الوقت- لطالما بذلت السعودية قصارى جهدها لإضفاء صبغة إسلامية على كيانها منذ الدولة الاولى وحتّى يومنا هذا، لا بل اصطنع الملك فهد بن عبد العزيز لقب "خادم الحرمين الشريفين" في خطوة لإيجاد نقلة نحو الشرعنة الدينية لنظام عائلة آل سعود. وبالفعل نجحت الرياض من خلال إعلامها النفطي، والدعم المالي الذي تقدّمه للعديد من الأطراف السياسية في مختلف دول المنطقة، كما كشفت وثائق ويكيليكس الاخيرة، نجحت في تلميع صورتها تحت شعار "مملكة الخير" تارةً، و"زعيمة العالم الإسلامي السنّي" أخرى.
حاولت السعودية تزعّم العالم الإسلامي مستفيدةً من "فرص" عدّة، ويبدأ الإستغلال السعودي من البعد الديني والتاريخي لمنطقة الحجاز وموسمي الحج والعمرة، ويمرّ عبر ضعف أو إضعاف الأزهر الشريف في الآونة الأخيرة اذ تروّج السعودية لنفسها بـ"زعيمة العالم الإسلامي السني"، وتنتهي بشراء الذمم ووسائل الإعلام للكف عن مهاجمة النظام تارةً، والترويج لسياسته أخرى.
السياسة السعودية التي أطلق عليها البعض "القدرة الناعمة" لم تستهدف الخارج فحسب، بل حاولت الإستفادة من الصبغة الدينية بالتعاون مع الوهابية للحفاظ على الحكم، وقمع أي محاولة للإحتجاج أو التظاهر. لا بل إستصدرت سلطات الرياض الفتاوی الدينية من "آل الشيخ" التي تمنع أي إعتراض على الحكم لأنها تعد مخالفة لولي الأمر. ولكن ما هي القدرة الناعمة؟ وكيف دمّر النظام السعودي الحالي خلال أشهر ما بناه آل سعود خلال أكثر من نصف قرن؟
القدرة الناعمة
يبدو أن سياسة السعودية طوال الفترة السابقة إرتكزت على "القدرة الناعمة"، حيث أنه رغم إتهام السعودية بالوقوف خلف العديد من الأزمات الإقليمية بدءاً من نكسة 67 وليس إنتهاءاً بالازمة السورية، كانت سلطات الرياض تنفي أي علاقة لها بالأمر. وبالتالي لم تكن السعودية "الشقيقة الكبرى" لدول مجلس التعاون فحسب، بل عملت على الترويج لنفسها تحت شعار "مملكة الخير" مستفيدةً من حلفائها في مختلف الأقطار العربية والإقليمية والدولية.
بقيت "القدرة الناعمة" على حالها، وبما أن دوام الحال من المحال، وضع رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز السعودية على مفترق طرق، كما شكّل إستلام أخيه سلمان لزمام الأمور، الذي بدوره قام بتغييرات جذرية في هيكلية الحكم، ضربةً قوية لمقولة "الإقتدار الناعم"، حيث باتت السياسة السعودية رهناً لشباب عديمي الخبرة، تتسم سياستهم بالتهوّر حيناً، والطيش أخرى.
العدوان على اليمن
شكّل العدوان السعودي على الشعب اليمني العلامة الابرز في تعرية السعودية وكشف عورتها امام العرب والمسلمين، فقد ضرب العدوان على اليمن "القدرة الناعمة" للسعودية من خلال محاور عدّة، أبرزها:
أولاً لم تكن الهجمة السعودية الشعواء تستهدف الكيان الإسرائيلي الذي يحتل قبلة المسلمين الأولى، كما أنها لم تكن لتضرب الجماعات التكفيرية التي عاثت في الأرض فساداً، بل إستهدف العدوان السعودي شعباً مسلماً أعزل، جلّ ما إقترفه مطالبته بحقوقه السلمية. ولا يمكن للثقافة الإسلامية التغاضي عن هذا التصرّف السعودي بحق الشعب اليمني المسلم.
ثانياً السعودية التي تُحكم من عائلة، وليس نظاماً ديمقراطياً، كسرت قدرتها الناعمة ليس أمام العرب والمسلمين فحسب، بل امام كافّة دول العالم حيث لم يسجّل التاريخ أي عدوان عسكري للسعودية قبل اليمن. والعدوان على اليمن يعتبر خرقاً للحقوق والموازين الدولية، ويستوجب العقاب والمحاسبة في المحافل الدولية المختصة، محكمة العدل الدولية على سبيل المثال.
ثالثاً لم يخدم توقيت العدوان على اليمن السلطات السعودية بأي شكل من الأشكال، حيث أتى في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرّض لها شعوب المنطقة من الجماعات التكفيرية (داعش وأخواته)، وباتت السعودية في صف الجماعات التكفيرية أمام شعوب المنطقة، اذاً أن لداعش سوريا والعراق، وللسعودية اليمن والبحرين بوتيرة أخف.
رابعاً عدم مراعاة السعودية للحرمات الدينية والأشهر الحرام عموماً وشهر الرحمة على وجه الخصوص، دفع بالبعض لإعتبارها بمثابة كيان إسرائيلي آخر. فالسعودية باتت شريكاً للكيان الإسرائيلي حيث تستهدف الاولى الشعب اليمني، ويستهدف الأخير الشعب الفلسطيني.
خامساً لم يتركّز القصف السعودي على الجيش واللجان الشعبية المسلحة، بل عمدت السعودية إلى قصف المدنيين منذ اليوم الاول، وقد اقتصر هذا الضرب على المدنيين بعد نفاذ بنك الأهداف في الأسبوع الأول للعدوان. باتت السعودية تلاحق في المحافل الدولية، ولا ريب في أن غياب الدعم الأمريكي يعني محاكمة محمد بن سلمان بإرتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في العدوان على اليمن.
لم تقتصر نتائج العدوان السعودي على الهزيمة العسكرية والتكلفة الماليّة، بل ضُربت هيبة الرياض أو مقولة "القدرة الناعمة" بسبب السياسات المتهورة للنظام الحالي، وباتت السعودية بمثابة الضلع الثاني في الثالوث الإرهابي: الإسرائيلي-السعودي-الداعشي.