الوقت- رغم وجود اختلاف واضح بين مختلف الجهات السياسيّة اللبنانية على عودة النازحين السوريين من عدمها إلى أراضيهم وقراهم، إلا أن هناك إجماع واضح من مختلف الفرقاء على نقطتين رئيسيتين: الأولى هي تحميل النازحين للاقتصاد اللبناني المتهالك أعباءً لا يطيقها، والثانية تتعلّق بأوضاعهم الإنسانيّة الصعبة في لبنان بسبب عدم قدرة الدولة اللبنانية على التعامل مع هذا التحدي، الأمر الذي أفرز وضعاً إنسانياً لا يُطاق.
وانطلاقاً من هذا الاختلاف، وطرح حزب الله لمسألة عودة النازحين إلى قراهم المحرّرة والتي تنعم بالأمن والاستقرار، وفي ظل عودة دفعات جديدة من النازحين إلى بلادهم، هناك أسئلة تطرح بشدّة اليوم حول خطوة حزب الله الذي شكّل لَجنة خاصة مهمَتُها التواصل مع النازحين السوريين الراغبين بالعودة، أبرزها: هل هي لعبة سياسيّة أم لفتة إنسانيّة؟
لا يختلف اثنان على كون هذه الخطوة في شقّها السوري تصبّ في مصلحة الرئيس السوري بشار الأسد كونها تعكس إرادة الشعب على الاستقرار في المناطق التي حررها الجيش والتي تنعم بالأمن والاستقرار، فضلاً عن تعزيزها لأوراق الرئيس الأسد على الصعيد الدولي وفي أروقة المفاوضات، وبالتالي تخدم الخطوة حليف حزب الله الرئيسي في المنطقة، ونتيجة لذلك قد تحمل أبعاداً سياسيّة.
ولكن، بعيداً عن التجاذبات السياسيّة التي لا حدّ لها في المشهد اللبناني، تحمل مبادرة حزب الله للعودة الطوعية والآمنة للنازحين إلى مناطقهم جملة من الدلالات والتبعات، أبرزها:
أوّلاً: تتلاقى مبادرة حزب الله مع جهود المنظمات الدولية لإغاثة اللاجئين، وقد حظيت بتأييد شعبي، وسياسي عبر انضمام التيار الوطني الحرّ إليه، وحتى بعض الأطراف الدولية التي سارعت للتواصل مع الحزب.
المناخ الإيجابي الذي سعى الحزب لتكريسه فيما يخصّ ملف اللاجئين، الممزوج بإيجابيّة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي كلّفه رئيس الجمهورية ميشال عون بتنسيق موضوع العودة مع المسؤولين السوريين، سيعزّز من مسار العودة.
ثانياً: تزامن دعوة حزب الله مع بيان وزارة الخارجيّة السورية التي دعت فيها السوريين الذين اضطرتهم الحرب والاعتداءات الإرهابية إلى مغادرة البلاد للعودة إلى وطنهم الأم، تؤكد وجود تنسيق على مستوى عالٍ لحلّ الأزمة.
كذلك دعت الخارجية السورية المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياتهم في هذا الخصوص والمساهمة في توفير متطلبات العودة الطوعية للسوريين إلى بلادهم، ومن هنا ستتلاقى جهود حزب الله قريباً مع جهود المنظمات الإنسانيّة.
ثالثاً: ساعات قليلة على إطلاق الحزب لمبادرته كانت كفيلة بتلقي مراكزه في بيروت والجنوب والبقاع آلاف الاتصالات للاستفسار من نازحين يقيمون على مختلف الأراضي اللبنانية، إطلاق بعض الأطراف النار سياسياً على مبادرة الحزب لن تجدي نفعاً، بل قد تؤثر على التنسيق القائم بين حزب الله والأمن العام اللبناني، وحينها سيلجأ الحزب إلى السير بنفسه في ضمان عودة آمنة وطوعية للنازحين، ولكن نرجّح رضوخ المعارضين إلى مسألة التنسيق مع الدولة السورية خاصّة بعد التطورات الأخيرة في الجنوب السوري والوصول إلى معبر نصيب مع الأردن، ما يؤكد ذلك هو الكلام الصادر عن جهات وزارية وأمنية أن "لبنان لم يعُد بإمكانه استيعاب أكثر من مليون ونصف نازح سوري بعد أن تحمّل العبء على مدى 6 أعوام".
رابعاً: رغم سياسات التخويف التي تعتمدها بعض المنظمات الفاعلة في ملف اللاجئين، بما فيها المفوضيّة العليا، وهو ما صدر سابقاً عن وزير الخارجيّة جبران باسيل الأمر الذي أثار امتعاض الرئيس الحريري، وتشير الإحصاءات الأوليّة إلى أن حوالي 74% من النازحين يفضّلون العودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية، الأمر الذي يؤكد أننا سنكون بعد فترة قريبة على موعد مع عودة آلاف السوريين باتجاه مناطق سورية عدّة.
بصرف النظر عن النوايا التي تدور في أذهان حزب الله، كوننا نحكم على الأفعال لا النوايا، ورغم أننا نملك حسن نيّة مسبقة تجاه حزب الله، إلا أن محاكمة الحزب على أفعاله فيما يخصّ اللاجئين السوريين تؤكد أن المسألة تحمل بعدين رئيسيين، الأوّل إنساني يتعلّق بمسألة النازحين حيث يسعى البعض لتجييرهم سياسياً في معركته الداخليّة، والثاني لبناني بامتياز ويتعلّق بالشقين الأمني والاقتصادي للبلاد، نعتقد أن حزب الله الذي نجح في كسب جمهور شعبي واسع من المناوئين له سياسياً إثر وقوفه سدّاً منيعاً على البوابة الشرقية للبنان حال دول وصول المدّ التكفيري إلى لبنان، سيحصل على دعم شعبي مماثل من مناوئيه أكثر من محبيه، كون هذه الخطوة ستخدم النازحين والاقتصاد اللبناني على حدّ سواء، وأما في الشقّ السوري ففي حال تعاطت الدولة السورية بإيجابية واضحة مع هؤلاء (هناك معلومات عن تسهيلات غير مسبوقة للعائدين في الفترة الأولى)، وسينعكس الأمر برداً وسلاماً على الحزب الذي سعى كثيرون لتشويه صورته في العالمين العربي والإسلامي.
ندعو جميع الأطياف اللبنانية لمشاطرة الحزب في خطوته الأخيرة، كون هذا الأمر سينعكس إيجاباً على لبنان قبل أي طرف آخر، ولا بدّ من وضع خطّة وطنية شاملة بشأن النزوح وعودة النازحين إلى بلادهم، وأما ما يفعله حزب الله اليوم فيصحّ فيه القول "ضربة معلم" إنسانيّة – اقتصاديّة – أمنية - وسياسيّة.