلياً بامتياز حيث طالبت الحكومة الإسرائيلية حينها بحصر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لتسحب واشنطن البساط من تحت الرباعية وتقود هي المفاوضات تلبية للدعوة الإسرائيلية، وذلك بعد أن ارتفعت الإجراءات الأوروبية ضد الانتهاكات الإسرائيلية لعدم التزامها مع "الرباعيّة" وتأكيد الأخيرة أن تل أبيب تعمد إلى تمرير الوقت وتزيد من عمليات الاستيطان غير آبهة بأي التزامات.
الغياب الأوروبي رفع الحرج الإسرائيلي في تبرير إجراءات الاستيطان، ودفع بالحكومة الإسرائيلية للمزيد من الإجراءات التعسفيّة، كل ذلك في ظل رعاية واشنطن التامّة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذه الاستماتة الأمريكية اليوم في الدفاع عن الكيان الإسرائيلي.
أسباب عدّة تتنوع ما بين داخلية وخارجية قد تفسّر الدعم الأمريكي غير المسبوق للكيان الإسرائيلي، أبرزها:
الأسباب الداخليّة:
ترامب: لا يمكن فصل شخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مسار الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي، فقد لعب صهره اليهودي كوشنير وابنته ايفانكا دوراً بارزاً في تعزيز الدعم من خلال مكتب إيفانكا في الجناح الغربي للبيت الأبيض، الكيان الإسرائيلي سعى لاقتناص هذه الفرصة بالكامل، وبالفعل نجح في الحصول على جملة من القرارات الكبرى كنقل السفارة، فضلاً عن وقف الدعم للمنظمات الدولية الداعمة للاجئين الفلسطينيين.
إدارة متطرفة: إضافةً إلى شخص ترامب، يلعب فريق الرئيس الأمريكي دوراً بارزاً في تعزيز هذا الدعم، وقاحة نيكي هايلي صاحبة الحذاء ذي الكعب العالي في مجلس الأمن، إضافةً إلى بولتون المتطرف عززت من السطوة الإسرائيلية المعالم على مراكز صنع القرار الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر شنّ مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون أمس الاثنين هجوماً عنيفاً على قضاة المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العامين، مهدداً إياهم بفرض عقوبات في حال لاحقوا أمريكيين أو إسرائيليين أو حلفاء آخرين لأمريكا، شاهد آخر يتمثّل في إعلان أمريكا مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية لديها، وذلك في الذكرى الخامسة والعشرين لاتفاق أوسلو، رغم أن ما حصده الإسرائيليون يفوق نص الاتفاق بعشرات المرّات!
إدارة هشّة: جانب آخر من جوانب الدعم قد لا يلتفت إليه البعض يتعلّق بالبنية الهشّة للإدارة الأمريكية القائمة، والتخبّط الحاصل بين الجمهوريين والديمقراطيين، الأمر الذي شكّل الأرضية المناسبة للوبي الصهيوني في واشنطن بغية تعزيز نهج الدعم اللامتناهي الذي يسير فيه ترامب، هناك العديد من التقارير الغربيةّ تؤكد استغلال أيادٍ خفيّة للخلافات القائمة في الإدارة الأمريكية وتجييرها لمصلحة "الحليف الإسرائيلي"، سواءً عبر تعيين أشخاص جدد من المتطرفين الداعمين لـ "إسرائيل" أمثال بولتون، أو عبر تعزيز العلاقات مع الطاقم المهدّد بما يخدم مصالح الإسرائيليين، هنا لم نذكر اللوبي كأحد الأسباب المستقلّة كونه حاضر في كل الإدارات الأمريكية، إلا أنه ينتهز البيئة الخصبة لتعزيز أوراقه.
أسباب خارجيّة
لا تقتصر أسباب الدعم على الشقّ الداخلي، بل هناك جملة من العوامل الخارجيّة عزّزت هذا الأمر:
تراجع واشنطن: لا يقتصر الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي على أسباب داخلية، بل تلعب عوامل خارجيّة دوراً لافتاً في تعزيز هذا الدعم، فشل المشروع الأمريكي في العام 2006 عبر شرق أوسط جديد، وكذلك فشل المشروع الآخر الذي بدأ في العام 2011 عبر بوابة ما يسمى بـ "الربيع العربي"، دفع بواشنطن للتمسّك بالورقة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى، "إسرائيل" هي العصا الأقوى المتبقّية في أيدي واشنطن إقليمياً لترويض حلفائها الآخرين ومواجهة أعدائها وهذا الأمر عزّز من أوراق الدعم الأمريكي لإسرائيل.
تهاوي الحلفاء: بنت الإدارة الأمريكية استراتيجيتها الشرق أوسطية على 4 قوى رئيسية إيران الشاه، تركيا، السعودية و "إسرائيل"، القوة الأولى التي تمثّلت في نظام الشاه سقطت عام 1979 مؤخراً، باتت العلاقة مع تركيا الأردوغانية متوتّرة جداً حيث لم يعد هناك إمكانية للتعويل عليها في تنفيذ أجندتها الإقليمية، وأما السعودية فأوضاعها الداخلية لا تشي بالخير بالنسبة لواشنطن في ظل ضعف ولي العهد في تحقيق أهدافه بقوّة في ظل الشوائب الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تنتظره، بقي الكيان الإسرائيل هو الأمل الأبرز في المنطقة، لذلك يبدو التمسكّ بالإسرائيلي أكبر من أيّ وقت مضى.
قوى المقاومة: شكّل محور المقاومة حجر عثرة أمام المشروع الأمريكي في العراق بعد العام 2003، ولاحقاً في سوريا والعراق واليمن ولبنان، تعزيز هذا المحور حضوره في المشهد الإقليمي يفرض على واشنطن اليوم اللجوء إلى الكيان الإسرائيلي للحدّ من التبعات الكارثية على مشروع أمريكا بشكل عام، وحليفها الإسرائيلي على وجه الخصوص.