الوقت- يشهد العالم في الآونة الأخيرة حرباً تجارية بين القوى العالمية كافة، وخاصة بين الصين وأمريكا، ويدور بحث في الأروقة العالمية حول تأثير الاستثمارات الصينية في جانبي المحيط الأطلسي على هذه الحرب. وللحديث عن هذا الموضوع نشر الكاتب الفرنسي المعروف فیلیب لو کور مقالاً في موقع معهد" كارنغي" للبحوث والدراسات الاستراتيجية تناول فيه هذه القضية.
وجاء مقال الكاتب الفرنسي الذي ترجمه "موقع الوقت الإخباري" كالتالي:
بينما يراجع الكونغرس الأمريكي إصلاح لجنة الاستثمار الأجنبي الأمريكية، وهي لجنة مشتركة بين المؤسسات الإدارية مكلفة بمراجعة الاستثمارات الأجنبية التي من الممكن أن تؤثر سلباً على الأمن القومي الامريكي، يمضي الاتحاد الأوروبي أيضاً على نفس الخطا واضعاً آلية مراقبة أوروبية جديدة للاستثمارات الخارجية داخل الاتحاد، هذه الخطوات تلقاها الصينيون وأثارت مخاوفهم ودفعتهم لطرح تساؤلات حول أهداف هذه الآليات التي من المؤكد أنها سوف تضرّ بالمصالح الصينية في العالم.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه الصين باستراتيجيتها الاقتصادية لعام 2025 نحو اقتصاد مفتوح أساسه التكنولوجيا المتطورة، يقول بعض خبراء الاقتصاد إن الجدل الحقيقي يجب أن يكون حول كيفية الاستثمار حتى نجاح هذه الاستراتيجية، حيث وضعت الصين أهدافاً محددة في مجالات عدة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والمركبات المتقدمة، والبيوفارم، والمعدات الطبية والطيران، التي يسيطر عليها الغرب ما قد يشكّل عائقاً أمامها.
كما أن الخطوات الأمريكية والأوروبية الأخيرة هي بمثابة عراقيل مهمّة أمام نجاح الصين في مشروعها " الطريق المفتوح"، ومن الأمثلة على هذه الخطوات إنشاء الكونغريس الأمريكي لجنة اسمها CFIUS تعنى بمراجعة أي محاولة من قبل غير الأمريكيين (الصينيين) الاستحواذ والسيطرة على أي شركة أمريكية، ويترأس هذه اللجنة وزير الخزانة الأمريكية مع مجموعة من أعضاء دوائر حكومية أخرى، مثل التجارة والطاقة والشؤون الخارجية والنقل والدفاع والأمن.
وفي حال لم يتم الرد على المخاوف التي تتعلق بصفقة ما يمكن للرئيس الأمريكي تعليق أو حظر الصفقة، وعلى سبيل المثال في سبتمبر 2017، لم تقبل لجنة CFIUS إعطاء ملكية أسهم 1.3 مليار دولار في شركة تصنيع قطع الكومبيوترات "لاتيس"، لشركة "كانيون بريدج" التي يملكها رجل أعمال صيني.
وفي هذا السياق، تغيّرت الظروف أيضاً في دوائر صنع القرار الأوروبية، بعد أن استحوذ صانع الأجهزة الكهربائية الصينية "ميديا"، في عام 2016، على الشركة الروبوتية الألمانية "كوكا" التي تبلغ قيمتها 5.3 مليارات دولار، ومنعت ألمانيا وأمريكا جهود مستثمر صيني لتقديم عرض لشراء شركة المواصلات Aixtron التي تبلغ قيمتها التجارية 723 مليون دولار بسبب امتلاك أمريكا لأسهم داخلها، كما أقرّت وزارة المالية الفرنسية بأن المخاوف أدّت إلى رفض "العديد من الصفقات"، وبعد البيان المشترك بين حكومات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قال رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" في سبتمبر 2017 : "إذا كانت إحدى الشركات المملوكة لحكومة أجنبية ترغب في شراء ميناء أوروبي، وهو جزء من البنية التحتية الأوروبية، أو تريد شراء شركة تكنولوجيا دفاعية، فيجب أن يتم ذلك بشفافية كاملة".
