الوقت- مع حلول شهر رمضان المبارك يواصل أهالي بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في ريف إدلب شمال سوريا صمودهم بوجه الجماعات الإرهابية التي تحاصرهم منذ أعوام ويواصل أهالي البلدتين مسلسل المقاومة على جميع الأصعدة.
أهالي المدينتين المحاصرتين منذ سنوات يكملون كل يوم في هذا الشهر الكريم صيامهم ويكملون معه أيضاً معاناتهم بعد أن دمّرت الجماعات الإرهابية خزان المياه الوحيد في البلدة وأخرجته من الخدمة، بالإضافة إلى انعدام المشتقات النفطية لاستخراج المياه الجوفية، ولم يبقَ لأهالي المنطقة سوى الاعتماد على بعض الآبار السطحية القليلة والتي بمعظمها غير صالحة للشرب.
في بلدتي الفوعة وكفريا حيث لا محال تفتح أبوابها ولا أسواق تستقبل روّادها لا يحلّ شهر رمضان بطقوسه وأجوائه المعتادة، بل يحلّ عليهم فقط بفريضتين إحداهما فرضها الله العزيز الكريم وهي صيام هذا الشهر، والأخرى فرضتها الجماعات الإرهابية جوراً وظلماً على المدنيين وهي فريضة الصبر على الجوع والقهر والمعاناة التي تتكرر كل يوم وكل ساعة في هذه البقعة السورية المحاصرة.
الحصار الخانق أفقد سكان البلدتين أدنى مقومات الحياة والعيش الكريم وتحوّلت مطالبهم من كسر الحصار إلى إيجاد مخرج بسيط يمدّهم بقوت عيشهم ويساعدهم على البقاء بقوة تمنعهم من الموت جوعاً.
ومع حلول الشهر رمضان المبارك ومسارعة أهالي المنطقة إلى إحياء لياليهم والتقرب من الله في بيوته، صعّدت الجماعات الإرهابية من وتيرة قصفها للمساجد التي تحوّلت إلى هدف أسياسي للإرهاب مع كل مناسبة دينية على أمل سقوط قذيفة تزهق أرواح أكبر عدد من المدنيين في مسعى لمنع رفع ذكرى الله فيها.
حتى المقابر لم تسلم من ظلم الجماعات الإرهابية وكأن جبهة النصرة وأخواتها في الإرهاب لم يكفهم قهر الأحياء فأصرّوا أيضاً على انتهاك حرمة الأموات، بالإضافة إلى قصف المدارس في البلدتين في مسعى لإطفاء أي شمعة حياة لأكثر من 6 آلاف مدني محاصر.
المزروعات لم تكن أفضل حظّاً، إذ عمد الإرهابيون الذين يحاصرون الفوعة وكفريا لحرق المحاصيل الزراعية، من خلال إشعال عدة حرائق بالأراضي الزراعية عن طريق إطلاق النار من قبل المسلحين عليها، ورغم الإمكانيات الضعيفة فإن أهالي البلدتين لا يوفّرون أي جهد لإخماد هذه الحرائق، ورغم ذلك فإن هناك ثلاث حوادث حرق في أراضي الفوعة وللأسف القمح الذي ينتظره المحاصرون التهمته النيران.
وجع الأهالي يختصره مشهد الركام والدمار فحيثما توجّه ناظريك لن ترى أمامك سوى الدمار والخراب وكأن المنطقة مهجورة منذ سنوات، ما إن تمشي قليلاً في شوارع بلدة الفوعة حتى تسمع أصوات أطفال يتراكضون عراة خلف بعضهم وأصواتهم ترتفع فوق صوت القذائف والصواريخ، ليخيّل إليك للحظة أن هناك زئير رجال صابرين بهيئة أطفال نظراتهم أقوى وأثقب من سجانيهم.
واقع البلدتين المحاصرتين أصبح معروفاً لدى الجميع من حيث نقص المواد الغذائية والطبية وعدم توفر المواد الضرورية لإصلاح ما خرّبه الإرهابيون وقذائف حقدهم، والمدنيون ورغم تحوّل منازلهم إلى أكوام حجارة مازالوا يسطّرون ملحمة صمود سيخلدها تاريخ بلادهم لأجيال قادمة، معاناة الأهالي الاجتماعية تضاف إلى الحصار الجائر، فالقصف المستمر يخلّف شهداء وجرحى بشكل شبه يومي في ظل انعدام الأدوية ومعدات الإسعاف الأولية ناهيك عن انقطاع جميع المستلزمات الطبية عن مشفى المدينة الذي تحوّل إلى بناء شبه خالٍ.
والعمل الأكثر إرهاقاً أيضاً لنساء أهالي الفوعة وكفريا هو الجلوس قرب موقد النار قبل الإفطار بثلاث أو أربع ساعات لطهو الطعام وتحضير الخبز حيث تبلغ درجة الحرارة أمام الموقد ٦٠ درجة مئوية، ما يؤدي إلى العطش الشديد ناهيك عن أمراض التحسس الصدري المنتشرة جداً بين أهالي الفوعة وكفريا جرّاء تنشق دخان النار.
صمود متعدد الأوجه والأشكال يعيشه أهالي الفوعة وكفريا ولم تفلح حرمة شهر رمضان الكريم في تحريم دمهم على من يدّعون أنهم مسلمون ولكن يبقى الأمل لدى سكان البلدتين كبيراً بقرب تحرّرهما من نير الإرهاب أو على الأقل أن تتوصل حكومة بلادهم إلى اتفاق يزيح عن كاهلهم ظلم السنوات الثلاث الماضية وما عانوه من ويلات.