الوقت- إن مذبحة سربرنيتسا هي من المجازر التي دخلت التاريخ الحديث، لفظاعتها. إذ أنه لا توجد جرائم مماثلة تُعبِّر عن حجم التآمر الحاصل على المسلمين، لا سيما من قبل الدول الكبرى آنذاك كأمريكا وفرنسا وبريطانيا، والتي كانت تشاهد حدوث المجازر. الى جانب المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الأمم المتحدة، والتي حصلت المجزرة تحت مرآها. وعلى الرغم من كل ذلك، فلا يوجد من يحاسب أو يطالب بحقوق البوسنويين الذين راحوا ضحية هذا التآمر الواضح. فماذا في المجزرة؟ وكيف أدان المجتمع الدولي نفسه وبلسانه؟
مذبحة سربرنيتسا كما ذكرها التاريخ:
تشير العديد من المصادر ومنها موسوعة ويكيبيديا، أن مذبحة سربرنيتسا والمعروفة أيضاً بإسم الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، هي إبادة جماعية شهدتها البوسنة والهرسك في تموز 1995، والتي راح ضحيتها حوالي 8 آلاف شخص من المسلمين البوشناق في مدينة سربرنيتسا خلال حرب البوسنة والهرسك. فيما نزح عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين من المنطقة. وقد إرتكب المجزرة وحدات من الجيش الصربي تحت قيادة الجنرال راتكو ملاديتش تحت مرأى أمريكا والدول الأوروبية ودول حلف الأطلسي.
قصة سربرنيتسا
يقول إسنام تاليتش في كتابه "قصة سربرنيتسا - رواية عن الحرب على البوسنة"، إن الماضي العاصف لسربرنيتسا تلك البلدة الصغيرة ذات الطبيعة الجبلية الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من دولة البوسنة القديمة يمتد لألفي سنة قبل قيام الحضارة الغربية الحديثة. ورواية " قصة سربرنيتسا" للمؤلف تاليتش، عبارة عن "وثيقة" عن ذلك التاريخ وهي تركز بشكل خاص على أحداث الجزء الأخير من القرن العشرين في الفترة بين 1992 و 1995 عندما نفذ ذلك العدوان البربري المسلح ضد البوسنة ومسلمي البوسنة "البشناق" وهم من سكان أوروبا الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام منذ وصوله إليهم وليسوا جالية هاجرت إليه من بلاد إسلامية أخرى. وبحسب الراوي فقد بقيت سربرنيتسا التي كانت تخضع لحماية القوات الدولية خلال الحرب التي استمرت بين عامي 1992 و 1995 تقاوم وحدها وتدافع عن نفسها بجهد يفوق طاقة البشر لثلاث سنوات ونصف فقط لكي ينفذ المعتدي الصربي عدواناً جديداً في تموز من عام 1995 وينجز المذبحة التي راح ضحيتها 10.000 مسلم من الرجال والعجائز والنساء والأطفال بحسب الكاتب. وعند الأخذ بالحسبان أولئك الذين قتلوا منذ عام 1992 يصل عدد الأرواح التي أزهقت في جيب سربرنيتسا المسلم إلى 15.000 إنسان. وأغلب من بقي من الضحايا لم يتعاف إلى الآن. ويشير الكاتب الى أن كل ما جرى، كان تحت مرأى القوات الدولية.
الدور الأمريكي بأقلامٍ غربية:
يعتقد جورج بَمفري George Pumphrey، في مقالٍ كتبه عام 1998 تحت عنوان: "The Srebrenica Massacre: A Hoax"، أن الحكومة الأمريكية ممثلة بوزيرة خارجيتها، حاولت صرف إنتباه المجتمع الدولي عن مكان وقوع المجزرة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مسؤولية واشنطن. ففي إجتماعٍ مغلق لمجلس الأمن في آب 1995، وبعد شهرٍ من سقوط البلدة، قامت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها مادلين أولبريت بعرض صورٍ التقطت عبر الأقمار الصناعية، يظهر فيها مكان دفن آلاف المسلمين البوسنيين من المدنيين، الذين تم قتلهم من قبل القوات الصربية ودفنهم في منطقة زراعية قرب بلدة نوفا كاسابا Nova Kasaba على بعد 19 كم من سربرنيتسا. لكن وبعد التحقيق في الموضوع، تم العثور على 33 جثة فقط في المكان المذكور على لسان أولبريت. فيما وُجدت أكثر من 400 جثة في 20 موقع على أطراف بلدة سربرنيتسا. وهو الأمر الذي أدى لطرح العديد من التساؤلات حينها حول محاولة أمريكا صرف الإنتباه عن المكان الحقيقي للمجزرة.
الإدانات الدولية تاريخية، وتؤكد هول المجزرة وتحمل الدول الكبرى المسؤولية:
على الرغم من أن التعاطي الدولي لم يتخط مسألة الإدانة، فإن هذه الإدانات تؤكد في دلالاتها هول المجزرة. وهو ما لايعني أن الإدانات كافية، إلا أنها دليلٌ واضحٌ وبلسان الجهات الدولية، على هول المجزرة، مما يجعل الدول الكبرى والأمم المتحدة مثالاً واضحاً للتقصير والتآمر على الشعوب لا سيما المسلمين.
ففي عام 2004 أعلنت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة (ICTY) في لاهاي، حول ما سُمّي بقضية "كراديتش"، أن ما حصل في سربرنتسا هي عملية تطهير عرقي عن سابق إصرار وتصميم، وذلك وفقا للقوانين الدولية، بإعتبار توفر أدلة قطعية تدين القادة الذين خططوا للمجزرة.
وفي عام 2005، أشار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في حديثه خلال الإحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية، إلى أن اللوم يقع بالدرجة الأولى على أولئك الذين خططوا ونفذوا المذبحة والذين ساعدوهم، كما يقع أيضاً على الدول الكبرى والمجتمع الدولي لا سيما الأمم المتحدة. وقد أكد حينها عنان أن الدول الكبرى فشلت في إتخاذ إجراءات كافية، فيما ارتكبت الأمم المتحدة أخطاء جسيمة قبل وأثناء وقوع المجزرة بحسب تعبيره. وأضاف أن مأساة سربرنيتشا ستبقى نقطة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة إلى الأبد.
لا شك أن المجزرة وبرغم هولها، تشكل دليلاً إضافياً على حجم التآمر الغربي على المسلمين تحديداً. فكل الدلائل تشير الى تجاهل الدول الكبرى وبالتحديد أمريكا وفرنسا وبريطانيا لهذه المجزرة، الى جانب المنظمات الدولية. كما أن حصولها أمام أعين الأمم المتحدة وقواتها، يُشير وبوضوح، الى أن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية في حدوث المجزرة أيضاً.