وقد ناقش مسؤولو الاتحاد الأوروبي هذه القضية منذ بداية عام 2018 وحاولوا إيجاد حلّ مقبول لأعضاء الاتحاد الـ 28، كما أن أقلّ من نصف دول الاتحاد الأوروبي لديها هذا النوع من اللجان التي تعنى بالتدقيق في الاستثمارات الأجنبية، والتي ترتبط بشكل أساسي بالوقت الذي تؤثر فيه المعاملات على المصالح الدفاعية أو الأمنية للبلاد.
ووفقاً ليونكر إن قرار اللجنة غير إلزامي، ويمكن أن يصبح إلزامياً في حال أن المستثمر الخارجي يمكن أن يؤثر على الأمن القومي لعدة دول أوروبية، ويواجه هذا الاقتراح مقاومة دول شرق وجنوب أوروبا التي تستفيد من سخاء الصين، حيث بلغت استثمارات الصين في أوروبا عام 2017، 35 مليار يورو، في حين انخفض الاستثمار الأوروبي في الصين في الفترة نفسها إلى 8 مليارات يورو.
ولم تقف الصين مكتوفة الأيدي أمام هذه الإجراءات بل قامت بإجراءات مماثلة حيث تقول غرفة التجارة الأوروبية في الصين والتي مقرها بكين في التقارير التي تقدمها للاتحاد أن هناك تنافساً حادّاً بين الشركات الصينية والأوروبية في السوق الصينية، بعد أن كانت الشركات الأوروبية تتمتع بالأريحية أمام نظيراتها الصينية وذلك بفعل القوانين الجديدة التي أقرّتها الصين على المستثمرين الخارجيين في السوق الصينية.
وأضافت التقارير: عندما يتعلق الأمر بالاستثمار الأجنبي في اقتصادها، تصبح الشروط الصينية صعبة وخاصة في قطاعات خدماتية بما في ذلك صيد الأسماك، والاتصالات، والخدمات المالية، والنقل، والكهرباء والبناء. فمنذ بدء سياسة الباب المفتوح في الصين بواسطة جياوبينغ عام 1978، تعمل الشركات الأجنبية في الصين تحت سلسلة من قواعد الشركات المحلية، حيث يفرض عليها قواعد صعبة أكثر من مثيلاتها الصينية.
المعضلة الحقيقية هي أن أمريكا وأوروبا تحتاج إلى مستثمرين أجانب في السنوات المقبلة، وتعتبر الصين أيضاً مصدراً لرأس المال لأمريكا وللعديد من دول الاتحاد الأوروبي، والتي تميل إلى أن يكون لها نهج أكثر ودّية من الحكومة الفيدرالية في واشنطن، ولكن في الوقت الذي تظهر فيه بكين كمستثمر عالمي كبير، هناك خطر من أن "انسحاب الصين كمنافس حر" من شأنه أن يقوّض الدعم الشعبي للتعاون الاقتصادي مع الصين ويؤدي إلى نظام اقتصادي مفتوح وحرّ في التعاطي مع الدول الغربية.
وتدعو استراتيجية الأمن القومي الأمريكية إلى إجراء حوار مع الحلفاء الأوروبيين "للتنافس مع الإجراءات التجارية والاقتصادية غير العادلة للصين وملكية التقنيات الحساسة"، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت حكومة ترامب تريد مقاربة مشتركة مع أوروبا، وعلى الرغم من أن أمريكا والاتحاد الأوروبي لديهما اختلافات كثيرة، إلا أنه يتعين عليهما ضمان التبادل المنتظم للمعلومات والرصد المشترك لطبيعة ونطاق الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية الصينية.
ختاماً، إن إحدى النتائج المحتملة للإجراءات الأمريكية بحق الاستثمار الأجنبي داخل الأراضي الأمريكية هو التدهور العام في العلاقات الأمريكية الصينية، إضافة إلى أن الاستثمارات الصينية التي تستثمر في أمريكا من المحتمل أن تنتقل إلى أوروبا ما يدخل واشنطن في أزمة غير مسبوقة ويدفعها في هذه الحال إلى التنسيق الكبير مع أوروبا لتجنب تبعات هذه الأزمة.