الوقت-عشيّة الانتخابات الرئاسية التركية، أعلن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكردي، صلاح الدين ديميرطاش، في رسالة له قبل الانتخابات أن سياسة الحزب الحاكم قتلت أرواح أطفالنا وشبابنا من أجل مطامعها السياسية الداخلية والخارجية.
كلام ديميرطاش لاقى ردود أفعال قوية في تركيا، حيث رأى فيه عدد من المحللين استهدافاً بشكل واضح لسياسة الحروب الداخلية والخارجية التي يقوم بها أردوغان، وهذا الانتقاد يشمل جميع أنوع الحروب من قصفه للمناطق الكردية داخل الحدود التركية، إلى الوجود العسكري التركي خارج الحدود وخاصة في الساحة السورية.
ولا يعد ديميرطاش المنتقد الوحيد لسياسات أردوغان الهجومية في المنطقة، إذ قام كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، أقوى أحزاب المعارضة الرئيسية في تركيا، وهو المعارض الرئيسي للرئيس أردوغان وحزبه وسياساته بصفته زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية ومؤيد للنظام السوري، قبل أيام بانتقاد سياسات أردوغان الحربية في الداخل والخارج التركي التي تخدم أهدافاً أخرى غير التي أعلن عنها، هجوم كيليتشدار على أردوغان فتح باب التساؤل حول الأهداف الحقيقية لقصف أردوغان لمناطق قنديل تحت اسم مكافحة الإرهاب، وبشكل غير مباشر حول أهداف أردوغان الانتخابية من هكذا إجراءات.
في المقابل، ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هذه الانتقادات ودافع عن العمليات العسكرية التركية قائلاً بأن تركيا ستواصل القضاء على قوات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق وعملياتها في سوريا.
الانتخابات والسياسة الخارجية المتشددة لأردوغان
يتجه أكثر من 60 مليون ناخب تركي، غداً الأحد، إلى صناديق الاقتراع؛ للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، هي الأولى بعد إقرار التعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد عام 2017، حيث يتنافس 6 مرشحون أعلنتهم اللجنة العليا للانتخابات رسمياً، منتصف مايو الماضي على الكرسي الرئاسي في تركيا كما يتنافس آخرون على 600 كرسي نيابي في المجلس التركي.
في الواقع، يرى محللون أن الانتخابات المقبلة ستكون بمثابة استفتاء كامل حول استمرار الحياة السياسية لأردوغان، ويشنّ منتقدو أردوغان حملات انتقاد واسعة عليه بسبب حروبه التي يشنّها عشوائياً إضافة إلى سياسته الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة التي لم تجلب إلا الفقر للشعب التركي حسب وصفهم.
ومما لا شك فيه أن السياسة الخارجية التركية الحالية تختار نوعاً من النهج العدواني والعسكري بدلاً من المساهمة الحقيقية في حل مشكلات جيرانها (سياسة الصفر مشكلات مع جيرانها)، حيث بات واضحاً للجميع كيف أن النزعة العسكرية في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا والعراق واليونان وحتى ضد حليفتها أمريكا.
ويعتقد محللون أتراك أن تسليط الضوء على النزعة العسكرية في السياسة الخارجية للدول هو سيف ذو حدين، فمن ناحية قد يستطيعون جمع الشعب خلف أهدافهم العسكرية، إلا أنهم قد يفتحون باباً كبيراً لمنتقديهم بسبب تكلفتها المالية والإنسانية الباهظة، والوضع الحالي لأردوغان هنا لا يختلف عن نفس السيف ذو الحدين، في حين يحاول أردوغان، تحت شعارات قومية وراديكالية، الدفاع عن مغامرات بلاده العسكرية في سوريا والعراق، لكنه تعرّض في المقابل إلى انتقادات كثيرة بسبب نتائج هذه الحملة المثيرة للجدل والتي لا تحظى بشعبية.
ويصبح أثر هذه الانتقادات أكبر عندما تسعى أمريكا حليفة تركيا إلى طرد القوات التركية من سوريا، أي بمعنى أن حليف أنقرة الرئيسي يعمل ضد مصالحها في المنطقة، كما أن قوى أخرى فاعلة في المنطقة ترى في هذه الحملات خطراً كبيراً وتدعو أردوغان إلى الانسحاب من سوريا أيضاً، وهنا وبسبب هذا الرفض الدولي لحملات الجيش التركي خارج الحدود كان عاملاً بارزاً في شحذ النقد ضد سياسات أردوغان.
كيف يصطاد أردوغان السمك في المياه العكرة للحروب الخارجية؟!
بالرغم من الانتقاد الواسع للمعارضة التركية للرئيس التركي الحالي لعملياته العسكرية في الخارج والداخل، يستفيد أردوغان من هذه العمليات في حملته الانتخابية التي يرى فيه عنصراً رئيساً في استمرار حزبه مرة أخرى في السيطرة على الحكم في تركيا، وفي الواقع إن قمنا بإلقاء نظرة على العمليات العسكرية التي يقوم بها أردوغان في سوريا نرى أنها قد تزامنت مع الأحداث السياسية في الداخل التركي، فعملية "درع الفرات" وهي واحدة من المراحل المهمة للتدخل التركي في سوريا قد بدأت في أغسطس 2016، وذلك بعد شهر واحد من الانقلاب الفاشل في تركيا.
كما أن عملية غصن الزيتون الأخيرة وبعد نجاح القوات التركية باحتلال عفرين أعلن أردوغان عن انتخابات مبكرة، ومن هنا كتبت الكاتبة التركية غونول تول مقالاً حمل عنوان: "كيف تشنّ حرباً في سوريا وتربح انتخابات في تركيا" أظهرت فيه التجييش الدينيّ الذي رافق إعلان المعركة في عفرين، ورأت أنّه بغضّ النظر عن عدم قابليّة الأكراد في تحقيق أيّ من الأهداف التي تتخوّف منها تركيا، فقد نجح الرئيس التركيّ بحسب رأيها في كسب تعاطف القوميّين الأتراك للانتخابات الرئاسيّة المقبلة.
وعليه، يمكن اعتبار الحضور التركي الحالي في سوريا بمثابة أفيون أردوغاني للشعب التركي من أجل تخفيف عبء بعض المشكلات الاقتصادية داخل البلاد عن كاهله والتعتيم عليها، والأهم من ذلك، التأكيد على شرعية وجوده لأكثر من 15 عاماً في حكم تركيا.
كما أن ظهور أردوغان بالزي العسكري على جبهات القتال في سوريا هو من أجل إظهار وإثبات القوة العثمانية التي يريدها ويتمناها والتي ليست كما يراها، ويجب علينا انتظار نتائج الانتخابات التركية من أجل الإجابة على سؤال إن كان أردوغان سيعود أقوى مما كان عليه.