الوقت-اتسمت قمة رؤساء دول حلف شمال الأطلسي التي عقدت في 11 و12 يوليو الأسبوع الماضي في بروكسل بالأهمية من نواحٍ عديدة، واحد من أهم جوانبها الحديث عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في البيان الختامي للقمة، حيث انتقد البيان التجارب الصاروخية الباليستية الإيرانية فضلاً عن أنشطتها التي وصفها بالـ "المزعزعة" للاستقرار في الشرق الأوسط.
منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، أي منذ 4 عقود يشنّ الغرب إلى يومنا هذا حملة عنيفة على طهران، في محاولة منه للسيطرة عليها والحدّ من نفوذها الذي بات يضاهي نفوذهم في المنطقة وذلك عبر الوقوف أمام انتشار الخطاب المقاوم الذي تتبناه الجمهورية في المنطقة، وحاولت الدول الغربية عبر استراتيجيات عديدة تحقيق ذلك إلا أنها مُنيت بالفشل حيث إن إيران قد أصبحت رقماً يصعب كسره في المنطقة، ومن هذا المنطلق، وبعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحت أمريكا قائداً ورمزاً للكتلة السياسية والاقتصادية والعسكرية الغربية التي تواجه إيران تحت مسميات عدة ومن منابر عديدة ومن بينها منبر دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" وذلك بفعل الهزائم المتتالية التي تلقاها الغرب في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن وأفغانستان.
أوروبا ومحاولة تهدئة ترامب
وافق أعضاء الناتو على إصدار بيان ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالرغم من الفجوة الكبيرة الحاصلة بينهم وبين أمريكا والتي أضحت أكثر اتساعاً ووضوحاً من أي وقت مضى، فبعد أن شنّ ترامب حرباً تجارية على الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا، ودعمه عملية الفصل بين أعضاء الاتحاد، وإصراره في جلسة يومي أمس على الزيادة السريعة وغير المشروطة في الميزانية العسكرية من الدول الأوروبية إلى 2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتهديده بالانسحاب من الناتو في حال عدم تحقق مطالبه كل ذلك صنع فجوة وحالة غير اعتيادية كان لها تأثير كبير على دول أوروبا، أرادها الأوروبيون أن تقف عند حدّ معين في محاولة لإسكات سيد البيت الأبيض، وذلك عبر إعلانهم موافقتهم على الزيادة في الميزانية العسكرية للناتو، إضافة إلى شنّهم هجوماً عنيفاً على طهران متهمين إياها بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، كما يربط محللون أوروبيون هذه اللهجة الأوروبية بمخاوفهم المرتبطة مما سينبثق من معاهدات واتفاقيات عن القمة المرتقبة لترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد أيام في مدينة هلسنكي في فنلندا، كما تخشى الحكومات الأوروبية من أنها إذا عارضت طلبات ترامب، فسوف يقدّم تنازلات لبوتين الأمر الذي سيقوي في النهاية موقف موسكو ويزيد من التهديد لأوروبا، لذلك، يمكن القول إن بيان حلف الناتو المناهض لإيران جاء إرضاءً لترامب في محاولة لردم الفجوة بين الدول الأوروبية وأمريكا.
مقارنة بين عمل إيران وحلف الناتو في مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي
ومن الأهداف الأخرى التي يريدها الناتو من البيان الختامي لقمة بروكسل هو التعتيم على الوجه الحقيقي للناتو في المنطقة خاصة لجهة دعم الإرهابيين في كل من سوريا والعراق وأفغانستان مقابل تشويه صورة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي عملت بكل حرفية وحققت الانتصارات المتتالية، وساهمت بشكل كبير بالقضاء على أخطر تنظيم إرهابي شهده التاريخ والعالم وهو تنظيم "داعش" الإرهابي، كما أن احتلال أفغانستان والعراق والإطاحة بحكوماتهما بذريعة تعزيز الديمقراطية بقيادة أمريكا ودعم الناتو في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين لم يفشل فقط في خلق استقرار اقتصادي وسياسي في هذه الدول، وإنما ساهم في انهيار الهياكل السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذه الدول، بالإضافة إلى أنهار الدم التي سالت على أرض العراق وسوريا، والتهجير الذي تعرّض له المواطنون فقد أصبحت هذه الدول مكاناً مناسباً لنمو وانتشار الجماعات الوهابية الداعشية التي تتلقى الدعم المالي والتدريب العسكري من الأنظمة الغربية في المنطقة وفي مقدمتها الناتو.
كما أنه في العقد الأخير ساهم الناتو بشكل كبير في تفجّر الأوضاع في ليبيا وسوريا حيث وجّه ضربات عسكرية للنظامين في محاولة منه لتحقيق مطامعه وأجندته في منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية إضافة إلى دعم الكيان الإجرامي الصهيوني، وأمام هذه الوقائع أصبحت كل شعارات الإنسانية والديمقراطية التي ينادي بها الناتو والدول الغربية تفتقد للمصداقية وما هي إلا شعارات رنانة وذرائع لشنّ حروب لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل لأنها قوبلت بردّ فعل قوي من إيران ومحور المقاومة ومن شعوب المنطقة الذين رفضوا مرة أخرى المستعمر الأجنبي وقدموا الدم مقابل البقاء أحرار، وفي سبيل تحقيق ذلك وضعت إيران استراتيجية خاصة أساسها منع الوجود العسكري الغربي في المنطقة، ودعم الاستقلال السياسي والسيادي لشعوب المنطقة، والأهم مواجهة الإيديولوجيات التوسعية للكيان الصهيوني في المنطقة.
في المحصلة، يأتي بيان الناتو المناهض للجمهورية الإسلامية الإيرانية في ظل كسر بعض الدول كالسعودية والإمارات والكيان الإسرائيلي لجميع الحقوق الإنسانية في اليمن وفلسطين، بل الأخطر من ذلك ما يقوم به ما يسمى بالتحالف الغربي بدعم هذه الأنظمة بالسلاح والعتاد، ويقدم لهم الدعم اللوجستي والسياسي ليقتل الأبرياء بدم بارد.