الوقت- "الحرب التجارية بين الصين وأمريكا"، لهذا المشهد تحوّلت العلاقات الصينية الأمريكية بعد قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل قرابة شهرين بفرض رسوم جمركية على السلع والمنتجات الصينية التي تدخل السوق الأمريكية والتي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار، في خطوة اعتبرها داعموه ومؤيدوه محاولة لحماية السوق الأمريكية ودعماً للاقتصاد الذي يواجه العديد من التحديات وخصوصاً الصينية، فيما يراها بعض المحللين الاقتصاديين بمثابة مغامرة كبيرة ربما تدخل أمريكا في دوامة لا تخرج منها أبداً، كما يراها أعداؤه في الداخل الأمريكي بمثابة استعداء غير مبرر لقوى إقليمية بارزة لها دور في العديد من الملفات الآسيوية ذات الأولوية القصوى لدى البيت الأبيض.
السيناريو المتوقع؟!
قامت أمريكا منذ قرابة أسبوعين بنشر قائمة من 1300 سلعة صينية حيث تستورد أمريكا سنوياً "ما قيمته 50 مليار دولار تقريباً"، واحتاجت الصين إلى 11 ساعة فقط للرد على إجراءات ترامب الضريبية، وقامت بكين بفرض رسوم بنسبة 25 في المئة على 106 من السلع المستوردة من أمريكا، بما في ذلك فول الصويا والقمح والذرة والقطن ولحم البقر والسيارات والطائرات والمنتجات الكيماوية والتبغ.
ويعدّ أحد السيناريوهات التي بإمكان الصين اعتمادها في حال استمرار ترامب بهذه السياسة تجاهها، هو انخراطها في إجراءات بيع السندات الأمريكية والتخلص منها، خصوصاً بعد أن أصبح الدولار هدفاً مباشراً لبكين كآلية لإعلان الحرب المالية ضد أمريكا، التي تتأرجح في التهديد بحيث تستطيع تفادي الخسائر الضخمة التي قد تلحق بقيمة استثماراتها في الدين الأمريكي، ووفق أرقام رسمية، تستحوذ الصين على 1.261 تريليون دولار من الأوراق المالية الأمريكية الحكومية، ما يعد أكثر 20% من مجموع الديون الخارجية لتصبح أكبر حامل لسندات الخزانة والدائن رقم واحد في العالم لأمريكا.
هل تستطيع أمريكا الصمود أمام هذه السياسة؟!
قام الباحث الاقتصادي المعروف "ماكس كايزر" بالحديث عن ذلك قبل يومين في برنامجه في قناة راشداتودي الأمريكية، حيث قال: "يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التخفيض من الميزانية العسكرية الأمريكية وذلك من أجل حل الأزمات الاقتصادية داخل البلاد وتخفيض سندات الدين العام الأمريكي لمصلحة الصين إلى أدنى مستوى ممكن".
وقال كايزر: إذا كانت الصين تبيع ديونها لمدة 10 سنوات بسعر أقل من السعر الحقيقي من أجل ضرب الاقتصاد الأمريكي، فإن الزيادة الحادة في أسعار الفائدة في أمريكا ستكون حتمية.
وتابع: من أجل فهم أفضل لسياسات ترامب تجاه الصين، علينا أن نضع أنفسنا مكانه، عندما وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ورث أكبر عبء للديون على مرّ التاريخ، كما ورث ميزانية عسكرية تمثل حوالي 50 في المئة من إجمالي الضرائب التي تمثل 1.5 تريليون دولار أمريكي.
بعدها أدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه بحاجة إلى خفض ميزانيته العسكرية للتغلب على الديون الأمريكية، فقام بإلقاء نظرة على لوحة الشطرنج الجيوسياسية في أمريكا ووجد أن ميزانية وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية كبيرة.
وأضاف كايزر: وفقاً لنفس السياسة، وبعد اجتماع ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة، صعّدت واشنطن لهجة الانسحاب التدريجي من شبه الجزيرة الكورية، كما تقوم أيضاً بالتنسيق مع السعودية والكيان الإسرائيلي للانسحاب من الشرق الأوسط، وقيل أيضاً أن ترامب أخبر ألمانيا أيضاً أنه يخطط لخفض عضوية أمريكا في حلف الناتو.
وأكد المحلل الاقتصادي أن " كل هذا ينقلنا إلى الصين وإلى احتمالية انفجارها واستخدامها لسندات دين الحكومة الأمريكية خلال السنوات الـ 10 الماضية من أجل ضرب اقتصاد البلاد، وهذا خيار خطير بحوزة الصين، ويدرك ترامب ذلك جيداً ويحاول حماية أمريكا من هذا التهديد".
ويتابع كايزر: إن البنتاغون سيضعف لخفض عبء الديون الأمريكية مع ضعف الاقتصاد الأمريكي أمام الهجمات الصينية التي ستستخدم سندات الديون الأمريكية.
وأضاف الخبير الاقتصادي:" من خلال تقليل حجم الديون، ستصبح أمريكا هدفاً أصغر للصين، ويتقلص ضعفها الاقتصادي مقابل الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الناتجة عن إغراق سندات الدين الأمريكية التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات".
مضيفاً: "خفض ميزانية البنتاغون إلى النصف سيخفض سعر الصرف الأمريكي إلى النصف، ما يؤدي إلى ركود قصير ولكنه حاد في الاقتصاد الأمريكي".
ويعتقد كايزر أنه: " إذا قام ترامب بتقليل الميزانية العسكرية وفي نفس الوقت قام بدعم الشركات الاقتصادية الصغيرة والكبيرة ومنحها المصداقية، وقام برفع الميزانية لتطوير البنية التحتية في البلاد، فإن أمريكا سوف تخرج من هذا الركود بسرعة"، وختم كايزر إنه بطبيعة الحال، يمكن أن تتسبب الخطوة الصينية في مشكلات البورصة في البلاد.
ختاماً، يمكن القول إن الصين قادرة على هزيمة أمريكا بكل أريحية فالسندات التي تمتلكها بمثابة "قنبلة نووية" اقتصادية، وإذا أرادت سحب المفتاح النووي وقررت التخلص من السندات، سيكون لذلك تأثيراً مدوياً على أسواق المال في أمريكا، لكن استخدام هذه الورقة سيؤدي إلى صدمة تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي بأكمله.