الوقت- كما في أي دولة يسعى المرشحون للإنتخابات الى الحصول على الدعم السياسي والمالي. فتمويل الحملة الإنتخابية يُعتبر من الأولويات لضمان النجاح في الإنتخابات. وهو الأمر السائد بكثرة في الدول الغربية لا سيما أمريكا، والتي يبدو أنها تعيش حالةً من الصراع السياسي تحضيراً للإنتخابات الرئاسية. ولأن هيلاري كلينتون تُعتبر من المرشحين للفوز في أمريكا، تقوم بالترويج لرؤيتها السياسية محاولةً ضمان أصوات اليهود في الولايات المتحدة. وهنا تسعى لكسب المتمولين المحسوبين على اللوبي الصهيوني من خلال إطلاق الوعود بالعمل على محاربة التوجهات المتزايدة لمقاطعة الكيان الإسرائيلي، في أوروبا وأمريكا تحديداً. وهو الأمر الذي لا شك أنه سينعكس على الإنتخابات الامريكية. فماذا في تصريحات كلينتون الأخيرة؟ وكيف يمكن تحليلها؟
تصريحات كلينتون بحسب الفورين بوليسي:
نشرت مجلة "Foreign Policy" (فورين بوليسي الإلكترونية) في مقالٍ بتاريخ السادس من تموز عنوانه (Clinton Promises to Fight Sanctions Movement Targeting Israel )، تقريراً تناول رؤية هيلاري كلينتون المرشحة للإنتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي عبَّرت فيه عن وعدها بمحاربة الحملات الدولية الداعية لمقاطعة الكيان الإسرائيلي. وذكر تقرير المجلة أن الرسالة التي وجهتها كلينتون إلى الملياردير اليهودي حاييم سابان والتي كُتبت في 2 تموز وعنوانها: "هيلاري من أجل أمريكا"، وعدت المرشحة الديموقراطية من خلالها المتمولين اليهود والمحسوبين على اللوبي الصهيوني بمحاربة الحركة الدولية لمقاطعة الكيان الإسرائيلي. والمقصود هو بالتحديد حملة BDSوالتي بدأت تتصاعد وتيرتها ويزداد مؤيدوها في أوروبا وأمريكا .
وقالت كلينتون في رسالتها لسابان بحسب المجلة: "أعلم تماماً بأنك ستوافق على أننا نحتاج إلى أن نجعل مكافحة حركة BDS من الأولويات". ولم تخف كلينتون مخاوفها من مواقف حركة المقاطعة BDS حيال الكيان الإسرائيلي والتي شبهت فيها أفعال تل أبيب بنظام الفصل العنصري الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا .
وهنا لا بد من الإشارة الى أن حركة مقاطعة إسرائيل BDS تأسست في عام 2005 من قبل إئتلاف يجمع المنظمات الفلسطينية وأخرى عالمية. واستطاعت الحملة تحقيق نموٍ متسارعٍ لتتحول الى حركة دولية تقوم على مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية وتشجيع المستثمرين على سحب استثماراتهم من الكيان الإسرائيلي. وتهدف الحركة من خلال عملها الى تكثيف الضغوطات الإقتصادية على الكيان الإسرائيلي لعله يستجيب للمطالبات بإخلاء المستوطنات التي شيدتها تل أبيب في الأراضي الفلسطينية.
قراءة تحليلية:
من خلال التقرير يمكن إستخلاص العديد من المسائل والتي نذكلاها كالتالي:
- من الواضح أن كلينتون تسعى لطمأنة اليهود وبالتحديد الصهاينة في أمريكا، وهو ما يؤكد أنها قد تستغل حالة السخط القائمة بين الصهاينة وواشنطن جراء سياسات الرئيس أوباما. وهذا لا يعني أن سياسات أوباما لا تصب في صالح اللوبي الصهيوني، لكن كلينتون تسعى كمرشحةٍ للرئاسة لصنع ما يمكن تسميته "التميز في الترويج لحملتها"، فقامت بإستغلال ذلك لكسب رضا وتأييد الجمهور اليهودي في أمريكا الى جانب تأمين الدعم المالي لحملتها من خلال المتمولين الصهاينة.
- وهنا فيكون قد دخل على خط الحملات الإنتخابية في أمريكا موضوع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وهو الأمر الذي لا شك أنه سيكون مصدر قوة أو ضعف لأي مرشحٍ للإنتخابات الأمريكية، نتيجة أهمية المسألة سياسياً وعلاقتها بالأمن القومي الأمريكي. فالعلاقة مع تل أبيب من الأمور الإستراتيجية والتي لا يختلف عليها الأمريكيون بل قد يختلفون على سقفها وعلى كيفيتها.
- ومن خلال التحليل يتبَّن لنا أن الأمور أصبحت أصعب على المرشحين لكثرة العقد السياسية التي يعاني منها العالم لا سيما في الشأن الخارجي. فأمريكا اليوم تقف أمام تحدياتٍ كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بشأن نفوذها وسياستها الإستراتيجية. ومن خلال إستعراض المصالح الأمريكية، يتبين أن أمريكا تضع أمن الكيان الإسرائيلي الى جانب الإقتصاد العالمي في سلم أولوياتها. وهنا يأتي الربط الأساسي بين سعي كلينتون للتوفيق بين المصلحتين. فهي قامت بوضع محاربة العقوبات الإقتصادية على تل أبيب في سلم أولوياتها. في حين أنها حتى الآن لم تتعرض لرؤيتها تجاه السياسة الأمريكية التنفيذية في الشرق الأوسط تحديداً.
يبدو أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ستكون من المسائل الأساسية في أي حملةٍ إنتخابية لأي مرشحٍ للرئاسة الأمريكية. وهنا نقول أن ذلك سيحدد مصير الملفات الأخرى المرتبطة لا سيما بما يتعلق بمسألة التعاطي مع ملفات منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد دول محور المقاومة، الى جانب التعاطي مع إيران وبالخصوص بعد التوصل للإتفاق النووي. وهو ما يعني أن التسابق للرئاسة الأمريكية في هذه الإنتخابات سيكون سباقاً ساخناً، لأن المرشحين سيقفون أمام تحدياتٍ لا يمكن فيها إلا تحديد الأولويات، في ظل وضعٍ سياسيٍ عالمي لا يحتمل الغموض في التعاطي. والأيام المقبلة ستكون الحكم في مطلق الأحوال.