الوقت- لقد شكّك خبراء الشؤون الاقتصادية في الإحصائيات التي تقدمها إدارة ترامب حول معدلات الفقر في أمريكا، متجاهلة آراء المحللين.
في هذا السياق نقلت مجلة "فورين باليسي" الأمريكية عن خبيرين اقتصاديين "ايمي مكينون" و"رابي غرامر" قولهما: إن حكومة ترامب سخرت من التقرير الذي صدر عن إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة والتي أشارت فيه إلى أن عدد الفقراء في أمريكا يبلغ 40 مليون شخص. وفي موقف عنيف غير مسبوق، أكدت الحكومة الأمريكية في أغسطس 2018 أن التقرير المشار إليه "عار عن الصحة ومثير للفتنة ولا يتسمّ بالمسؤولية".
وبحسب المجلة الأمريكية أيضاً، فقد وصف خبراء الشؤون الاقتصادية الذين استشارهم ترامب لإعداد التقرير الذي صدر عن إدارته في يونيو الماضي، وصوّر فيه مستقبلاً واعداً للوضع الاقتصادي في هذا البلد، وصف هؤلاء الخبراء التقرير الأممي هذا بأنه "غير دقيق".
في المقابل، جاءت تصريحات أحد أعضاء المجلس الاستشاري الاقتصادي للبيت الأبيض الذي أكد فيها بأن مسيرة التنمية والرخاء الاقتصادي التي بدأت قبل مجيء حكومة ترامب بفترة طويلة، من المحتمل أن تتوقف في غضون العامين القادمين.
من جانبه، استنكر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، السياسات الاقتصادية لحكومة ترامب، مؤكداً أنها تفضي إلى تفاقم اللامساواة في هذا البلد، كما شكّك بالمعلومات الصادرة عن "دائرة مسح السكان" الأمريكية بشأن الفقر في أمريكا.
هذا الأمر يزداد أهمية نظراً إلى الصراعات القديمة المتنامية بين مجلس حقوق الإنسان الدولي والإدارة الأمريكية، حيث وصفت الأخيرة هذه المنظمة الدولية بأنها تحمل نزعة عصبية تجاه "إسرائيل"، وبذلك يبدو أن التقرير الأخير الصادر عن مجلس الحقوق الدولي حول الفقر في أمريكا زاد الطين بلة فيما يخص النزاعات القائمة بين حكومة ترامب والأمم المتحدة.
وفي مقام الرد على التقرير الأممي بشأن الفقر في الداخل الأمريكي، ادعت حكومة ترامب أن "الاشخاص الذين يعانون من أزمة السكن في المجتمع تتاح لهم فرص عادلة من أجل الاستفادة من المساعدات الخاصة بالحصول على السكن ويتم دعمهم وفقاً لمدى حاجاتهم وقدراتهم".
يأتي ذلك فيما يؤكد أحد أعضاء اللجنة الاستشارية الاقتصادية الأمريكية أن هناك قائمة طويلة من الأشخاص الذين يقفون في طابور استلام الوثائق الخاصة بالحصول على مكان للسكن، إنني لست متأكداً من أن ذلك هو ذات السكن الذي يرغبون فيه".
بدورها، وفي سياق سياسات إدارة ترامب لتزوير الحقائق بشأن الفقر، عمدت وزارة الخارجية الأمريكية إلى تجاهل التقرير الصادر عن دائرة الإحصاء في هذا البلد، فيما استدلت بتقرير كان قد أعدّ بداية العام الحالي من قبل مؤسسة "هيريتيج" المحافظة.
وجاء في هذا التقرير إن "المواطنين الذين يعيشون ظروف الفقر المدقع في أمريكا يبلغ عددهم 250 ألف شخص فقط"، ما أثار شكوك العديد من خبراء الشؤون الاقتصادية في أمريكا.
وفي ذات السياق، تساءل الخبير الاقتصادي "ترودي رينفيك" عن صحة المصادر التي استند تقرير هيريتيج عليها، من أن "حجم الفقر في أمريكا شهد تراجعاً بنسبة بنسبة 77 بالمئة منذ العام 1980".
وفي تصريحات مماثلة اخرى صدرت عن الإدارة الأمريكية حول التقرير الأممي الخاص بوضع الفقر في أمريكا، سخرت كبيرة المستشارين لدى الخارجية الأمريكية "ماري استول" من تقرير الأمم المتحدة الذي يؤكد أن "أكثر نسبة من حرمان الأطفال تعود إلى الدول الثرية"، واصفة إياه بأنه "أكثر شبهاً بالدعاية".
وأضافت "استول" أن "تقرير الأمم المتحدة أسهم في قرار ترامب للانسحاب من مجلس حقوق الإنسان خلال شهر يونيو"، يأتي ذلك فيما صرّح مسؤولون أن انسحاب واشنطن كان بسبب "التمييز ضد إسرائيل".
وقال مصدر مطلع أن آراء استول هذه، أثارت امتعاض الكثيرين في الخارجية الأمريكية، لكن حكومة ترامب قررت رغم كل ذلك أن تعيّن الأخيرة في منصب كبيرة المستشارين في الخارجية، وهي تقوم حالياً بتقييم حسابات الدبلوماسيين داخل الفضاء الافتراضي لتحديد مدى تعهدهم للإدارة الأمريكية الحاكمة.
وفي موقف مماثل للسيدة استول، قال المندوب الأمريكي السابق لدى مجلس حقوق الإنسان الدولي "كيث هاربر" في معرض الرّد على التقرير الأممي بشأن وضع الفقر في المجتمع الأمريكي، قال: نحن ندعم هذه الإجراءات، ونقدّر التقارير الصادرة عن بعض الجهات التابعة للأمم المتحدة بشأن مختلف القضايا، لكننا نعارض تقرير المنظمة الأممية حول الفقراء والفقر في أمريكا".
وتابع قائلاً: إن استخدام هذا الأسلوب وهذي التصريحات متوقعة من جانب الصين وكوريا الشمالية ومصر أو البحرين (وليس الأمم المتحدة).
إن ردود أفعال إدارة ترامب على تقرير الأمم المتحدة الذي أكد وجود 40 مليون إنسان يعاني من الفقر في أمريكا، تضاف إلى سجل واشنطن الحافل بالتمويه على الحقائق فيما يخص المعضلات الإنسانية والتحديات الكبيرة التي تعصف بالمجتمع الأمريكي اليوم وذلك بشهادة العديد من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وعلى رأسها الأمم المتحدة التي تستحوذ عليها واشنطن.
كما تفسر هذه المحاولات من جانب الحكومة الأمريكية الحالية أسباب قرارات ترامب في الانسحاب من الاتفاقيات والتعهدات الدولية وعلى سبيل المثال لا الحصر اتفاقية باريس المناخية، ومجلس حقوق الإنسان الدوليين.
ويرى المراقبون للشأن الأمريكي أن إدارة ترامب تقيس الأمور وفق معاييرها الخاصة دون الاكتراث إلى القوانين والقرارات الدولية، وعليه سترفض كل ما يتعارض ومصالحها بما يشمل الحقائق التي تدلي بها منظمات دولية حول الوضع المجتمعي المزري في هذا البلد.