الوقت-أعلن البرلمان الصهيوني صباح يوم الخميس الماضي عن التصويت على مشروع قانون ينصّ على أن "إسرائيل" هي الدولة القومية للشعب اليهودي، ووفقاً لهذا القانون تُعتبر اللغة والأعياد والطقوس الخاصة باليهود أموراً أساسية في الدولة الفلسطينية المحتلة، ويجب أن تخضع الأقليات الأخرى للقوانين اليهودية هذه، ما عدا في أعيادهم، لكن السؤال المهم هو، لماذا تم تمرير هذا القانون في الوقت الحالي؟ من المؤكد أن الإجابة على هذا السؤال يمكن أن توضّح بعض أجزاء اللغز المعقّد في منطقة غرب آسيا وتبيّن بعض الخطوات القادمة للمحور الصهيوني - الغربي.
منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي حاول الصهاينة الحدّ من حجم تبعات مواجهة الصهاينة عن طريق جرّ الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، وقد أتاح حضور بعض الفلسطينيين على طاولة المفاوضات للصهاينة إمكانية اللجوء إلى أسلوبهم المعتاد في الحيل والخداع، وخلال 21 سنة من المحادثات مع الفلسطينيين (1993 إلى 2014)، أزاح الإسرائيليون المبادئ والقيم الفلسطينية من طاولة المفاوضات إضافة إلى عدم منحهم أي مكسب أثناء المحادثات.
في حين كان الفلسطينيون الذين اعتبروا نهاية المحادثات بدايةً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يقفون في طابور انتظار طال لسنين عديدة لتحقيق حكومة مستقلة متجاهلين أن الهدف الصهيوني من إزالة المبادئ والقيم الفلسطينية عن طريق مفاوضات التسوية هو فرض الدولة العبرية اليهودية كشرط مسبق على الفلسطينيين.
وقد اقترب هذا الهدف الصهيوني من التنفيذ في أعقاب توقف المفاوضات في عام 2014، وبعد فشل محادثات القدس في عام 2010، أعلن الصهاينة أن قضية النازحين والقدس يجب ألا تكون ضمن ملف المفاوضات، وبدلاً من ذلك يجب أن يعترف الفلسطينيون بالدولة العبرية اليهودية، وهكذا أدّى الإصرار الصهيوني نفسه ونكثْ نتنياهو في تنفيذ الحد الأدنى من الاتفاقيات مع الفلسطينيين إلى فشل مفاوضات عام 2014.
ومنذ ذلك الحين، وضع الصهاينة الدولة اليهودية على جدول أعمالهم، لكن أوباما لم يكن لديه القدرة على تنفيذها لأنه كان يصر على إقامة دولتين، وعلى أساسه يتم إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يتناقض مع المشروع "اليهودي" للدولة العبرية، لأن تعريف الصهاينة ليهودية الدولة هو إقامة دولة في فلسطين التاريخية بكاملها، وليس فقط في الأراضي المحتلة عام 1948.
ومع انتهاء ولاية أوباما ومشاركة مرشحين آخرين للانتخابات، بحث الصهاينة عن مرشح للرئاسة يكون على استعداد للاعتراف بالحكومة العبرية لدعمه في حملته الانتخابية، وكان ترامب هو الخيار الأمثل الذي اتفق عليه الصهاينة، ومن أهم ما يؤكد هذا الكلام هو تصريح ترامب خلال الحملة الانتخابية أنه إذا أصبح رئيساً سينقل السفارة الأمريكية في الأراضي المحتلة من تل أبيب إلى القدس، وهو ما لم يجرؤ على تنفيذه الرؤساء الأربعة السالفون (بوش الأب، كلينتون، بوش الابن وأوباما).
ومن الشواهد الأخرى في هذا المجال هو تصريحات مسؤولي الكيان الصهيوني بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عندما بدا على وجوه المتطرفين المذهبيين سعادة غامرة بعد فوز ترامب في الانتخابات، لدرجة أن البعض داخل الأوساط الصهيونية حذروهم أنه من السابق لأوانه الاحتفال بفوز ترامب قبل رؤية أعماله.
وفي ذلك الوقت، كانت هناك عبارات في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تتداول بشكل متواصل، خاصة من قبل وزير التعليم في نتنياهو، نفتالي بنت الذي كان الأكثر وضوحاً من أي شخص آخر، وقال بنت بعد فوز ترامب: "إنه حان الوقت للفلسطينيين أن ينسوا الدولة الفلسطينية المستقلة، لقد ذهبت الدولة الفلسطينية المستقلة إلى مزبلة التاريخ"، وكان معنى هذه التصريحات أنها بداية تنفيذ مشروع الدولة العبرية اليهودية، ومن الواضح أن قانون "القومية" الذي أُقرّ في هذه الأيام في الكنيست الصهيوني، هو ذات مشروع الدولة العبرية اليهودية الذي تم تمريره بعد عام ونصف من حكومة ترامب وبعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس على شكل قانون.
قانون القومية وصفقة القرن
كان لكل رئيس من رؤساء أمريكا مشروعٌ لفلسطين، ففي فترة بوش الأب تم تقديم مشروع الحكومة الأمريكية لفلسطين بعنوان "عملية السلام في الشرق الأوسط" (Middel East Peace Process)، وكان بوش الأب وثلاث رؤساء من بعده يحاولون تنفيذ هذا المشروع، ولكن خلال فترة ترامب تم التخلي عن "عملية السلام في الشرق الأوسط" فجأة، ففي البداية لم يتحدث ترامب عن مشروع حكومته لفلسطين، لكنه كان دائماً يعترض على مشروع إدارة أوباما، ولا سيما مشروع الدولتين، لكن بعد مرور ستة أشهر على حكومة ترامب، أعلنت حكومته عن "صفقة القرن" بالتعاون مع جراد كوشنر، صهر ترامب، في حين لم يكشف ترامب رسمياً عن "صفقة القرن"، ولكن وفقاً لما أعلنه المسؤولون الأمريكيون والصهاينة وبعض حلفائهم الإقليميين في وسائل الإعلام تم تحديد إحداثيات "اتفاقية القرن".
ويتضح أن إحدى خصائص مشروع حكومة ترامب كما أعلن في الحملة الانتخابية هو التخلي عن مشروع الدولتين في صفقة القرن وإقامة دولة يهودية فقط في فلسطين، إن يهودية دولة "إسرائيل" التي ظلت ضمن الأجندة الصهيونية منذ عام 2013 هي جزء من صفقة القرن بل إنها أيضاً خطوة رئيسية له.
الخلاصة
إن الصهاينة الذين كانوا منذ سنين طوال يخططون للاستحواذ على الأراضي الواقعة ما بين النيل والفرات حيث يتضح ذلك جلياً في عَلَمهم، كان يتوجب عليهم كخطوة أولى ابتلاع فلسطين بأكملها، الأمر الذي توقف منذ أواخر القرن العشرين بظهور المقاومة الفلسطينية، لكنهم الآن أخذوا يخطون في اتجاه التهام كامل فلسطين من خلال صفقة القرن ويحاولون المضي نحو الخطوة الأساسية المتمثلة بالسيطرة على الأراضي ما بين النيل والفرات من خلال احتلال فلسطين بأكملها، وتتلخص مقدمة كل هذه الخطوات في يهودية الدولة العبرية التي أصبحت الآن حقيقة بعد التصويت على قانون "القومية" وهو لا يحتاج سوى تنفيذ لإعلان احتلال فلسطين التاريخية وطرد الفلسطينيين منها.